صدر قرار تعليق الإضراب في المدارس الرّسمية عن روابط التعليم مساء أول من أمس، ولكن لا تعليم متوقّعاً اليوم، بل فوضى تربوية شاملة. في معظم الثانويات، الإضراب مستمر في مراكز العمل رغم دعوة المديرين التلامذة للحضور، فالأساتذة يستعدون لاعتصام عند الساعة الحادية عشرة صباحاً أمام وزارة التربية، في ظلّ رفض عارم لتفرّد المكاتب التربوية للأحزاب وأعضاء الهيئة الإدارية بالقرار، ما خلا بعض النقابيين الذين رفضوا احتكار قرار الأساتذة ومخالفة النظام الداخلي للرابطة الذي يؤكّد دائماً على العودة إلى الجمعيات العمومية. في المدارس، شبه انتظام، مع عودة أساتذة الملاك وإضراب جزء من المتعاقدين. وفي المهنيات، «تعليم مجتزأ» وفق رئيس رابطة التعليم المهني سايد بو فرنسيس فـ«المتعاقدون لا يزالون على إضرابهم، وهم غير قادرين على العودة بالوعود فقط».
صفر إنجازات
للمرّة الثانية في عام دراسي واحد، ترضخ الروابط للضغوط الخارجية عليها، وتقرّر العودة إلى التعليم بشكل فردي، وبـ«صفر إنجازات»، لا بل أقلّ، بعد نجاح بعض المكاتب التربوية بـ«سحب فكرة الاحتكام للأساتذة عبر الجمعيات العمومية عن طاولة البحث». بعد يوم سبت عاصف بالنقاشات ومحاولات إيجاد المخرج والصيغة المناسبين لإنهاء الإضراب، تخلّلته انسحابات لأعضاء من الهيئات الإدارية لروابط التعليم رفضاً لـ«التفرّد بالقرار والخضوع للتعليمات»، انتهى الأمر بصدور قرار «تعليق الإضراب في التعليم الصّباحي مع إبقائه سارياً في التعليم المسائي (السّوريين)»، بعد إصدار الروابط قراراً عدّدت فيه خمسة مطالب بدأت على إثرها الإضراب، وخمسة وعود أنهت على أساسها تحرّكها، معتبرةً أنّها نالت مكاسب، في حين أنّ الأساتذة لا يرون فيها إلّا سراباً، ويحضّرون اليوم لانتفاضةٍ مشابهةٍ لما جرى في 9 كانون الثاني من العام الجاري، والتي أدّت إلى توقف التدريس في التعليم الرّسمي لشهرين.
«الوضع المالي قبل الإضراب أفضل من بعده»، بحسب أحد النقابيين. فتحرّك التعليم الرّسمي قد انطلق على سعر دولار يناهز الـ40 ألف ليرة، وسعر صيرفة 31.200، فبلغ راتب الأستاذ مع المساعدة الاجتماعية المقرّرة في موازنة 2022 ما يقارب الـ300 دولار، وفق منصة صيرفة. اليوم، وبعد مرور شهرين على الإضراب، يُطلب من الأساتذة العودة بالتوازي مع انهيار مستمرّ في العملة الوطنية، إذ يناهز سعر صرف الدولار الـ85 ألفاً، وسعر الدولار على منصة صيرفة يساوي 70 ألفاً، ما يعني تهاوي قيمة الراتب بنسبة 35%.

