صحيح أن المشهد في باحة مسجد محمد الأمين، حيثُ احتشد مناصرو تيار «المستقبل» في 14 شباط الجاري، بدا «عاطفياً» بحتاً، لكنّ ظهوراً بهذا الحجم لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري في هذه المرحلة الحساسة من الأزمة، لا يُمِكن أن يمر مرور الكرام بالنسبة إلى من يرفضون حتى ذكر اسمه. أبرز ما في هذا «الظهور» أنه لم يتزامن مع صفحٍ سعوديّ، ولم يكن يتيماً سياسياً. ثمّة من «دفشَ» الحريري إلى «الضريح» مع ديكور جماهيري، ليؤكّد أنه لا يزال الزعيم الأول في الساحة السنية. من الخطأ الاعتقاد بأن 14 شباط هذه السنة لم تحمل جديداً، بل كان واضحاً أن الطابع السياسي غلب على الوجداني والاجتماعي، تاركاً الكثير من الأسئلة حول «ريمونتادا» مُقنّعة رمى خلالها الحريري «فتّيشته» السياسية، قبلَ أن يهمّ بالرحيل ثانيةً.بعيداً من الهتافات والشعارات والحناجِر الصادحة، وبعيداً من لقاءات البروتوكول والزيارات التي قامت بها وفود نيابية وحزبية وسياسية إلى منزله في وادي أبو جميل لمناسبة ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان في الإمكان وضع زيارة الحريري في «إطارها الطبيعي» لولا أنه بادر بالقيام بزيارات سياسية. وليست اللقاءات العلنية التي عقدها - من بينها مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي اللذين قصدهما - وحدها ما أثارت تساؤلات في الكواليس حول خلفياتها، بل تلك السرية التي جمعته بعدد من الأطراف، من بينها شخصيات التقاها أكثر من مرة ولم يُعلن عنها. وتردّد في هذا السياق أن جلسة جمعته برئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية أحيطَت بكتمان شديد، وحرص العارفون من الطرفين على «نفيها». وهو أمر طبيعي، إذ لن يروق لكثيرين أن يفضّل الحريري «قعدة» فرنجية على آخرين عشية الحديث عن قرب إعلان الأخير نفسه مرشحاً للرئاسة بشكل علني، ومع الحديث عن جهد جدي لانتخابه بـ 65 صوتاً. إذ يعطي ذلك إشارة إلى غطاء سني كبير سيحوزه فرنجية من خلال ارتفاع عدد الأصوات السنية التي ستصب في مصلحته، ومن بينها أصوات النواب المحسوبين على الحريري. وقد يبدو بديهياً أن «يجدّد» الحريري دعمه لمن يجمعه وإياه أكثر من طرح وأكثر من هاجس وخصمان لدودان: سمير جعجع وجبران باسيل.
في كل الأحوال، تركت زيارة الحريري لبيروت هذه المرة قليلاً من المعلومات وكثيراً من التحليلات التي اعتبرت أن الرجل «يتصرف كأنه لاعب أساسي في المعركة الرئاسية لكن من خارج الحلبة»، ولا بد لهذا الدور أن تتضح ماهياته في الفترة المقبلة. وسطَ ذلك، بقي في الصورة عنصرٌ مفقود، لم يكُن سهلاً على الجميع تفسيره أو تسويغه: بغطاء مِن مَن فعل الحريري ما فعله؟
هل لوحّت الإمارات بورقة الحريري في وجه الرياض من باب الزكزكة السياسية؟


تقول المعلومات إن المشهد الشعبي الذي زنّر الحريري في 14 شباط مبرمج، واستغرق تنظيمه حوالي 3 أسابيع. وأكدت مصادر بارزة أن هذه «الهمروجة» وفتح بيت الوسط والاستقبالات كلها كانت بقرار إماراتي لأسباب لها علاقة بتوتر العلاقة مع المملكة العربية السعودية حول ملفات عدة. وأشارت المصادر إلى أن «الحريري الذي التزمَ التقاعد السياسي والتزام الصمت أمام الإماراتيين والابتعاد من كل مظاهر السياسة ولعب أي دور، ما كانَ ليتجرأ أن يوسّع هامشه إلى هذا الحد، لولا قبة الباط الإماراتية».
وتقول المصادر إن «الإمارات تبدي استياء من استبعادها عن ملف النفط في لبنان واستبدالها بالقطريين، فضلاً عن رفض الرياض القاطع لإشراك أبو ظبي طرفاً في النقاشات الدولية - الإقليمية حول لبنان، إذ إنها رفضت طلباً فرنسياً بحضور الإمارات الاجتماع الخماسي في باريس»، إضافة إلى «العداء الخفي» بين رئيس الإمارات محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان الناتج من خلافات على عدد من ملفات المنطقة. وفي هذا الإطار، تشير المصادر إلى أن «الحريري بالنسبة للإماراتيين ورقة من الأوراق المزعجة لبن سلمان خصوصاً أن الرجل، على رغم كل محاولات إنهاء بيته السياسي، أثبت أن لا زعامة حلّت محله في الطائفة السنية، بالتالي لوحّت الإمارات بورقة الحريري في وجه الرياض من باب الزكزكة السياسية، قبلَ أن تعيده إلى قاعدة الانضباط مجدداً».