بغداد | مثّلت تظاهرات محافظة ذي قار جنوبي العراق، قبل أيام، بما تخلّلها من اشتباكات أوقعت عدداً من القتلى والجرحى، أوّل اختبار في الشارع لحكومة محمد شياع السوداني. وأطلقت هذه التظاهرات العنان لتوقّعات حول عودة الحراك الذي كان غاب كلّياً عن شوارع المدن العراقية، في ما بدا أنه فترة سماح إلزامية لحكومة مشكَّلة حديثاً، من قِبَل القوى المناوئة لها. وما عزّز تلك التوقّعات أن ثمّة استحقاقات وضعتْها الحكومة أمام نفسها، أبرزها إجراء انتخابات نيابية مبكرة خلال سنة من تاريخ تشكيلها، وهو مطلب أساسي لـ«التيار الصدري»، وقبل ذلك إعداد قانون جديد للانتخابات خلال ثلاثة أشهر من تاريخ التشكيل، أي خلال أسابيع قليلة من الآن
يشهد الشارع العراقي بوادر احتجاجات شعبية جديدة تحشد لها بعض القوى المدنية، ومنها حركة «تشرين» ونشطاء معروفون بقربهم من «التيار الصدري»، توازياً مع صدور دعوات واسعة إلى عودة الحراك الجماهيري ضدّ حكومة محمد شياع السوادني المدعومة من قوى «الإطار التنسيقي». ففي الثامن من كانون الأول الجاري، اندلعت تظاهرات تُعدّ الأولى منذ تسلُّم السوداني رئاسة الحكومة، في محافظة ذي قار جنوبي العراق، احتجاجاً على الحُكم على الناشط المدني، حيدر الزيدي، بالسجن لمدّة 3 سنوات، وذلك بعد أن انتقد الأخير في تغريداته قيادات تابعة لـ«هيئة الحشد الشعبي». وفي اليوم الثاني من الاحتجاجات، وقعت أعمال عنف بين بعض المتظاهرين وعناصر الأمن، ما أسفر عن سقوط 3 قتلى ونحو 15 مصاباً من الطرفين، لتُشكّل الحكومة على إثر هذه التطوّرات لجنة تحقيق، وتتّخذ قرارات عدّة من بينها استبدال قائد شرطة محافظة ذي قار، والإسراع في معالجة جرحى التظاهرات وتعويضهم.
ويربط مقرّبون من «التيار الصدري» عودة الأخير إلى الشارع، بمصير وعود حكومة السوداني في شأن الانتخابات المبكرة، فيما بات ناشطون من «حراك تشرين» يتحدّثون للمرّة الأولى عن احتمال الاتفاق مع التيار في شأن التحرّكات المقبلة، الأمر الذي كانوا يرفضونه من قبل. وربّما يعود ذلك إلى أن «الصدريين» صاروا فعلياً خارج السلطة، بينما كانوا حاضرين في كلّ الحكومات السابقة، بما فيها تلك التي قامت ضدّها تظاهرات 2019. وفي هذا الإطار، يرى رئيس «مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية»، مناف الموسوي، القريب من «الصدري»، أن «نزول التيار إلى الشارع مرتبط بفشل السوداني في تنفيذ منهاجه الحكومي، ومن ضمنه الذهاب إلى انتخابات مبكرة خلال مدّة أقصاها سنة»، معتبراً أن «جميع الإجراءات التي قام بها رئيس الحكومة منذ تسلّمه المنصب، تدلّ على أنه ينفّذ أجندة الإطار التنسيقي من دون أن يحتسب الآثار السلبية التي قد تترتّب على ذلك مستقبلاً، ومنها إزاحته من منصب الرئاسة». ويرى أن «السوداني لن يستطيع أن ينجح في مواجهة فورة الاحتجاجات الشعبية في حال اندلاعها ضدّ حكومته، وأنه من المتوقّع أن يواجه سيناريو مماثلاً لاحتجاجات تشرين الأول عام 2019، وبالنتيجة يخرج الوضع عن سيطرته، بفعل قوّة الضغط الشعبي». وكانت منصّات غير رسمية داعمة لـ«التيار الصدري» انخرطت، عقب الأحداث الأخيرة، في التحشيد لاحتجاجات شعبية واسعة ضدّ إجراءات الحكومة الحالية، والتي وُصفت بـ«التعسّفية».
