معركة الجبل قد تكون الأصعب على الإطلاق في انتخابات 2022. يريد وليد جنبلاط أن يترك إرث المختارة لتيمور وحده من دون أن يفسح المجال أمام وئام وهاب ليكرّس نفسه زعيماً درزيّاً. لذلك، يبدو الرجل قلقاً، وهو ما يتبدّى في عصبيّته الدائمة كما يروي زوّاره، حتى وصل الأمر حدّ الصراخ على نجله في اجتماع لدائرة ضيّقة في المختارة.هاجس «البيك» ألّا يكون هو الجيل الأخير في سلالة آل جنبلاط. يدرك أن تيمور «مغصوب على أمره» في العمل السياسي، ويفتقر إلى كاريزما القيادة التي لا يريدها أصلاً. فيما لا خيارات أمامه مع ابتعاد أصلان وعدم إمكانية توريث داليا. لذلك، يخوض رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي معركة تكريس الزعامة، مستخدماً كلّ أدواته، بما فيها نزوله على الأرض في بعض المناطق والتدخّل في أدق التفاصيل وعقد الاجتماعات مع بعض المفاتيح الإنتخابية بنفسه عبر تطبيق «زوم» بهدف استنهاضهم، خصوصاً أنّ البعض يشير إلى أن ماكينته الإنتخابية تخوض معركة شرسة مع بعض الحزبيين والمناصرين الذين لا يريدون التصويت لصالح «لائحة الشراكة والإرادة»، وهو ما يبدو واضحاً عبر «غروبات» واتس اب تابعة للحزب في بعض القرى!
(هيثم الموسوي)

وهذا ما دفع جنبلاط إلى الاستغناء عن المرشحين المسيحيين، باستثناء حبوبة عون، والضغط على مروان حمادة (كان يُفضّل ترشيح نجله كريم) للترشح والنزول على الأرض وتوزيع الزيارات حتى في المناطق السنيّة. وهذا أيضاً ما جعل جنبلاط يغضّ الطرف عن ترشيح أحد رموز حزب الكتائب في معركة الجبل على لائحته كي يتفضّى لمعركته الخاصة.
حركة «البيك» توحي كأن هذه هي الانتخابات الأولى الحقيقيّة في الشوف. لم يسبق أن استخدم الاشتراكيون الرشى الانتخابية المباشرة مثلاً، لكنهم اليوم محكومون بذلك. في السابق، كان «الرفاق» يتندّرون على من يرفع الصور في الانتخابات، فيما صور «لائحة الشراكة والإرادة» تغطي «الأخضر واليابس» من أعلى الشوف حتى ساحله.
في المقابل، لا يكلّ وئام وهاب من الطرق على الأبواب التي كانت ممنوعة عليه سابقاً. ابتعاد الرئيس سعد الحريري عن الحياة السياسيّة فتح أبواباً موصدة في الشارع السني. خلال السنوات الأربع الماضية، عمل كأنّ الانتخابات «غداً». واشتهر منذ بدء أزمة الدواء بتأمين الأدوية وتوزيعها على من يحتاجون إليها بكميات لم يقوَ الآخرون على تأمينها. وهذا أيضاً ما فعله إبّان أزمة كورونا. وفي «الواجبات»، غالباً ما يكون أول الحاضرين، فيما لا أثر يذكر لتيمور وحمادة فيها.
حضور وهاب وحركته يستفزان جنبلاط، وخصوصاً أن اللائحة التي تضمّه مع النائب طلال أرسلان والتيار الوطني الحر وناجي البستاني، ليست ضعيفة. استطلاعات الرأي والعاملون على الأرض يؤكّدون أنّ في جيب «لائحة الجبل» 3 حواصل ستكون مبدئياً لمصلحة المرشح الكاثوليكي غسان عطا الله، أحد المرشحين الموارنة (الأفضليّة لناجي البستاني)، إضافة إلى إمكانية خرق لائحة جنبلاط ــــ القوات بمقعد درزي أو سنّي مع احتمال أضعف لمصلحة أحد المقاعد المارونية.
يُراهن رئيس حزب التوحيد العربي على البلوك الذي يملكه حزب الله ومن خلفه سرايا المقاومة، ويُقدّر بنحو 2500 صوت. حتى اليوم، لم يسمع وهاب وعداً نهائياً بأنّ هذه الأصوات ستكون له، إلا أنه على يقين بأنه ليس أمام حزب الله سوى هذا الخيار، وذلك على قاعدة أن حسابات الحزب في 2018 سقطت اليوم. كذلك يراهن وهاب على كتلة أصوات الحزب السوري القومي الاجتماعي وبعض الأصوات المحسوبة على حزب البعث.

