بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، كان يمكن القول إن ثنائي حزب الله وحركة أمل كرّس أحادية مطلقة تاريخية للتمثيل الشيعي النيابي بحصوله على 27 مقعداً شيعياً من أصل 27، فيما حافظ النائب وليد جنبلاط على تمثيله النيابي الدرزي (6 من 8)، وتوزع النواب المسيحيون كالآتي: 18 قوات لبنانية، 16 تيار وطني حر، 16 بين ثوار ومستقلين ومصرفيين ورجال أعمال، 5 فرنجية، 4 كتائب، 3 طاشناق، 1 اشتراكي، 1 أمل.أما لدى الطائفة السنية، فإن أكثر من نصف من فازوا بالنيابة (15 من أصل 27) كانت هذه تجربتهم النيابية الأولى، وهم واجهوا صعوبات كبيرة لتحديد تموضعهم نتيجة الانقسام السياسي السني المستجد على جميع المستويات. أما اليوم، وبعدما توطّد التواصل بين هؤلاء وبين زملائهم داخل اللجان النيابية، واتضحت طبيعة علاقاتهم وما يستتبعها من تموضع سياسي وانتخابي، بات في الإمكان تقديم تعريف سياسي موجز لكل منهم، وفق الكتل المفترضة:

تكتل سني مؤيد للثنائي
يضم هذا التكتل 11 نائباً، هم:
1 - وليد البعريني (عكار): عضو في كتلة الاعتدال، أقرب في خياراته السياسية اليوم إلى كل من تيار المردة وحزب الله وسوريا بحكم علاقاته التجارية واتكاله على أعماله الخاصة لتمويل عمله السياسي. وهو النائب الأكثر حضوراً لجهة الخدمات في عكار اليوم، قبل أن يتعرض لنكسة كبيرة في بلدته فنيدق نتيجة تموضعه الخاطئ في انتخابات دار الإفتاء الأخيرة. وهو ينطلق من ثابتين أساسيين: بلدته الكبيرة، والزاوية القادرية (تيار صوفي) التي تعدّ المرجع الأول والأخير بالنسبة إليه.
2 - محمد يحيى (عكار): عضو في تكتل لبنان القوي، يحرص على إظهار التزامه بما يقرره رئيس التكتل النائب جبران باسيل، ويشارك في الاجتماعات ويفعل بحماسة كل ما يطلب منه. لكن، في الحسابات السياسية، يفترض أن يتراجع باسيل إلى المرتبة الثالثة في ولاءات يحيى، من دون أن تتكوّن حتى اليوم صورة واضحة ما إذا كان ولاؤه الأول لحزب الله أو لسوريا، وخصوصاً أن الحزب فعل ما لا يمكن تخيّله ليحيى في الانتخابات النيابية الأخيرة.
3 - طه ناجي (طرابلس): ينتمي إلى جمعية المشاريع الخيرية، يسجل أداء لافتاً وموزوناً جداً في اللجان النيابية.
4 - فيصل كرامي (طرابلس): يحرص على مد جسور تواصل مع معظم اللاعبين في الداخل والإقليم، ويتمايز عن حزب الله في عدة قضايا، لكنه يصارح مجالسيه بوضوح أنه لا يمكن ان «يُزعل» الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وقد حاول كرامي تشكيل كتلة سنية وازنة تضم حسن مراد وجهاد الصمد ومحمد يحيى وغيرهم، لكنه لم يوفق في مسعاه.
5 - عبد الكريم كبارة (طرابلس): لم ينضم إلى كتلة الاعتدال، لكن تموضعه السياسي وأداءه في المجلس النيابي أقرب إلى الرئيس نبيه بري منه إلى أي طرف سياسي آخر، علماً أن علاقات قرابة نشأت أخيراً بين عائلته وعائلة الرئيس بري.
6 - جهاد الصمد (الضنية): هو الأوضح بين زملائه السنّة في عدم مسايرته السعودية، والتزامه المطلق مع حزب الله ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية.
7- عدنان طرابلسي (بيروت): جمعية المشاريع الخيرية، يواصل وتيرة العمل الخدماتي الخاص بنواب المشاريع دون كلل، مع وضوح أيضاً في تكريس تموضعهم السياسي كحلفاء للحزب.
8 - حسن مراد (البقاع الغربي): ينطبق عليه كل ما سبق قوله عن النائب فيصل كرامي.
9 - قاسم هاشم (حاصبيا): محسوب على حركة أمل.
10 - ينال الصلح (بعلبك): محسوب على حزب الله.
11. ملحم حجيري (بعلبك): محسوب على حزب الله.

التكتل السني الوسطي
يضم هذا التكتل 10 نواب كالآتي:
1 - محمد سليمان (عكار): عضو في تكتل الاعتدال، يحافظ منذ اعتكاف الرئيس سعد الحريري على استقلاليته، ويحترم «مونة» الرئيس الحريري عليه، لكن لا يمكن توقع خطواته إذا لم يطلب منه الحريري أمراً محدداً..
