الأحزاب المتناحرة «تسلخ» جبارة
البارز في استقالات أعضاء المجلس البلدي هو اتفاق الأعضاء الذين ينتمون إلى أحزاب متناحرة على وضع خلافاتهم جانباً والعمل بالنقاط المتوافق عليها بينهم. الأعضاء المستقيلون هم: نائب الرئيس منصور فاضل وهو نائب رئيس التيار الوطني الحر لشؤون الشباب، وجوزيف الخويري (تيار) وإبراهيم الصقر وأندريه نجم (محسوبان على النائب العوني إبراهيم كنعان)، صوفي جلوان أبو جودة (جبارة - تيار)، أنطوان شهوان وعادل إيليا (كتائب)، جوزيف نعمة وجوزيف ميرو (قوات لبنانية)، إيلي تنوري ونزيه يزبك (المر). بدأ هؤلاء اجتماعاتهم منذ مدة بقيادة فاضل وكان عددهم نحو 4، قبل أن تتوسع دائرة المتململين من حكم رئيس البلدية وابنه الذي بات «الآمر الناهي»، فتمكنوا من الإيقاع بجبارة لا سيما مع تعاون الياس المر وتجاوبه. اللافت أن الأعضاء الحزبيين مشوا في القرار قبل استشارة أحزابهم وانتظروا اكتمال عدد النصف زائداً واحداً للبدء بجولة على القيادات المتنية وإبلاغها بقرارهم. رئيس حزب الكتائب السابق أمين الجميل طلب من العضوين المحسوبين عليه التروي، لكنه خضع لإصرارهما لاحقاً. علماً أن بين الأعضاء الذين لم يقدموا استقالاتهم اثنين كتائبيين (كميل واكيم وغازي أبو خليل) وقواتياً (طوني صقر) وموالياً لحزب الطاشناق (جاك ترتاشيان)، إضافة إلى أعضاء محسوبين على رئيس البلدية (عفاف عطية وعبدو شختورة وغابي سلامة وربيع قاصوف وطوني باخوس). وقد حاول «الريّس» التأثير على أحد الأعضاء المستقيلين لإبطال أكثرية النصف زائداً واحداً، إلا أنه لم ينجح.
توقيت استقالات أعضاء البلدية يثير تساؤلات خصوصاً أن أداء جبارة ليس جديداً ولم يكن خافياً على أحد
وأعاد المستقيلون التأكيد على استقالاتهم مرة ثانية بكتاب مضمون بعد مرور شهر، كما تنص المادة 30 من قانون البلديات لتعتبر الاستقالة نهائية. ولكن، حتى الآن، لم يصدر محافظ جبل لبنان أي قرار بحلّ البلدية. ويضع بعض المستقيلين الأمر في خانة ضغوط جبارة على القائمقامية والمحافظة لتأجيل البتّ بالاستقالات ريثما يتبيّن ما إذا كانت الانتخابات البلدية ستحصل أم لا. أما أسباب الاستقالة، فيردها أحد الأعضاء إلى «تراكمات وتجاوزات تعززت في العامين الأخيرين خصوصاً بعد أن سلّم جبارة نجله سيزار القرار البلدي بما فيه القرار المالي، فسخّر كل مقدرات البلدية وخدماتها ليتصرف بها كما يشاء رغبة منه بتوريثه رئاسة البلدية، ما أسهم بجمع كل الأطراف ضده.
جبارة، من جهته، قال لـ«الأخبار» إنه «تَعِبت بعد 23 سنة في البلدية، ويرغب ابني بأن يكفي عني، أخلاقياً هل يمكن أن أمنعه؟». ويضيف: «منعمل انتخابات وخليهم يربحوا وأنا بروح بهنيهم». ويثير جبارة شكوكاً حول الاستقالات مشيراً إلى «علامات استفهام» حولها، ومؤكداً أن «البلدية لم تُحَلّ بعد».
وتجدر الإشارة إلى أن أي معركة بلدية لن تكون سهلة على خصوم جبارة الذي بنى منظومة موالية له من الإدارات العامة إلى القائمقامية فالمحافظة فالمراكز الأمنية، وأسهم في توظيف عدد كبير من أهالي البلدة وأمّن لهم الامتيازات. إنما فقد اليوم كل غطاء سياسي بعد طعنه بالمرّ الجدّ ثم بالرئيس عون وهو ما سهّل مهمة الإطاحة به. وفي حال اتفقت الأحزاب، بالطريقة نفسها التي توافق فيها الأعضاء، على خوض الانتخابات بلائحة واحدة ستتمكن من إسقاط نجله وفرض صيغة جديدة في المجلس البلدي.
سر التوقيت؟
حلّ البلدية هو بداية هزيمة لإمبراطور «الجديدة- البوشرية -السدّ» من دون أن يعني ذلك سقوطه كلياً. فأنطون جبارة بنى خلال الأعوام الماضية شبكة من المصالح والزبائنية وقبض على كل «البزنس» في البلدة، كما حرص على تلبية مطالب كل من يمكن أن يقف في طريقه لترغيبه بالامتيازات والخدمات. هكذا، استحوذ على كل المرافق الحيوية في البلدة: محطات الوقود تحت إدارة العائلة، الصيدلية الرئيسية في المنطقة بإدارة زوجة ابنه وتتعاقد البلدية معها فقط. بيع المازوت ومولدات الكهرباء يديرهما أحد أعضاء المجلس البلدي بتكليف من جبارة. ولا يمكن لمتعهدي جبل النفايات ولا لشركات النفط الواقعة ضمن نطاق المنطقة العمل من دون رضى الريّس ولا لشركات الإعلان استخدام اللوحات من دون مشاركته الأرباح. في المقابل، يسخى جبارة على المحيطين به ويقدّم الهبات والتنفيعات لأفراد ومجموعات ومقربين… كل ذلك من صندوق البلدية يوم كان محشواً بالدولارات. لكن اللافت هنا توقيت تقديم هذه الاستقالات، مما يستدعي السؤال عما حال دون فرط البلدية قبيل سنوات، خصوصاً أن أداء جبارة ليس جديداً ولم يكن خافياً على أحد. واللافت أكثر أن أياً من الأعضاء لم يكشف عن سبب الاستقالة، ولا يبدو أن هناك نية لدى أي منهم بالتقدم بدعوى ضدّ «الريّس» لمحاسبته. الأكيد أن ثمة رغبة بالإطاحة به للجلوس محله.