«اليوم أوكرانيا. غداً تايوان»، هو العنوان الذي يؤرّق تايبيه، المتّجهة، أكثر من أيّ وقت مضى، نحو تعزيز حضورها العسكري - حالها حال طوكيو التي تجاوزت، من جهتها، «الدستور السلمي» لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (راجع: موجة «العسكرة» في الشرق الآسيوي [1/3]: اليابان تفارق زمن السِلم، «الأخبار»، 20 كانون الثاني 2023) -، خشية غزو صيني وضعت واشنطن جدولاً زمنيّاً له في 2027. وقبل حلول ذلك الموعد، بدأت تايوان بالفعل الاستعداد لهذا اليوم، من خلال رفْع موازنتها الدفاعية إلى مستوى 2% من الناتج المحلّي الإجمالي، وتطوير قوّاتها المسلّحة، وتمديد فترة التجنيد العسكري الإلزامي، وغيرها من الإجراءات التي تتّخذها في سياق المواجهة الآخذة في التوسُّع مع الصين، في الشرق الآسيوي، حيث تتعاظم موجة «عسكرة» تتناول «الأخبار» جانباً ثانياً منها في هذه الحلقة
يحتلّ الوضع في مضيق تايوان، على مقربة ممّا يُعرف بـ«جزيرة فورموزا»، حيّزاً مهمّاً ضمن أجندة التصعيد الأميركي - الصيني في شرق آسيا، إذ تتصاعد الخشية من وقوع المحظور بين «النسر» و«التنّين» لاعتبارات تتشابك فيها حسابات الجيوبوليتيك والسياسة، مع المعطيات الاقتصادية والتكنولوجية، وتتحدّد نقطة الفصل بينها تبعاً للموقف من سيادة واستقلال الجزيرة، البالغ تعداد سكّانها 24 مليون نسَمة، معظمهم من قوميّة الهان، التي تمثّل - للمفارقة - الغالبية العظمى من سكّان الصين. «اليوم أوكرانيا. غداً تايوان»، هو العنوان الذي يخطف ألباب التايوانيين هذه الأيام. ومع ارتفاع منسوب القلق الشعبي حيال مصير الجزيرة، ترتفع أيضاً الرغبة في الدفاع عنها، وتالياً التطوّع في صفوف القوّات العسكرية. أمّا السؤال الذي يَطرحه قطاع واسع من السكّان هناك، فهو: «إذا كان المواطنون الأوكرانيون قادرين على القتال بمفردهم، ومقاومة الغزو الروسي لبلادهم، فَلِمَ لا نحذو حذوهم؟». لا شكّ في أن فكرة الحرب في جزيرة فورموزا، أو تايوان، تستند إلى عاملَين أساسيَّين، هما: مدى انزلاق الجزيرة بعيداً من «الشقيقة الكبرى»، أي الصين؛ ومدى جهوزية القوّات العسكرية الصينية لـ«إعادة توحيد الوطن».

تايوان تستلهم «النموذج الأوكراني»
بهدف ترسيخ مساعيها لتحقيق السيناريو الأوّل، عمدت حكومة رئيسة تايوان، تساي إنغ وين، إلى رفْع موازنتها الدفاعية إلى مستوى 2% من الناتج المحلّي الإجمالي. ونزولاً عند رغبة الحليف الأميركي، قرّرت تطوير قوّاتها المسلّحة، لتصبح أكثر احترافية، بدلاً من الاكتفاء بخطّة سلفها، ماينغ جوو، القاضية بالاعتماد على قوّة عسكرية قِوامها 210 آلاف جندي، معظمهم من المتطوّعين. كذلك، أقرّت تمديد فترة التجنيد العسكري الإلزامي، على أن تَشمل برنامجاً تدريبياً جديداً يستمرّ لـ44 أسبوعاً، مع السماح للنساء بالانضمام إلى قوّات الاحتياط. ويندرج ضمن البرنامج الجديد للخدمة الإلزامية، إخضاعُ المجنّدين الجدد، بدءاً من العام المقبل، لعدد من التدريبات العسكرية المتخصّصة على غِرار التدريبات المخصّصة للجنود المحترفين، بما في ذلك التدرّب على تشغيل الطائرات من دون طيار وأنظمة الصواريخ المحمولة على الكتف، مع إخضاع المجنّدين وفق النظام القديم، لتدريبات مماثلة. وتَلحظ خطّة الدفاع الجديدة لتايوان، أيضاً، الإبقاء على العناصر المحترفين في صفوف الجيش التايواني في الخطوط الأمامية في حال اندلاع أيّ حرب، وتكليف عناصر قوات المجنّدين والاحتياط بمهامّ الدفاع الإقليمي، وحراسة منشآت البنى التحتية الأساسية، إضافة إلى إشراك عناصر الدفاع المدني في مهامّ عسكرية أو ذات طابع عسكري.