ناشطون من «حراك تشرين» تحدّثوا للمرّة الأولى عن احتمال الاتفاق مع «الصدريين» في شأن التحرّكات المقبلة


من جهته، يلفت الأمين العام لحركة «نازل آخذ حقي»، مشرق الفريجي، إلى أن «التظاهرات لم تتوقّف، لأنه لم يحصل أيّ تغيير على أرض الواقع، ولم تُلمس رسائل إيجابية إزاء المحتجّين من قِبَل حكومة السوداني»، مضيفاً أن «المتظاهرين خرجوا مرّتَين في ظلّ الحكومة الحالية، من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة». ويؤكد الفريجي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الاحتجاجات المقبلة ستكون وطنية، وليس من الممكن أن نقسمها إلى مجموعات فرعية تتبع للتيار الصدري أو لقوى تشرين أو للإطار التنسيقي، فالجميع سيخرجون من أجل التغيير الشامل»، متابعاً أن «قمْع متظاهري الناصرية قبل أيام، والتسويف في معالجة قضايا الضحايا في تظاهرات تشرين، سيشجّع على عودة الاحتجاجات مرّة أخرى». وفي الاتّجاه نفسه، يرى الناشط والمدوّن، سلام الحسيني، أن «الاحتجاجات قادمة خلال الأشهر المقبلة»، متوقّعاً أن «تطيح حكومة الإطار التنسيقي». ويشير الحسيني، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «هناك اجتماعات دورية للحركات الاحتجاجية»، مرجّحاً «حصول شراكة مستقبلاً بين التيار الصدري وقوى تشرين، في تنظيم احتجاج موّحد يحفظ شروط الطرفَين»، معتبراً أن «الحكومة تحاول أن تنتقم من التيار الصدري، وبمعنى آخر، يسعى الإطار التنسيقي إلى تدشين دكتاتورية مطوَّرة تحفظ له ما يريد خلال فترة وجوده في هرم السلطة». بدوره، يقول الناشط سائر الشنون من محافظة ذي قار، لـ«الأخبار»، إن «التحشيد مستمرّ لغرض المطالبة برحيل حكومة السوداني التي جاءت عبر المحاصصة وإنصاف جرحى تظاهرات تشرين»، مُعرباً عن اعتقاده بأن «مُتظاهِري التيار الصدري قد يساندون قوى تشرين في الاحتجاجات المقبلة، لأجل تحقيق أغراضهم السياسية». ويرى أنه «من المستحيل أن تجازف حكومة السوداني في قتل المحتجّين وتُكرّر سيناريو الحكومات السابقة، وإنْ فعلت ذلك سيكون مصيرها الفشل».
في المقابل، يستبعد القيادي في «ائتلاف دولة القانون»، وائل الركابي، اندلاع احتجاجات واسعة، قائلاً إن «الحكومة لم يمضِ على تشكيلها سوى شهرين، وهي تسير ضمن الخطوط الصحيحة، فكيف تستطيع أيّ جهة سياسية أو مجتمعية أن تحدّد موعداً للاحتجاج من دون تقصير حكومي واضح؟». ويلفت إلى أن «أحداث ذي قار الأخيرة هي في طور التحقيق الرسمي الكامل، الذي من خلاله نستطيع أن نعرف المسؤول عن هذا القتل، على رغم رفضنا التامّ لاستهداف المواطنين بالرصاص الحيّ»، محذراً من وجود «أطراف خارجية تدعم الحكومة السابقة التي كان يقودها مصطفى الكاظمي، وتريد زعزعة أمن محافظة ذي قار». وفي وقت سابق من الشهر الحالي، شدّدت الحكومة، في توجيهاتها إلى السلطات الأمنية، على حماية أرواح المتظاهرين السلميين، ومنْع أيّ جهة من التدخّل عبر تسييس التظاهرات أو استغلالها لأغراض شخصية، حسبما جاء في بيان المجلس الوزاري للأمن القومي. وفي ظلّ تشكيل «الإطار التنسيقي» الحكومة الحالية عبر التوافقية الحزبية، قال رئيس حركة «امتداد» المنبثقة من «حراك تشرين»، النائب علاء الركابي، خلال مؤتمر صحافي حَمل فيه صور ضحايا الاحتجاج: «إنّنا اليوم نعلن موقفنا الرافض لحكومة المحاصصة، وإن موقفنا الاحتجاجي مستمرّ ضدّ السلطة التي تريد سلب وعسكرة المجتمع».