طهران | دخلت الاضطرابات المندلعة في إيران منذ وفاة الشابة مهسا أميني في أحد مراكز الشرطة، أسبوعها الثالث. وإذ تشير المعطيات الميدانية إلى أن هذه الاحتجاجات آخذة في الانحسار، يبدو أنها باتت تقتصر بشكل رئيسيّ على الجامعات ومحيطها، بالتزامن مع انطلاق العام الدراسي الجديد، السبت الماضي. ومع هذا، فإن التظاهرات الأخيرة قلّما اتّسمت بالعنف، خلافاً لمثيلاتها الأسبوع المنصرم، مع أن معظم الشعارات المرفوعة فيها بدت «راديكالية» وتستهدف مجمل النظام السياسي. وتُظهر المعطيات والصور المنشورة أن عدد المحتجّين يتراجع شيئاً فشيئاً، وأن معظم التجمّعات تُقام بمشاركة 300 شخص على أكثر تقدير.وفي ظلّ هذه الاضطرابات، حضر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي الخامنئي، أوّل من أمس، مراسم تخرُّج دفعة من ضبّاط القوات المسلحة الإيرانية، حيث ألقى كلمة خلال المراسم. وفضلاً عن الرسالة التي وجّهها حضوره بين العسكريين حول استعداد القوات المسلّحة لمواجهة التحدّيات مهما كانت، قال الخامنئي عن وفاة أميني: «لقد كانت حادثة مريرة جلبت الأسى والألم لنا»، مشيراً إلى أنه «لم يُبتّ (في القضية) بعد». لكن الجزء الأهمّ من تصريحات الخامنئي، تَمثّل في التأكيد أن «أعمال الشغب هذه مخطَّط لها (...) وصُمّمت على يد أميركا والكيان الصهيوني الغاصب والمصطنع، وساعدهم في ذلك أولئك الذين يتقاضون رواتب منهم، وبعض الإيرانيين الخونة المقيمين خارج البلاد». وتابع: «إن النزاع لا يدور حول وفاة فتاة شابّة أو الحجاب من عدمه، بل إن النزاع والجدل يدوران حول الاستقلال والصمود وقوة إيران الإسلامية واقتدارها». ولم يتطرّق المرشد بشكل محدّد إلى «دوريات الإرشاد» و«الحجاب الإلزامي»، بل أشار إلى أن «الكثيرات من اللّواتي لا يرتدين الحجاب الكامل، هنّ من الأنصار والموالين الجادّين للجمهورية الإسلامية، ويشاركْن في مختلف المراسم»، الأمر الذي اعتبره مراقبون علامةً على احتمال أن تكون السلطات الإيرانية قد قرّرت التعاطي مع قضية إلزامية الحجاب بتسامح ومرونة أكبر.
استغلّت الدول الغربية فرصة الاحتجاجات لتشديد الضغوط على الجمهورية الإسلامية


ووسط الأجواء المتوتّرة داخل إيران، استغلّت الدول الغربية الفرصة لتشديد الضغوط على الجمهورية الإسلامية. ونقلت وكالة «رويترز»، الاثنين، عن مصدر في وزارة الخارجية الألمانية، قوله إن بلاده ومعها فرنسا والدنمارك وإسبانيا وإيطاليا والتشيك، «قدّمت اقتراحات للاتحاد الأوروبي بهدف فرض عقوبات جديدة على الجمهورية الإسلامية»، بسبب ما سمّته «قمع المحتجّين في إيران». وأفادت مجلة «دير شبيغل» الألمانية بأن «الذين اقترحوا هذه العقوبات طالبوا بأن يتّخذ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الذي سيُعقد بعد أسبوعين من الآن، القرار بشأن ذلك». وأضافت إن «المتوقّع أن يصادق أعضاء الاتحاد الأوروبي من دون مقاومة، على عقوبات جديدة ضدّ الجمهورية الإسلامية». کما أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، في بيان في اليوم نفسه، أن «الولايات المتحدة ستفرض هذا الأسبوع عقوبات جديدة على إيران ردّاً على قمعها متظاهرين سلميين». وبالتزامن، أعلنت الحكومة الكندية فرض عقوبات على 9 كيانات و25 مسؤولاً إيرانياً بسبب «عنف قوات الأمن تجاه المحتجّين».
الحراك الغربي في وجه إيران دفع بعض الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية إلى التساؤل حول الأثر الذي تخلّفه الاضطرابات في البلاد على أجواء محادثات إحياء «خطّة العمل المشترك الشاملة» (الاتفاق النووي)، وما إن كانت ستُعمّق الركود الذي يحلّ بها، أم على العكس، ستدفع الأطراف المعنيّة إلى السعي لإنجاحها. وفي هذا السياق، تحدّثت وسائل الإعلام الإيرانية، أخیراً، عن توافق بين إيران والولايات المتحدة الأميركية على «تبادل أربعة سجناء في إيران، مع أربعة سجناء في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الإفراج عن الأرصدة الإيرانية من العملة الأجنبية في كوريا الجنوبية». وذُكر أن هذا الإجراء كان «حصيلة محادثات مكثّفة دامت عدة أسابيع وبوساطة من إحدى دول المنطقة». وعلى الرغم من أن «نور نيوز»، الموقع المقرّب من «المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني»، قال إن «هذه التطوّرات لا علاقة لها بمحادثات إحياء الاتفاق النووي»، غير أن العديد من المراقبين يرون أن هذا الإجراء «مؤشّر مهمّ إلى إمكانية العودة إلى إحياء الاتفاق، ويمثّل خطوة على طريق بناء الثقة»، ومؤشّراً إلى «حسن نيّة الطرفين للعودة إلى الاتفاق النووي».