الوضع في المضيق الواقع على مقربة من الجزيرة، والذي يحمل الاسم نفسه، يشهد «كباشاً» صينياً - أميركياً بأوجه سياسية واقتصادية متعدّدة، حيث زعمت حكومة تساي إنغ وين، تسجيل أكثر من 1700 خرق صيني للمجال الجوّي التايواني خلال العام المنصرم، فيما عبَرت سفن بحرية أميركية، في تسع مناسبات خلال الفترة نفسها، في مياه المضيق، الذي تَعتبره الصين تابعاً لها. وانطلاقاً من الخطوة التي اتّخذتها حكومة تايبيه، يحتمل المحلّل الأمني في «معهد أبحاث الدفاع والأمن الوطني» في تايوان، هونغ تسو تشي، أن «تَعمد بكين، بالتوازي مع إمكانية زيادة عدد الطائرات الحربية خلال الطلعات الجوّية بالقرب من حدودنا خلال الفترة المقبلة، إلى دفْع سلاحها الجوّي للاقتراب أكثر فأكثر من المجال الجوّي لبلادنا، تمهيداً لترسيخ ذلك السلوك كأمر واقع». ويبدي تشي خشيته من تَحقُّق السيناريو المشار إليه، كونه «سيقلّص وقت الإنذار المبكر لتايوان» في أيّ حرب مقبلة متوقّعة مع «الجار الصيني». وإذ يثني على قرار الحكومة رفْع مدّة الخدمة العسكرية الإلزامية من أربعة أشهر إلى عام واحد ابتداءً من عام 2024، فهو يَعتبر أن هذا القرار «يعكس تصميمها على تعزيز قدرات البلاد للدفاع عن حدودها». ومع ذلك، يلفت تشي إلى حاجة تايبيه إلى «مواصلة الاعتماد على دعْم حلفائها، وتحديداً في ما يخصّ اقتناء الأسلحة والمعدّات العسكرية، والدعم الفنّي، إضافة إلى برامج التدريب للأطقم العسكرية التايوانية»، مشدّداً على أهمّية تعزيز المناورات العسكرية المشتركة بين واشنطن وتايبيه. وبحسب مسؤولين عسكريين تايوانيين، فإن الخطّة العسكرية الجديدة تُعدّ جزءاً من خطّة أوسع لإصلاح الجيش، بهدف تحويله تدريجيّاً إلى تشكيل عسكري أكثر مرونة، قادر على العمل ضمن تكتيكات «الحرب اللامتماثلة»، أو «حرب العصابات» التي أَثبتت نجاحاً كبيراً في أوكرانيا.

عودةٌ إلى زيارة بيلوسي
على العموم، ثمّة مَن ينظر إلى زيارة رئيسة مجلس النوّاب الأميركي السابقة، نانسي بيلوسي، لتايوان، في سياق تأكيد التزامات واشنطن تجاه حلفائها، وتمسّكها بخطابها «القِيمي» حول أهمّية الدفاع عن «دولة حليفة» محسوبة على منظومة «الدول الديموقراطية»، تشكّل أحد أعمدة النظام الأمني في شرق آسيا، وتتميّز بأهمية اقتصادية بالغة، باعتبارها أحد أهمّ مصادر تصنيع «أشباه الموصلات» في العالم، وهو خطابٌ يريح حلفاء واشنطن الآسيويين، وفي مقدّمتهم اليابان، ويعزّز صورة الدور الأميركي القيادي في منطقة «الباسيفيك». في المقابل، ثمّة مَن يرى أن الزيارة جلّت ارتباك الاستراتيجية الأميركية تجاه تايوان وعدم تماسكها، ولا سيما بعد تلميح الرئيس جو بايدن إلى عدم موافقته، إلى جانب بعض قياداته العسكريين، على زيارة بيلوسي للجزيرة، وهو ما يشي بدلالات حول غياب الاستعداد أو ممانعة الإدارة الأميركية تصعيد المواجهة حول تايوان بما يولّد أزمة أمنية دولية، من شأنها أن تربك حسابات الغرب المنهمك أصلاً بتطوّرات الوضع في أوكرانيا. وتجدر الإشارة، هنا، إلى أن تفادي طائرة بيلوسي العبور فوق بحر الصين الجنوبي، حيث القواعد العسكرية الصينية، وتفضيلها مساراً آخر يمرّ فوق ماليزيا والفيليبين للوصول إلى تايوان، حمل خشية حقيقية من إمكانية وقوع مواجهة «غير مقصودة» وشيكة بين أكبر قوّتَين في العالم، علماً أن «مجلس العلاقات الخارجية» في الكونغرس الأميركي أدرج، قبل أسابيع، النزاع بين الصين وتايوان ضمن مناطق التوتّر الرئيسة لعام 2023.
