خمس ساعات من النقاش في خلال جلسة اللجان النيابية المشتركة أمس حول مشروع قانون «وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية»، انتهت باتخاذ الغالبية قراراً بـ «عدم النقاش ببنود القانون قبل إرسال الحكومة الخطّة المالية المعدّلة وقانون إعادة هيكلة المصارف». النواب أنفسهم كانوا قد فضوا آخر جلسة للكابيتال كونترول قبل 4 أشهر (20 نيسان 2022) بالذريعة نفسها، أي إضفاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تغييرات على الخطة المالية من دون إطلاعهم عليها. وسبق ذلك تطيير البحث بهذا القانون في 1 كانون الأول 2021 نتيجة عرض نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي مسودة جديدة لا تحمل موافقة صندوق النقد.تعدّدت أسباب عدم إقرار هذا القانون الذي كان ملحّاً منذ 3 سنوات وبدأ يُستخدم لغير أهدافه، أي في بازار الصراع السياسي المحلي. إلا أنه بات واضحاً من مسار الكابيتال كونترول أن كل القوى السياسية، كما «القوى التغييرية»، لا تريد للقانون أن يبصر النور. ثمة من يتذرّع بأن لا جدوى له اليوم، وآخرون يرون فيه مصلحة بحتة للمصارف عبر المادة 12 التي تتيح لها التنصل من الدعاوى، وعلى هذا المنوال تنتهي الجلسات قبل أن تبدأ.
في جلسة أمس، أصرّ نواب التيار الوطني الحرّ على ضرورة النقاش بكل المواد وتعديلها بحسب ما يتناسب ومصلحة المودعين. وافقهم على هذا المسار نواب حزب الله بالإشارة إلى أن لديهم تعديلات جذرية على القانون. في المقابل، رفض نواب الاشتراكي والقوات وحركة أمل و«التغييريون» الأمر، رابطين بين القانون والخطة المالية وإعادة هيكلة المصارف، بمعنى أن يجري إقرارها ضمن سلة واحدة.
ما حصل يؤكّد أن هذا المجلس يكمل مهمة المجلس السابق في تضييع المزيد من الوقت أمام إيجاد حلول سريعة ومفيدة للمواطنين والمودعين على حدّ سواء، تاركين المجال مفتوحاً أمام حاكم مصرف لبنان والمصارف في تنفيذ خطّتهم الجهنمية لتحميل المجتمع والاقتصاد الخسائر. وثمة تسليم بنفض الغالبية أيديها وترك البلد يسير في منحى السقوط الحرّ. فالواقع أن النواب العاجزين عن النقاش بقانون واحد والاتفاق حوله، كيف لهم أن يدرسوا رزمة قوانين وخطة مالية في آن. على أن الطامة الكبرى هنا تكمن في «جهل» المجلس بغالبيته لأسباب الكابيتال كونترول الموجبة، سبقها جهل حكومي في مقاربة الأهداف المتوخاة منه. هكذا، يتم القضاء على قانون كان من المفترض أن يكون حبل نجاة للمودعين كما المواطنين لضبط حركة رؤوس الأموال، وإعادة التوازن في ميزان المدفوعات وضبط مخزون الدولة من العملة الأجنبية للحفاظ على آخر ما تبقى منها واستخدامها في إطار عملية إعادة النهوض المالي والاقتصادي.
كل القوى السياسية و«القوى التغييرية» لا تريد للقانون أن يبصر النور


رافقت الإشكاليات قانون الكابيتال كونترول منذ بدء التداول به كردّ فعل على تقييد المصارف استنسابياً للسحوبات والتحويلات. بالتالي لم يكن يوماً إقراره مرتبطاً بشكل مباشر بأسباب تطبيقه في غالبية البلدان التي اعتمدته. وهو ما سهّل عمل «حزب المصرف النيابي»، بدعم من رئيس مجلس النواب، لتطييره في بداية الأزمة أي في عزّ الحاجة إليه. وما لبث هؤلاء أن انتقلوا من صفوف الرافضين كلياً لمشروع مماثل إلى صفوف الراغبين به والداعين لإقراره، ما إن تمكنوا من التسلل إلى مواده وتفخيخها وحرفها عن غايتها حتى يصبح القانون في خدمة المصارف. وكانوا في كل مرّة يبتكرون مسودة جديدة تُرمى في وجه المجلس. ما حصل لم يكن عبثياً، بل نتيجة خطة محكمة لتبرئة ذمة المصارف وإتاحة الوقت لها لتهريب الدولارات استنسابياً ومن دون أي رقابة. وفي النتيجة نجحت قوى المنظومة بحماية نفسها وأزلامها مرة أخرى، لا بل حرصت على أن تترأس بنفسها اللجنة التي خصّصها القانون لضمان حسن تطبيق مواده. فكل الاقتراحات السابقة والحالية تمحورت حول رئاسة وزير المال أو حاكم مصرف لبنان أو رئيس الحكومة للجنة وأعطت الرئيس صلاحيات واسعة للتصرّف كما يحلو له وبما يراه مناسباً.
إذاً هي الحلقة المفرغة نفسها التي يديرها من توالوا لأكثر من 30 عاماً على سرقة خزينة الدولة واحتياطي مصرف لبنان وأموال المودعين. ويشاركون اليوم في إدارة الإفلاس والانهيار وتنظيم حركة ما تبقى من عملات أجنبية على طريقتهم من دون أن يكون في أجندتهم أي خطة مالية أو قوانين إصلاحية بل مجرد طروحات وهمية هدفها تسويف الحلول. والواضح أن نفوذ هؤلاء لا يزال قوياً، وأقوى من أن يقف في وجهه أي طرف.