في موقف هو الأوضح له من إسرائيل منذ تولّيه منصب ولي عهد السعودية، قبل نحو خمس سنوات، أكّد ابن سلمان "أننا لا ننظر إلى إسرائيل كعدو، بل ننظر إليهم كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً". إلّا أنّه قال إنّه "يجب أن تُحلّ بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك". كلام ابن سلمان جاء في معرض تعليقه على الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل، إذ أشار إلى أنّ للإماراتيين الحق في فعل ما يرونه مناسباً لبلدهم.وعندما سئل إن كان يريد أن يعرف عنه جو بايدن شيئاً قد لا يعرفه، أجاب: "ببساطة، هذا لا يهمني"، مضيفاً أنّ "هذا الأمر يعود إليه، ومتروك له للتفكير في مصالح أميركا". كذلك، أعاد التلويح بخيارات أخرى سمّى من بينها "التوجّه إلى الشرق"، إذا أرادت أميركا تفويت ما هو مصلحة لها في المملكة، وقال إنّ "السعودية ليست دولة صغيرة، فهي من ضمن دول مجموعة العشرين، وأسرع البلدان نموّاً في العالم، ما يدفعنا إلى التساؤل، أين تكمن الإمكانيات العالمية؟ إنّها في المملكة العربية السعودية، وإذا أردت تفويتها، هناك أشخاص آخرون في الشرق سيكونون سعداء للغاية، وفي الوقت نفسه تحاول صدّهم، أنا لا أستطيع فهم هذا".
وأوحى تركيز ولي العهد هجومه على التيارات الإسلامية، بأنّه ربما يشعر بتجاوز الخطر الذي يمثله أفراد الأسرة المعارضون له على توليه العرش، فاعتبر أنّ "جماعة الإخوان المسلمين تلعب دوراً كبيراً وضخماً في خلق كل هذا التطرّف، وبعضهم يعدّ كجسر يؤدّي بك إلى التطرّف، وعندما تتحدث إليهم لا يبدون وكأنهم متطرّفون، ولكنّهم يأخذونك إلى التطرف، فعلى سبيل المثال: أسامة بن لادن والظواهري كانا من الإخوان المسلمين، وقائد تنظيم داعش كان من الإخوان المسلمين. ولكنَّ الأمر لا يقتصر على الإخوان فحسب، بل خليط من الأمور والأحداث، ليس فقط من العالم الإسلامي، بل حتى من أميركا التي بخوضها حرباً في العراق أعطت للمتطرفين فرصة سانحة، كما أن هناك بعض المتطرفين في السعودية ليسوا من جماعة الإخوان المسلمين قد لعبوا دوراً في ذلك، خصوصاً بعد قيام الثورة في إيران عام 1979، ومحاولة الاستيلاء على المسجد الحرام في مكة المكرمة".
من جهة أخرى، تجنّب ابن سلمان الرد على سؤال عمّا إذا كان سيصدر عفواً عن معارضين، مثلما حصل في الكويت التي أصدرت عفواً أميرياً عن مجموعة من المعارضين الذين كانوا مهجرين في تركيا، قائلاً إنّ هذا الأمر "ليس من صلاحيتي، بل من صلاحية الملك".
وفي محاكاة لموضوع الخلافة، أكّد أنّه "يتعيّن أن تكون الخلافة سلمية ومستمرة، وإذا نظرت إلى المئة عام الماضية، فسترى أنها كانت سلمية، ففي الثانية التي تعقب وفاة الملك، يصبح ولي العهد هو الملك، ويتم تعيين ولي عهد جديد، أطال الله في عمر الملك".
وواصل ابن سلمان أيضاً حملته على الوهابية التي تحدث عنها بشيء من الاستخفاف، إذ اعتبر أنّ "المشكلة في الجزيرة العربية، آنذاك، كانت أنّ الناس الذين كانوا قادرين على القراءة أو الكتابة هم فقط طلاب محمد بن عبد الوهاب، وتمت كتابة التاريخ بمنظورهم، وإساءة استخدام ذلك من متطرفين عديدين، ولكنني واثق لو أنّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ عبد العزيز بن باز، ومشايخ آخرين موجودون الآن، فسيكونون من أول الناس المحاربين لهذه الجماعات المتطرفة الإرهابية". وإذ اعتبر أنّ "الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس السعودية"، فقد أشار إلى أنّ "السعودية لديها المذهب السنّي والشيعي، وفي المذهب السنّي توجد أربعة مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة كذلك، ويتمّ تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية، ولا يمكن لشخص الترويج لإحدى هذه المذاهب ليجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في السعودية، وربما حدث ذلك أحياناً سابقاً".