يحذّر خبراء أميركيون من أن «السيناريو الأوكراني» لا يمكن استنساخه في مسرح العمليات التايواني


هل فات أوان ردع الصين؟
في الإطار العام، يحافظ الرئيس الأميركي، جو بايدن، على أبرز عناصر سياسات إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، تجاه الصين، سواء من خلال مواصلة وفود أميركية رفيعة المستوى زيارة تايوان، أو من خلال متابعة إبرام صفقات الأسلحة مع تايبيه، بما في ذلك الأسلحة الهجومية. وفي معرض توجيه النقد إلى الاستراتيجية الأميركية في آسيا بصورة عامة، وفي جزيرة فورموزا بصورة خاصّة، ثمة مَن يرى في تعهُّد بايدن - في أكثر من مناسبة - الدفاع عن تايوان في وجه أيّ غزو صيني محتمل، مخالفة لسياسة «الغموض الاستراتيجي» على هذا الصعيد، حيث تجنَّب أسلافه إعطاء التزامات أو ضمانات أمنية صريحة من النوع المذكور، وهو ما يفسّر مسارعة مساعِدي الرئيس، في كلّ مرّة، إلى تصويب موقف البيت الأبيض، ما يُعدّ - في حدّ ذاته - إرباكاً داخل أركان الإدارة الديموقراطية في واشنطن، حيال كيفيّة مقاربة الصراع على الجزيرة. وعوضاً عن كيْل الوعود ومنْح الضمانات الأمنية الصريحة لتايبيه درءاً لأيّ غزو صيني ترجّحه دوائر استخبارية أميركية في عام 2027، يرى محلّلون غربيون أنه يتعيّن على بايدن المضيّ قُدُماً في تعزيز القدرة العسكرية للجزيرة، وإجراء المزيد من النقاشات الصريحة مع القادة العسكريين التايوانيين في شأن ضرورة مكافحة الفساد، وتحسين برامج التدريب، وسياسات التجنيد، فضلاً عن إقناعهم بالإقلاع عن مطالباتهم بأسلحة تقليدية ثقيلة كالطائرات الحربية، والتحوّل نحو تبنّي استراتيجيات عسكرية مغايرة تشمل اقتناء الأسلحة المحمولة على الكتف، كالصواريخ المضادّة للدروع، والطائرات، والسفن، وتبنّي تكتيكات هي أقرب إلى «تكتيكات الحرب اللامتماثلة» التي اعتمدتْها القوّات الأوكرانية في مواجهة الجيش الروسي.
ومن بين الخيارات التي يمكن واشنطن السيرُ بها لدعم حليفتها الآسيوية، تفادياً للسيناريو الأسوأ، من دون المخاطرة بالدخول في جولة قتال، أو دفع تايبيه إلى الدخول في تسوية مع بكين، كما تروّج بعض الدوائر الديبلوماسية والأكاديمية، تقديم برامج هِبات أو قروض لشراء معدّات عسكرية، كتلك المقدَّمة لإسرائيل، إضافة إلى تعزيز إشراك تايوان في تدريبات عسكرية إقليمية، بخاصّة تلك التي تُجريها كلّ من واشنطن وطوكيو، فضلاً عن منْح دور أكبر للأخيرة في خطط الطوارئ العسكرية المتعلّقة بالوضع في جزيرة فورموزا، ما سيعقّد الحسابات الصينية في هذا الخصوص. ويقول هؤلاء إن الإبقاء على سياسة «الغموض الاستراتيجي»، بما يعنيه من عدم توضيح مدى استعداد واشنطن للتدخُّل عسكرياً لمنْع غزو صيني لتايوان، وشكل أو نوعيّة التدخّل المذكور، يتيح مُواصلة توريد الأسلحة إلى تايوان، مع الإبقاء على وتيرة التحرّكات العسكرية الأميركية في المضيق من دون تغيير، من جهة، والحفاظ على تماسُك موقف الحلفاء في آسيا والباسيفيك، من دون المسّ بـ«سياسة الصين الواحدة» والمُخاطرة بتصعيد الوضع في الجزيرة، من جهة ثانية. كما أنه يسمح بالاحتفاظ بعلاقات مميّزة مع تايبيه، من غير إقامة علاقات ديبلوماسية رسمية مباشرة معها. وبالفعل، فقد أقرّت «لجنة العلاقات الخارجية» في مجلس الشيوخ ما يُعرف بـ«مشروع قانون سياسة تايوان 2022» أواخر أيلول الفائت، في إطار ما تصفه دوائر الحزبَين الجمهوري والديموقراطي بأنه «إعادة هيكلة لسياسة الولايات المتحدة تجاه الجزيرة منذ قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979»، بحيث يشمل معاملة تايبيه كحليف رئيس من خارج «الناتو»، إضافة إلى تخصيص ما قيمته 6.5 مليارات دولار كمساعدة أمنية وعسكرية لتايوان على مدى أربع سنوات، فضلاً عن دعم مشاركتها في المنظّمات الدولية، وتدريبات عسكرية أميركية، إلى جانب السماح بقيام تفاعلات ديبلوماسية بين الجانبَين، بحُكم الأمر الواقع، ومن دون الاعتراف بها رسمياً كدولة مستقلّة.
