بطلب مباشر من الولايات المتحدة، ألغي الاجتماع الثلاثي الذي كان مقرراً (بناء على طلب أميركي أيضاً) الخميس الماضي بين السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا ووزير الطاقة وليد فياض وممثلين عن البنك الدولي، لمتابعة البحث في استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان. أما اللقاء الذي جمع فياض، أمس، مع فريق من البنك الدولي، فانتهى وفقاً للمعلومات بطلب البنك تعيين استشاري لإعداد برنامج من أجل خفض كلفة الخسائر في قطاع الكهرباء بشكل مشابه لما أنجزه البنك الدولي في الأردن أخيراً، وتبنى تمويل جزء منه، مع إشارة الفريق إلى انعدام الجدوى من عقد اجتماع ثلاثي في هذا الوقت.على هذا المنوال، يتقاذف البنك الدولي والمسؤولون الأميركيون ملف الغاز المصري والكهرباء الأردنية. ففي كل مرة تلبي وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان الشروط الدولية تُخرج هذه الجهات شروطاً - عوائق جديدة لعرقلة حصول لبنان على نحو 4 ساعات إضافية من الكهرباء. إذ سبق للبنك الدولي أن طلب نهاية العام الماضي من مؤسسة كهرباء لبنان تعديل الـ cost recovery plan (خطة تحصيل المصاريف). وبالفعل عُدِّلت الخطة وأُرسلت إلى البنك في 24 كانون الأول 2022. ورغم تلبية لبنان لكل الشروط، لم يأت أي ردّ من البنك الدولي أو من الولايات المتحدة، بل يبدو واضحاً اليوم أن الطرفين يتقاذفان المسؤوليات وأن لا إشارات إيجابية، باستثناء رسائل من مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتاين تُعبر عن اهتمامه بالملف وسعيه إلى حلحلته.
النفق الأميركي المظلم
هكذا، ينتظر لبنان، عبثاً على ما يبدو، الضوء الأخضر الأميركي لاستثناء الغاز المصري والكهرباء الأردنية من مفاعيل قانون قيصر. ورغم توقيع وزير الطاقة وليد فياض في حزيران 2022، اتفاقاً لاستيراد الغاز مع ممثل عن شركة مصر القابضة للغاز الطبيعي بحضور السفير المصري في بيروت، لم تتلق مصر أي استثناءات جدّية للمباشرة بالعمل باستثناء رسالة تطمين (comfort letter) صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية نقلها هوكشتاين باليد، ولم تكن كافية بالنسبة للجانب المصري المتخوف من خسارة موقعه كمحور لتصدير الغاز (hub). وعليه بات واضحاً أن مبادرة شيا إلى الاتصال في آب الماضي برئيس الجمهورية السابق ميشال عون لإبلاغه بالموافقة على المشروع، لا يعدو كونه كذبة أميركية نتيجة إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن بدء وصول ناقلات النفط الإيرانية إلى مرفأ بانياس تمهيداً لنقل المازوت الإيراني إلى لبنان. وتتجدد الكذبة في كل مرة يجري الحديث فيها عن دعم إيراني للبنان، كما لدى إعلان السفير الإيراني رسمياً عن هبة نفطية إيرانية غير مشروطة. يومها هرع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لمخاطبة واشنطن للاستفسار عن إمكانية خضوع لبنان للعقوبات في حال قبوله الهبة. وعندما أتى الجواب بالرفض، جمّد الهبة التي تضمّنت تزويد لبنان 600 ألف طن من النفط الخام على مدار 5 أشهر إلى جانب استعداد طهران لبناء محطات توليد كهرباء وتشغيلها.
في المحصلّة، لم يعد خافياً أن موضوع الكهرباء يخضع للابتزاز الأميركي وقرار الولايات المتحدة بالتعتيم على اللبنانيين. ويتضح من مجمل التقارير الديبلوماسية أن الإدارة الأميركية لن تعطي أبداً الضمانة المطلوبة لبدء تفعيل اتفاقية استجرار الغاز المصري. فقد نقل بيتر بليربيغ، وهو أحد الخبراء في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، إلى أحد الديبلوماسيين في تشرين الثاني 2022 توجه الجمهوريين إلى الوقوف في وجه مشاريع الغاز والكهرباء إلى لبنان. وأشار إلى أن هذا التوجه يتأثر بضغوط قوى يمينية مثل «مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات» التي تتبنى سياسات معادية لسوريا ومحور المقاومة، لافتاً إلى أن هذه المؤسسة تتعاون مع سوريين مقيمين في أميركا لتمويل الحملات الانتخابية للمرشحين الجمهوريين من أجل حشد دعمهم لاحقاً لهذه السياسات.
وفي السياق نفسه، أبدى النائب مايكل ماكول والسيناتوران تيد كيروز وجيم ريتش تحفظات على مشروعيّ توريد الكهرباء والغاز إلى لبنان لخرقهما قانون قيصر وطالبا بتعديل القانون وإصدار إعفاء خاص قبل المضي بالمشروعين. من جانبه، تحدث هوكشتاين عن عقبات أخرى تتعلق بضرورة مراجعة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية عند انتهاء البنك الدولي من مراجعة الاتفاقيات بسبب تعقيدات قانون قيصر. وقال إن الإدارة لم تجد حلاً للعقدة بعد، الأمر الذي يتطلب مزيداً من الإجراءات. علماً أن هوكشتاين نفسه، خلال لقائه سفيرة الأردن في واشنطن دينا قعوار في تموز 2022، ألقى أسباب التأخير في تنفيذ المشروعين على نائب رئيس البنك الدولي أكسل فان تروتسنبرغ.
رغم تلبية لبنان لكل الشروط، لم يأت أي ردّ من البنك الدولي وواشنطن اللذين يتقاذفان المسؤوليات


يسيّر الأميركيون لبنان وفق ما يخدم مصلحتهم، إلا أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة تتحمل مسؤولية الرضوخ لهذه الأهواء وعدم العمل لخدمة مصالح البلد بل لخدمة ما تراه السفيرة الأميركية مناسباً. ليس استجرار الغاز من مصر والهبة الإيرانية أول الغيث، فقد سبقت ذلك عدة عروض دولية عبارة عن قروض مسهلة تصل إلى 85% من قيمة المشروع مؤجلة السداد خلال 10 أو 20 سنة بفائدة متدنية، منها عرض شركة سيمنز الألمانية وشركة جنرال إلكتريك الأميركية وشركة أنسالدو الإيطالية وشركة ميتسوبيشي اليابانية، إلى جانب إبداء الصين اهتمامها بتمويل وتنفيذ مشاريع توليد الكهرباء وفق شروط مشابهة، وصولاً إلى إبلاغ لبنان في آب 2020 استعداد شركة CNC الصينية لتأهيل قطاع الكهرباء. هذه المشاريع وغيرها جُمّدت لأسباب مختلفة، لكن العنوان الرئيسي واحد: ابحث عن الأميركي.