2 - أحمد الخير (المنية): عضو في تكتل الاعتدال، ويعدّ أقرب النواب إلى الحريري بعدما تلقى دعماً استثنائياً من الحريري له في الانتخابات النيابية الأخيرة. يدير «أفران القصر» في منطقته، هادئ جداً و«باطني» في أدائه في مجلس النواب ومتشعب العلاقات من الحريري إلى النائب تيمور جنبلاط إلى القوات اللبنانية فالرئيس نجيب ميقاتي. وهو إذا خيّر مثلاً، بين السعودية وسعد، يختار سعد طبعاً، لكن لا يمكن تحديد توجهاته إذا آثر الحريري كما هو واضح الاستمرار في عدم التدخل.
3 - عبد العزيز الصمد (الضنية): عضو في كتلة الاعتدال، يشارك في زياراتها للمسؤولين أكثر من مشاركته في اجتماعاتها. عمليّ، «كادح»، جديّ جداً، يفضّل عدم إضاعة الوقت. وهو واحد من مجموعة أشقاء يديرون أعمالاً ناجحة جداً تتوزع بين الزراعة و«الضمان» والتوضيب في كل من عكار والمنية والضنية، والتجارة والتسويق في كل من الكويت والإمارات. حقق في الانتخابات الأخيرة نتيجة خيالية. وهو في السياسة على علاقة جيدة بالجميع، باستثناء زميله في المنطقة نفسها النائب جهاد الصمد. وهو رغم استقلاليته المالية والسياسية، فإن أعماله في الخليج تشكل عامل ضغط غير مباشر عليه وعلى أشقائه.
4 - بلال عبد الله (الشوف): محسوب على الحزب التقدمي الاشتراكي.
5 - حليمة قعقور (الشوف): مجتمع مدني، تترك حركتها ومواقفها في المجلس النيابي أثراً إيجابيا جداً، وهي في السياسة تأخذ مواقف «على القطعة»، وبالتالي، لا يمكن أبداً وضعها في سلّة هنا أو هناك.
6 - إبراهيم منيمنة (بيروت): مجتمع مدني. حضوره كبير جداً في اللجان النيابية حيث يشارك دائماً بفعالية وديناميكية. يتمايز في مواقفه عن جميع زملائه بمن فيهم من يوصفون بالتغييريين. وهو كما قعقور والنائب عبد الرحمن البزري يتركون انطباعاً قوياً في المجلس كمرشحين محتملين لرئاسة الحكومة في يوم من الأيام.
7 - عماد الحوت (بيروت): عضو في كتلة الاعتدال، ينتمي إلى الجماعة الإسلامية طبعاً، ما يقود إلى القول إن موقفه السياسي سيبقى ملتبساً في ظل الالتباس المهيمن على موقف الجماعة الإسلامية نفسها، بسبب علاقاتها المتضاربة في الداخل والخارج.
8 - نبيل بدر (بيروت): عضو في كتلة الاعتدال، ديناميكيّ داخل المجلس وخارجه، وخصوصاً حين يتعلق الأمر ببيروت. رئيس صندوق الزكاة في الأقضية على نحو يجعل جميع زملائه بحاجة كبيرة إليه لحل بعض القضايا العالقة لناخبيهم. علاقته سيئة برئيس تيار المستقبل سعد الحريري. ليس سعودياً بالمعنى التقليدي للكلمة ويميل في مداخلاته إلى انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً.
9 - عبد الرحمن البزري (صيدا): يحافظ على شخصيته وأدائه. «مستقلّ من دون حديّة» و«متموضع دون أن يقطع مع أحد»، في ظل مجموعة كبيرة من المصالح الانتخابية والخدماتية تجعله أقرب إلى حزب الله منه إلى سائر الأفرقاء، لكن دون جزم أو مزايدة أو مجاهرة أو تصعيد. وهو يشارك في اجتماعات «الاعتدال» وينسق معهم على «غروب الواتساب» ويستأذنهم التمايز معهم حين تقتضي مصلحته ذلك، ويفضل دائماً «المسايرة».
10 - أسامة سعد (صيدا): حليف البزري الصيداوي ونقيضه في الوقت نفسه، غالباً ما تسبق حماسته عقله، وتنتصر الحدية على ما عداها في مقارباته، فيقطع في ثوان معدودة ما استغرق عقوداً في بنائه. وهو رغم كل ما يسبقه ويتبعه من علامات استفهام سيبقى تلك الشخصية المستقلة التي لا يمكن توقع توجهاتها.

التكتل المؤيد للسعودية
يضم التكتل السني المؤيد للسعودية 6 نواب، هم:
1 - أشرف ريفي (طرابلس): أقرب إلى القوات اللبنانية منه إلى أي فريق سياسي آخر.
2 - إيهاب مطر (طرابلس): عشية الانتخابات النيابية كان كل من نعمة افرام والرئيس نجيب ميقاتي يحسبانه عليهما، لكنه فضل بعد الانتخابات أن ينأى بنفسه عن الاصطفافات والكتل، رغم جهود كتلة الاعتدال لإقناعه بالانضمام إليها. وهو يدير أكثر من مؤسسة متوسطة في الولايات المتحدة، ويبدو أقرب إلى التوجهات الأميركية منه إلى أي شيء آخر، من دون أن يخفي ميله إلى قائد الجيش أكثر من المرشحين المفترضين إلى الرئاسة الأولى. وهو يتناغم في الموقف السياسي مع ريفي، لكنه أكثر دبلوماسية في التعبير عن مواقفه، ولم ينسجم حتى الآن مع أي زميل آخر.
