السويداء | توازياً مع بدء الحكومة السورية تطبيق قرارها استثناء شرائح من المواطنين من الدعم المُخصّص للمواد الأساسية، اندلعت في محافظة السويداء موجة احتجاجات شعبية لا تزال مستمرّة، وسط «برودة» أمنية لافتة في التعامل معها. وفيما لا تبدو دمشق في وارد التراجع عن قرارها، فهي بدأت اتّصالات مع الجهات المعنيّة من أجل تهدئة الوضع، وإبقاء الحراك في إطاره المطلبي القابل للمعالجة بالحوار. وعلى رغم أن شعارات سياسية بدأت تدْخل على خطّ الاحتجاج، توازياً مع محاولة الفصائل المسلّحة اقتحام الساحة أيضاً، إلا أن السلطات لا تزال مطمئنة إلى أن السويداء لن تنجرّ إلى «ما لا تُحمَد عُقباه»
شهدت محافظة السويداء، لليوم الثاني على التوالي، تحرّكات مطالِبة بتحسين الأوضاع المعيشية، حيث تجمّع المحتجّون بالقرب من «مقام عين الزمان»، توازياً مع استمرار قطْع الطرقات الرئيسة، وأبرزها طريق السويداء - دمشق بالقرب من قريتَي حزم وخلخلة، مع السماح لحافلات نقل الطلاب والحالات الإسعافية بالعبور، فضلاً عن قطع الطرقات بين بعض مدن الريف ومركز المحافظة. وإذ لا تزال الشعارات المطلبية طاغية على تلك التحرّكات، فإن المشهد قد يتعقّد خلال الساعات والأيام المقبلة، بفعل وجود عناصر تَصِفها المصادر الأمنية بـ«غير المنضبطة»، يمكن أن تدْخل على خطّ الاحتجاجات. وممّا يعزّز هذه الشكوك، رفْع شعارات ذات طابع سياسي، تطالب بتطبيق القرار الأممي 2254 الذي يحْصره البعض بمفهوم «الانتقال السياسي السلمي»، في إشارة إلى ضرورة تنحّي الحكومة الحالية بكامل مؤسساتها.
والظاهر أن اختلاط الشعارات مردّه إلى تعدُّد التيّارات المشارِكة في التظاهرات، والتي بدا لافتاً أن من بينها القوى الموصوفة بـ«هيئات المجتمع المدني»، ومكوّنات محسوبة على المعارضة. وفي هذا الإطار، يفيد مصدر قريب من مشيخة العقل، «الأخبار»، بأن شخصيات دينية بارزة حيّدت نفسها عن المشهد، لعدم قدرتها على إقناع الحكومة بالمطالب الشعبية، وفي الوقت نفسه عجزها عن إقناع الناس بالكفّ عن التظاهر. إلّا أن المصدر يؤكد أن المشيخة شدّدت على ضرورة عدم الانزلاق وراء أعمال التخريب والعنف أو الصدام مع القوى الأمنية أو استفزازها بأيّ فعل غير قانوني، ولا سيما أن هذا الاحتمال بات قائماً بعد أن أجبرت الفصائل المسلحة، أمس، موظفي مجلس المدينة والنافذة الواحدة على مغادرة مقرّ عملهم وإغلاقه.
شخصيات دينية بارزة حيّدت نفسها عن المشهد لعدم قدرتها على إقناع الحكومة بالتراجع عن قرارها


من جهتها، لا تزال الحكومة، التي تدافع عن «قرار رفع الدعم عن المواد الأساسية»، المُحرّك الرئيس لموجة الاحتجاج الحالية، بأنه يستهدف شريحة غير مستحِقّة للدعم، تتعامل برأس باردة مع التظاهرات، إذ لم تُسجَّل أيّ محاولة من قِبَل القوى الأمنية لقمعها أو فضّها، في وقت كثّف فيه المحافظ نمير مخلوف اتصالاته مع رجال الدين والوجهاء لتهدئة الوضع، مقابل التعهّد بالعمل على تلبية احتياجات المحافظة الخدمية في أسرع وقت ممكن، في ظلّ عدم وجود نيّة لدى دمشق للتراجع عن قرار رفع الدعم، بالنظر إلى أهمّيته، من وجهة نظر الحكومة، في ترشيد الإنفاق الحكومي، مع استمرار العقوبات المفروضة على البلاد، والتي لا يبدو أنه سيتمّ إبطالها في المدى المنظور. وبفعل «الليونة» الحكومية في التعامل مع الحدث، عبر محاولة استيعابه بما لا يسمح بخروجه عن السيطرة، انفضّت الاحتجاجات خلال اليومين الماضيين بشكل طوعي، توازياً مع فتح الطرقات، وسط دعوات إلى تجديد التظاهرات اليوم الثلاثاء انطلاقاً من أمام «مقام عين الزمان».

موقع الفصائل المسلّحة
تغمز مصادر أمنية من قناة بعض الجهات بوصفها مسؤولة عن إحداث بلبلة في محافظة السويداء بين الحين والآخر، من خلال اللعب على الوتر الطائفي، في محاولة لجرّ المحافظة نحو مستنقع الحرب. ومن بين هذه الجهات، «حزب اللواء» الذي أعلن عن نفسه عبر صفحة على «فيسبوك» قبل عدّة أشهر، من دون أن يكون له حضور على الأرض إلّا من خلال فصيل مسلّح متواجد في المحافظة قبل تشكّل الحزب، يطلِق على نفسه تسمية «قوة مكافحة الإرهاب»، ويعلن عداوته لدمشق.
ومع ذلك، لم تذهب الحكومة نحو شنّ عملية عسكرية لإنهاء وجود هذا الفصيل، لكونه لم يقُم بأيّ حراك على الأرض، والنظر إلى صغر حجمه، ما يسمح بإمكانية تطويق خطره إنْ ظهر. لكنّ المحافظة تحوي أيضاً فصائل مشكّلة من «مشايخ»، يدأبون على تسجيل مواقف سلبية من دمشق بشكل دوري، ويتصرّفون على اعتبار أنهم قادة معارضون، كما في حالتَي «قوات الفهد» و«قوات شيخ الكرامة»، إلّا أن هؤلاء محدودو الخطر وفقاً لتوصيف المصادر الأمنية، ولم يسبق لهم أن حاولوا نقل السويداء إلى حالة الخروج عن الدولة.
بناءً عليه، لا تتوقّع المصادر حدوث «ما لا يحمد عقباه» في المحافظة، نظراً إلى رغبة دمشق في إبقاء الحدث ضمن إطاره المطلبي القابل للمعالجة بالحوار. لكنّ القوى الأمنية تخشى من افتعال الفصائل المسلّحة لأيّ حدث دراماتيكي، أو اللجوء إلى العنف والتخريب، وهو ما سيكون كفيلاً بأخذ السويداء إلى مكان آخر.