وتعليقاً على الخطوة الأميركية، يلمّح مراقبون إلى أن الأمر ينطوي على تجاوُز لخطوط بكين الحُمر، ويحذّرون من أن «المواجهة (الصينية - الأميركية) ستنتقل إلى مستوى أعلى« في الفترة المقبلة. ويَعتبر الباحث الأكاديمي في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، تايلور فلايفر، أن «صيف عام 2022 هو اللحظة التي انتقلت فيها العلاقات الأميركية - الصينية من حيّز التنافس على التفوّق في عدد من المجالات المحدّدة، إلى حيّز المواجهة العلنية»، محذّراً من أن الوضع الجديد ستترتّب عليه «مخاطر أكثر واحتمالات أكبر لوقوع أزمات وتصعيد» بين الجانبَين. وفي الواقع، تنطلق بوادر التصعيد الأميركي للأزمة التايوانية، من اعتبارات عدّة، إذ يعيب بعض الجنرالات الأميركيين على استراتيجية الرئيس جو بايدن تجاه الصين، أنها تحصر تركيزها في التعامل مع الأخيرة بوصْفها «تحدّياً اقتصادياً وسياسياً»، على رغم كوْنها أكبر تهديد عسكري للولايات المتحدة، على حدّ زعمهم. ويشرح هؤلاء أن ما رصدتْه الإدارة الحالية من برامج تمويلية في مجال الدفاع، لتعزيز الحضور العسكري الأميركي في آسيا لن يؤتي ثماره قبل العقد المقبل، أي في عام 2030، في حين أن تزويد حلفاء في تجمّع «AUKUS» (أوكوس)، الذي أُنشئ لمواجهة «التهديد الصيني»، بغوّاصات نووية وقدرات عسكرية غير تقليدية، لن يكتمل قبل عام 2040. وعلى هذا الأساس، عبّر الرئيس السابق للقيادة الأميركية في المحيطَين الهندي والهادئ، الأدميرال البحري فيليب ديفيدسون، عن خشيته من تأخُّر أهداف الروزنامة الدفاعية لبلاده حيال الصين، مرجّحاً أن يتعاظم تهديد الجيش الصيني، خلال العقد الحالي، وتحديداً خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة، خصوصاً أن عدد سفن الأسطول الصيني تجاوَز خلال العامَين الماضيَين بالفعل عدد سفن الأسطول الأميركي. وفي الاتجاه نفسه، رأى خليفته، الأدميرال جون أكويلينو، خلال جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ في آذار الماضي، أن برامج تحديث الصين لقوّاتها المسلّحة، استعداداً لمعركة مع تايوان لمنْع استقلالها، بموجب قانون صيني صادر عام 2005، ستكتمل بحلول عام 2027، منبّهاً إلى أن الهامش الزمني لتحقُّق الخطر الناجم عن ذلك، بات داهماً. وتَكشف مصادر عسكرية أميركية، أيضاً، أن برنامج الإنفاق الدفاعي الأميركي لمنطقة آسيا والباسيفيك يعاني من فجوة تمويلية قدْرها 1.5 مليار دولار، وهي مخصّصات ترمي إلى سدّ النقص في ترسانة الصواريخ، سواء تلك المضادّة للسفن، أو المضادّة للأقمار الاصطناعية.