3 - فؤاد مخزومي (بيروت): حاله من حال زميله أشرف ريفي لجهة المحاولات المتواصلة لإقناع السعودية عبثاً بالاستثمار به. يؤكد زملاؤه أنه حضر أحد اجتماعات «الاعتدال» من دون أن يفهم عليه أيّ من الموجودين، ويجمع زملاؤه في اللجان على أن «مجلسه مربك».
4 - وضاح الصادق (بيروت): التزم مبدأ «كلّن يعني كلّن» حتى انتخابه نائباً، فاستعاد فوراً دوره كمطبل للسياسة السعودية، مستفيداً من حضانة السفير السعوديّ الإعلامية الكبيرة. يتحدث دائماً من موقع الزعيم رغم أنه لم ينل في الانتخابات النيابية الأخيرة سوى 3760 صوتاً، مقابل 7141 صوتاً لزميله على اللائحة ملحم خلف، و13281 صوتاً لمنيمنة، علماً أن عدد الناخبين في هذه الدائرة بلغ 370862، أي أن الصادق حصل على أقل من نصف في المئة من أصوات الناخبين في دائرة بيروت الثانية (تحديداً 0.47).
5- ياسين ياسين (البقاع الغربي): من كتلة النواب «التغييريين». بعيداً عن هفوة الحلم التي حوّلته إلى مهزلة على مواقع التواصل الاجتماعي، يجمع زملاؤه على جديّته في لجان المجلس واتّسام تعليقاته بالمنطق غالباً. وهو في السياسة أميركيّ الهوى بامتياز.
6 - بلال الحشيمي (زحلة): يكاد يكون على مسافة واحدة من كل من الرئيس فؤاد السنيورة، والقوات اللبنانية، والسفارة السعودية. يساير كتلة الاعتدال في بداية كل طرح، ثم «يكوّع» حين يجدّ الجد، في ظل تأكيده أن أحداً لا يمون عليه. وهو بموازاة دوره النيابي الحالي، يحتفظ بدوره الديني كإمام مسجد وأستاذ جامعي.
التمثيل النيابي السنّي في مرحلة ما بعد الأحادية الحريرية : تعددية سياسية وتنوع في الأفكار


الجدير ذكره أن كتلة «الاعتدال» التي تضمّ ستة نواب سنّة (البعريني، سليمان، الخير، عبد العزيز الصمد، الحوت، بدر) إضافة إلى نائب أرثوذكسي (سجيع عطية) ونائب علوي (أحمد رستم) اتفقت - كما كتلة «التغييريين» - على التزام الجميع بما تقرره الأغلبية من دون أن تصوّت على أيّ قرار حتى الآن. لكن التدقيق في الالتزامات السياسية لأعضاء كتلة الاعتدال كما كتلة «التغييريين» يؤكد أن المصالح الشخصية للنواب ستتقدم على المصلحة العامة للكتلة، وخصوصاً أن الكتل نفسها لا تقدم لأعضائها أيّ مشروعية أو قيمة مضافة. ففي حال قررت أكثرية أعضاء كتلة الاعتدال مثلاً تبني ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون كرئيس مواجهة لا رئيس تسوية بموافقة حزب الله، فإن النائب وليد البعريني لا يمكن أن يصوت له، تماماً كما لو قرر أكثرية أعضاء كتلة الاعتدال مثلاً تبني ترشيح فرنجية كرئيس مواجهة لا رئيس تسوية بموافقة السعودية، فإن عبد العزيز الصمد ونبيل بدر لا يمكن أن يصوّتا له. وهو ما يقود إلى القول إن النواب السنّة الـ 27 يتوزعون اليوم كالتالي في ما يخص الاستحقاق الرئاسي:
• مع فرنجية: 11 نائباً، من المقرّبين إلى الثنائي الشيعي (البعريني، يحيى، ناجي، كرامي، كبارة، جهاد الصمد، طرابلسي، هاشم، مراد، الحجيري، الصلح).
• مع جوزف عون: 10 نواب، 6 من المحسوبين على السعودية (ريفي، مخزومي، ياسين، الحشيمي، الصادق، مطر) و3 من الوسطيين (بدر، عبد العزيز الصمد، الحوت تبعاً للموقف القطري الداعم بقوة لعون) والنائب بلال عبد الله بحسب بورصة النائب السابق وليد جنبلاط التي ترسو اليوم على عون.
• لا مع هذا ولا مع ذاك، حتى الآن: 6 نواب (سليمان، الخير، قعقور، منيمنة، البزري، سعد).
ختاماً، خلاصة الاستفسار في المجلس عن التمثيل النيابي السنّي في مرحلة ما بعد الأحادية الحريرية تترك صدى إيجابياً لجهة التعددية السياسية والتنوع في الأفكار والديناميكية والحماسة التي يعكسها النواب الجدد.