المقعد السني
في حال فوز وهاب وتمكّن اللائحة من رفع حواصلها، فإنّ حظوظ المرشح السني على لائحته ستبقى قائمة، ولن «يُطيّرها» إلا إمكانية أن يخرقها المرشح السني على لائحة قوى التغيير (حليمة القعقور أو عماد سيف الدين) التي يمكنها، بحسب استطلاعات الرأي، الفوز في الشوف بحاصلٍ على الأقل سيكون لمصلحة المرشح السني أو الماروني.
ومهما يكن من أمر، فإن حظوظ المرشح السني على لائحة أرسلان ــــ وهاب تبدو مرتفعة. فالماكينة الانتخابية التابعة لـ«الاشتراكي» لن تكون قادرة على العمل لمصلحة المرشح السني الثاني سعد الدين الخطيب، وهو ما يبدو واضحاً على الأرض. إذ تركّز الماكينة، التي اجتمعت في الإقليم منذ يومين، على توزيع الأصوات في المناطق الدرزية على تيمور وحمادة بطريقة تحفظ فيها تقدّم جنبلاط، وعلى صبّ الأصوات السنيّة المحسوبة عليها بين حمادة ومرشحها بلال عبد الله. وبالتالي، لن تملك فائضاً تُجيّره لمصلحة الخطيب.
وإلى الخطر المحدق بمقعد حمادة، فإنّ عبد الله لا ينام على حرير. بيوت الإقليم التي لم يكن بحاجة إلى زيارتها عام 2018، داس بساطها اليوم، وخصوصاً أن المعركة تدور داخل العائلة الواحدة؛ إذ يُعدّ أحمد نجم الدين من آل عبد الله أيضاً. وهكذا سيزيح مرشح جمعية المشاريع الخيرية من أمام «الدكتور» أصوات البعض من عائلته.
تمكّن فريد البستاني من «ضمان» أصوات آل الغفري وحركة أمل


في الموازاة، تبدو معركة الخطيب هزيلة. لم يفلح جنبلاط في الحصول على غطاء من الحريري على اسمه ولا على اسم سمير الخطيب. وجاء اختيار سعد الدين الخطيب بـ«قبّة باط» من جعجع نفسه، باعتبار أن له علاقات جيّدة مع القوات في نقابة المحامين التي خاض فيها الانتخابات على لوائح المعارضة قبل أن يعود إلى أحضان الأحزاب مراعاة لمعركته النيابية. ويحاول الخطيب كسب تعاطف الرئيس فؤاد السنيورة. وتجلى ذلك بانضمام رئيس بلدية البرجين محمد فؤاد ياسين، المعروف بقربه من السنيورة ومن الخليجيين، إلى ماكينة الخطيب.
في المقابل، تخوض الجماعة الإسلامية معركتها وحيدةً، ولو أنّها تسوّق أن ماكينتها الانتخابية تتألف من ألف مندوب. يخشى البعض أن يقوم «إخوان لبنان» بسحب لائحتهم والتجيير لمصلحة جنبلاط في اللحظات الأخيرة، فيما يستبعد متابعون ذلك «إلا في حال كان الثمن كبيراً»، مشيرين إلى أن ذلك يعني عودة الخلافات إلى داخل الجماعة.

تنافس «البساتنة»
مسيحياً، يبدو جورج عدوان مرتاحاً على وضعه، علماً بأنه صار اليوم «يُفرّق» زيارات التي لم يكن يقوم بها سابقاً. هدف القوات هو حماية مرشحها إيلي القرداحي الذي تبدو حظوظه قليلة، وخصوصاً أن عجقة المرشحين في الدامور ستغرف من صحنه. وما يزيد قلق القرداحي في الدامور هو إمكانية أن تفقد القوات علاقتها مع آل الغفري الذين يعدّون من أقوى العائلات في الدامور ويملكون حيثية شعبية جعلتهم يتربّعون على كرسي رئاسة البلدية منذ التسعينيات. وتؤكد معلومات أن المرشح فريد البستاني تمكّن من الحصول على وعدٍ من آل الغفري بالتجيير لمصلحته مقابل الحصول على خدماتٍ إنمائية.
ورغم الكباش القواتي، إلا أن المعركة المارونية تبدو فعلياً داخل البيت الواحد، وتحديداً بين ناجي وفريد البستاني، ولو أن حلفاءهما يعتقدون أن المنافسة بينهما «جيّدة» وبإمكانها أن ترفع الحاصل الانتخابي للائحة.
يملك ناجي البستاني علاقات وطيدة مع الكثير من المفاتيح الانتخابية. مسيرته السياسية الممتدة على مدى أكثر من 50 عاماً أدخلته كثيراً من المنازل، وجعلته مقصداً لطالبي الخدمات في الشوف وإقليم الخروب وتعطيه أصواتاً من كل الطوائف.
هذا أيضاً ما يحاول أن يفعله فريد البستاني الذي استطاع الحصول على أصوات «العونيين» المنزعجين من أداء جبران باسيل وبعض قياديي التيار الوطني الحر. كما يعمل على التسلل إلى كثير من قرى إقليم الخروب السنية عبر الخدمات الإنمائية للبلديات، وهذا ما يظهر بشكل واضح في مكاتبه الانتخابية المفتوحة في أكثر من بلدة.
أما «الضربة الكبرى» للبستاني فهي، بحسب المعلومات المتداولة، تمكّنه من الحصول على «البلوك الشيعي» المحسوب على حركة أمل ويقدر بنحو 800 صوت، وذلك بعد الاتفاق مع 3 بلديات من القرى الشيعية في الإقليم على تقديم الخدمات مقابل ذلك. الوعد الذي استحصله البستاني جاء بعدما أبلغ الرئيس نبيه بري وليد جنبلاط أنّه لن يكون بإمكانه إقناع قاعدته الشعبيّة بالتصويت لمصلحة لائحة تضم القوات اللبنانية، كما فعل في 2018.