محاكاة لسيناريو حرب على تايوان
مطلع الشهر الجاري، أجرى «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن، محاكاة لعملية غزو صيني لتايوان، خلصت إلى «خسارة عسكرية صينية»، و«انتصار مكلف» لواشنطن وحلفائها. ووفقاً لنتائج المحاكاة، التي تواصلت على مدى 24 جولة، لم تنجح القوّات الصينية في تحقيق أهدافها العملياتية من الغزو، بحيث لم تستطع احتلال تايبيه بعد أسبوعَين من بدء عملية الغزو «الافتراضية»، على رغم إنزال عشرات الآلاف من القوّات في الجزيرة، في حين تصدّت القوّات التابعة لتايوان، وحلفائها، للقوّة المهاجِمة بالصواريخ. وأَظهرت «بروفا» المعركة في تايوان، بدء الغزو الصيني المفترَض عام 2027، من خلال قصف تمهيدي لضرب معظم القوّات البحرية والجوّية التايوانية خلال الساعات الأولى من انطلاق العمليات العسكرية، بموازاة تطويق القوّات البحرية الصينية، بدعم من الوحدات العسكرية الصاروخية، للجزيرة، والعمل على منْع أيّ محاولات لنقل السفن والطائرات والمعدّات العسكرية إليها. في غضون ذلك، يندفع عشرات الآلاف من الجنود الصينيين لعبور المضيق من خلال السفن البرمائية العسكرية، وسفن أخرى مدنية، بالتزامن مع شنّ هجوم جوّي وإنزال القوات المحمولة جوّاً خلْف خطوط الدفاع التايوانية المتمركزة على السواحل. وعلى رغم التفوّق العددي للقوّات الصينية، خلصت «البروفا» إلى عجز تلك القوّات عن الاستيلاء على أيّ من موانئ تايوان، أو مطاراتها، الأمر الذي تسبّب بصعوبات لديها في الإمداد اللوجستي لعناصرها، لمواصلة الهجوم. وأوجزت المحاكاة نتائج الحرب الافتراضية بين تايوان والصين، باحتفاظ الأولى باستقلالها مقابل ثمن كبير من الدمار في منشآتها الاقتصادية وبنيتها التحتية، وإلحاق ضرر بالغ بالدور القيادي للولايات المتحدة في النظام الدولي. كما مضت في إحصاء الخسائر المتوقَّعة لأطراف النزاع، موضحة أن خسائر الجزيرة بلغت 534 طائرة، و 38 سفينة حربية رئيسية، إضافة إلى 3500 جندي. وفي حين خسرت واشنطن حوالى 10 آلاف عنصر، وحاملتَي طائرات وما يصل إلى 20 سفينة سطحية، وحوالى 400 طائرة، فقد ناهزت الخسائر الصينية 7000 قتيل، فضلاً عن 161 طائرة و138 سفينة. وبحسب النتائج نفسها، فإن عدم تمكُّن الصين من تحقيق أهدافها في تايوان، ارتبط بتحقُّق أربعة عناصر، هي: المقاومة التايوانية، والتزام الولايات المتحدة بالدفاع عن الجزيرة بشكل مباشر، إضافة إلى مشاركة اليابان إلى جانب القوات الأميركية في دعم التايوانيين، وتوافُر المخزون الاستراتيجي الكافي من الأسلحة، بخاصّة الصواريخ المضادة للسفن.
وفي ختام المحاكاة، أصدر خبراء استراتيجيون، هُم مارك وماثيو كانكيان، وإريك هيغين بوتهام، تقييمهم لنتائجها، محذّرين من أن قدرة تايوان على المقاومة لا تعني، في مطلق الأحوال، أن الصينيين لن يكونوا قادرين على غزو الجزيرة واحتلالها في غضون أشهر قليلة. وعليه، دعا الباحثون، في توصياتهم، إلى أن تعمل واشنطن على تفادي هذا القدْر من الخسائر، في حال وقوع معركة حقيقية في تايوان، وذلك من خلال تدابير عدّة، تشمل إشراك تايبيه وطوكيو في تحمُّل أعباء المعركة العسكرية. كما حذّر الخبراء من أن «السيناريو الأوكراني» لا يمكن استنساخه في مسرح العمليات التايواني، الذي هو كناية عن جزيرة، بحيث يمكن الصين بسهولة - نسبياً - إخضاعها لحصار يمتدّ لأسابيع، أو ربّما لأشهر عدّة. لذا، شدّدت التوصيات على ضرورة أن تبدأ الحرب، في ظروف تكون فيها تايوان قد حصلت على كلّ ما تحتاج إليه من أسلحة، مع التحذير من أن وقوع أيّ تأخير في تسليم الأسلحة لتايبيه، أو تردّد في الموقف الأميركي الداعم لها عسكرياً، سيجعل من مهمّة الدفاع عنها أكثر صعوبة، بصورة تُلحق الأذى بمصالح واشنطن، وتُفيد بكين.