الجمعيات العمومية ممنوعة!
«تعليمة فك الإضراب» طُبخت منذ مطلع شهر شباط، إلا أنّ التخريجة الملائمة أتت بعد إعلان وزير التربية يوم الخميس الماضي، وفي برنامج تلفزيوني على طريقة السّبق الصحافي، قراره بدفع بدلات إنتاجية بالعملة الأجنبية للجهاز التعليمي، بالإضافة إلى قرار الحكومة تعديل بدلات النقل لتصبح 5 ليترات بنزين يومياً، الذي لم تُحدّد آلية تطبيقه. فوجدت المكاتب التربوية، الواقفة في ظل الهيئات الإدارية للروابط، الفرصة سانحةً لإنهاء الإضراب وإعادة الأساتذة رغماً عنهم إلى المدارس، من دون الأخذ برأيهم حول المكتسبات التي استطاعت الروابط تحصيلها خلال شهرين من التفاوض مع الحكومة، وبالتالي «ضغطت بكلّ قوّتها لمنع عقد جمعيات عمومية معروفة النتائج مسبقاً»، بحسب مصادر «الأخبار» في الروابط، ضاربةً عرضَ الحائط بهذا المبدأ، كون المكتسبات أقل بكثير من المتوقّع.

سراب الوعود
وتشير المصادر إلى «غياب أيّ تمويل حقيقي لبدلات الإنتاجية التي يتكلّم عنها وزير التربية، إذ لا أموال من الجهات المانحة، بل اعتمادات بالليرة اللبنانية تنتظر الوزارة من مصرف لبنان تحويلها إلى عملةٍ أجنبيةٍ»، وتضيف المصادر اشتراط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على الوزير الحلبي «إحضار الأموال كاش لصرفها كاش، وسيصرفها المصرف بالعملة التي تصله، إن كانت بالدولار تُصرف بالدولار، والعكس صحيح».
وكانت الحكومة قد حوّلت إلى حساب وزارة التربية مبلغ 1050 مليار ليرة، بموجب المرسوم 11046، ولكنّها «لم تصل إلى مديرية الخزينة حتى الآن»، وهي أصلاً بالليرة، بينما بدل الإنتاجية مقرّر بالدولار، وكان رهان التربية على صرفها وفق سعر منصّة صيرفة 31.200، إلا أنّه أصبح 70.000، ما يعني تراجع قيمة المبلغ من حوالي 33 مليون دولار إلى 15 مليوناً، وتتساءل المصادر «من يسدّ هذه الفجوة، ومن يدري قد يرتفع سعر صيرفة في الأيام القادمة؟».
الأساتذة سيعودون لكنّ الحوافز لن تُصرف في نهاية الشهر، إذ لا أموال كافية


ويُذكر أنّ «قرار وزير التربية الإعلامي» الرقم 147، المتعلّق بـ«تسديد بدل الإنتاجية» أسقط تحديد آلية صرف الأموال المقرّرة كبدلات إنتاجية، فبعدما كانت الوعود بدفعها «فريش عبر شركات تحويل الأموال، أصبحنا اليوم أمام واقع ضبابي»، وكأنّ المطلوب هو إعادة تسيير العام الدراسي كيفما كان. ومن دون ضمانات، يقدّر أحد أعضاء رابطة التعليم الثانوي بأنّ «الأساتذة سيعودون في آذار، وآخر الشهر لن تُصرف الحوافز، إذ لا أموال تكفي، ما يعني العودة إلى الإضراب قسراً». كما يستغرب أساتذة ومديرون «تخصيص 50 دولاراً إضافية على الورق» لمدير المدرسة، ما يرون فيه «رشوة لدفع المدير على الوقوف ضد رأي أساتذته».

الفروع تنتفض
ثورة الأساتذة امتدّت أيضاً إلى فروع رابطة التعليم الثانوي، إذ أكّدت 4 فروع من أصل 6 «استمرارَ الإضراب»، مطالبةً الهيئة الإدارية بـ«الاحتكام إلى الجمعيات العمومية، التزاماً بالنظام الداخلي»، كما لم تغفل الفروع التذكير بـ«ضرورة وجود مندوبين لها أثناء فرز الأصوات». إلا أنّ ثورة الفروع هذه لم تصل إلى فرعَي الجنوب والنبطية، وإن أصدر الأخير بياناً مقتضباً يطالب فقط بـ«العودة إلى الجمعيات العمومية»، من دون تحديد الموقف.