سمعنا العديد من التصريحات من القادة الإيرانيين، والتي كانت محل ترحيب لدينا في السعودية


وفي تنكّر لخطأ كبير ارتكبه وأُجبر على التراجع عنه، وصف ولي العهد الخلاف السابق مع قطر بأنّه "كان شجاراً بين أفراد العائلة وانتهى. واليوم باتت لدينا علاقات رائعة ومذهلة مع قطر، والشيخ تميم شخص رائع، وقائد رائع".
وقضى بأنّه لا يمكن للسعودية أن تكون ديموقراطية، ولا حتى ملكية دستورية، فهي "دولة ملكية، أقيمت وتأسست على هذا النموذج. وتحت هذه الملكية هناك نظام معقّد يتكون من أنظمة قبلية من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر. وأقول إنني لا أستطيع تغيير السعودية من ملكية إلى نظام مختلف، لأنّ الأمر مرتبط بملكية قائمة منذ ثلاثمئة سنة، وقد عاشت هذه الأنظمة القبلية والحضرية التي يصل عددها إلى 1000 بهذا الأسلوب طيلة السنوات الماضية، وكانوا جزءاً من استمرار السعودية دولة ملكية". كما لفت إلى أنّ "أعضاء هيئة البيعة اختاروني لكي أحمي المصالح الخاصة بالملكية، وتغيير هذا الأمر يعتبر خيانة لأفراد عائلة آل سعود، وكذلك خيانة للقبائل والمراكز والهجر وانقلاباً عليهم".
وفي سياق يعكس رغبته الواضحة بالاستمرار في تركيز كل السلطة بيده، اعتبر ابن سلمان أن "رأس المؤسّسة الإسلامية في الشريعة، هو ولي الأمر، أي الحاكم. لذلك، فإن القرار النهائي بشأن الفتاوى لا يأتي من المفتي، بل يتخذ القرار النهائي من الملك، وبهذا، فإن المفتي وهيئة الإفتاء يقدمون المشورة للملك، لكن في التعاليم الإسلامية للحاكم القرار النهائي، وقد بُويع على ذلك، وكلمة الفصل هي لملك المملكة العربية السعودية؛ إنهم يعلمون أن باستطاعتهم النقاش، فعليك أن تناقش، وعليك أن تشرح، وعليك أن تستند إلى الأدلة من تعاليم الإسلام، ومن زمن الرسول، ومن زمن الخلفاء، وعليك أن تتدبر القرآن، وعليك أن تتأمل الحديث حتى توضِّح مقصدك، ومن ثم عليك أن تكون متأكداً من أن الشعب مستعد لهذه الفتوى ويؤمن بها، وعندئذ يتخذ الملك القرار".
ومجدداً نفى أي علاقة له بقتل جمال خاشقجي، حتّى أنّه سعى للعب دور الضحية في هذه القضية، بقوله: "أشعر أنا شخصيّاً أن قوانين حقوق الإنسان لم تطبق علي، حيث تنص المادة الحادية عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّ كل شخص بريء حتى تثبت إدانته، وأنا لم أنل هذا الحق، لذلك كيف تتحدث معي عن حقوق الإنسان من دون أن تتعامل معي وفقاً للمادة الحادية عشر من إعلان حقوق الإنسان؟ ولكن في الوقت ذاته نتفهم تلك المشاعر، ولكن السؤال الأكبر بالنسبة لي هو: لقد قُتل سبعون صحافيّاً تقريباً حول العالم تلك السنة، هل يمكنك أن تسميهم لي؟ لا؟ إذن شكراً جزيلاً، وهل فعلاً هذا إحساس بزميل صحافي؟ أم إنه مصمّم ضدنا، وضدي أنا؟".
وواصل ولي العهد، كذلك، لهجته التصالحية إزاء إيران، إذ قال: "إنهم جيراننا، وسيبقون جيراننا للأبد، ليس بإمكاننا التخلّص منهم، وليس بإمكانهم التخلّص منا، لذا من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبل لنتمكن من التعايش، وقد قمنا خلال أربعة أشهر بمناقشات، وسمعنا العديد من التصريحات من القادة الإيرانيين، والتي كانت محل ترحيب لدينا في السعودية، وسوف نستمر في تفاصيل هذه المناقشات، وآمل بأن نصل إلى موقف يكون جيداً لكلا البلدين، ويشكل مستقبلاً مشرقاً للسعودية وإيران".