بغداد | صار العراقيون يتداولون تعبير "مرحلة تكسير العظام" لوصْف الحال التي أصبحت عليها الأزمة في بلادهم، مع اتّجاه "تحالف الغالبية" إلى الخيارات القصوى، بتعطيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب، من خلال تغييب نصاب الثلثين الضروري لانعقادها. تعطيلٌ لا يبدو خارجاً من سياق معركةٍ صارت مفتوحة، بعدما تحلّل "التيار الصدري" من عُقدة ترشيح "الحزب الديموقراطي الكردستاني" لهوشيار زيباري، الذي أبطلت المحكمة ترشيحه على خلفية فضيحة فساد أُقيل بسببها من وزارة الخارجية. وأتاح ذلك لمقتدى الصدر الذهاب حتى النهاية في التحالف مع "الديموقراطي" و"تحالف سيادة" بين القوى "السُنّية"، والذي أسقط جلسة الأمس، بهدف إحباط انتخاب مرشح "الاتّحاد الوطني" للرئاسة، برهم صالح، ومن ثمّ تشكيل حكومة تستبعد الفريق الآخر، ما يعني، في حال حصوله، مواجهة حتمية متعدّدة الطبقات في العراق. إذ إن الإطاحة بصالح تعني العودة بالوضع في "كردستان العراق" إلى ما قبل اتفاق العام 2006، الذي وحّد حكومة الإقليم بعد سنوات من الاقتتال بين "البيشمركة" الخاصة بكلّ حزب، والموجودة حتى الآن في المناطق التي يسيطر عليها كلاهما. فالاتفاق جرى عُرفاً على أن يتولّى "الديموقراطي" رئاسة الإقليم، بينما يتولّى "الاتحاد" رئاسة العراق، كما يتقاسم الحزبان بقيّة المناصب، سواءً في الإقليم أو تلك المخصَّصة للأكراد على المستوى الوطني العراقي. ولذا، فإن العودة إلى المسار الدستوري من دون مشكلات، لها طريق وحيد هو انتخاب برهم صالح رئيساً - إلّا إذا تنازل "الاتحاد" عن ترشيحه -، ومن ثمّ استكمال مسار تشكيل الحكومة بعد تحديد "الكتلة الأكبر"، لتُقدِّم مرشحاً يكلّفه رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة. وتملك القوى المعارضة لـ"تحالف الغالبية" أكثر بكثير من ثلث عدد أعضاء مجلس النواب، بما يمكّنها إذا أرادت، من منْع اكتمال النصاب البالغ 220 نائباً، فيما يملك التحالف الأوّل، بأطرافه الثلاثة مجتمعين، 172 نائباً، أي أنه يظلّ قاصراً عن توفير النصاب.
الخلاف حول هويّة الرئيس المقبل، هو في جوهره انعكاس للخلاف داخل «الصفّ الشيعي»


ويلفت النائب المستقلّ، عدنان الجابري، في تصريح إلى "الأخبار"، إلى أن "58 نائباً فقط من مجموع 329 نائباً، أي ما نسبته 17 %، حضروا الجلسة"، داعياً النواب إلى "انتخاب الرئيس من خلال التفاهم و التفاوض تحت قبّة البرلمان"، مشيراً إلى أن "عدم حسم موضوع الكتلة الأكبر التي تُقدِّم مرشّحها لتشكيل الحكومة استناداً إلى المادّة 76 أوّلاً من الدستور العراقي، هو سبب عدم الاتفاق بين الكتل السياسية على مرشّح رئاسة الجمهورية". لكن المحلّل السياسي، غالب الدعمي، القريب من "التيار الصدري"، يَعتبر أن "الوضع الحالي سينتهي، ولن يستمرّ طويلاً، لأن هناك فاعلاً آخر في هذه الانتخابات، وهم المستقلّون الذين ستكون لهم كلمة مهمّة جدّاً بالحضور إلى الجلسة المقبلة وإنهاء الثلث المعطّل"، مضيفاً أن "الخلاف الشيعي - الشيعي انعكس خلافاً كردياً - كردياً، فالكرد وحدهم لا يفعلون شيئاً، وكلّ من الطرفَين متمسّك برأيه، فالاتحاد الوطني متحالف مع الإطار التنسيقي، والحزب الديموقراطي مع التيّار الصدري والسنة، لكن الخلاف بين الكرد واضح هذه المرّة".
وعن مفاوضات تشكيل الحكومة التي أعلن الصدر السبت تجميدها، يقول الدعمي إن "المفاوضات وإن كانت متوقّفة، لكن هناك بشكل أو آخر رسائل متعدّدة، وهناك تواصل وتفاوض بين الكتل السياسية"، مستدركاً بأن "ثمّة صعوبات جمّة وواضحة أمام تشكيل الحكومة، بسبب خلافات شديدة على المصالح والمنافع، ما يجعل الوضع العراقي قلقاً جداً. وهناك تهديد باستخدام السلاح وضغوط دولية وإقليمية تجعل الحكومة العراقية حتى وإن شُكّلت بولادة قيصرية، ضعيفة". ويَعتبر أن "الانقسام يُضعف الشيعة سياسياً، ويُضعف حتى تأثيرهم السياسي على مستوى إدارة الدولة، ولكن هذا الضعف طبيعي جدّاً، لأنهم افترقوا عن الناس، فالطبقة السياسية الشيعية تراجعت علاقتها بالناس، وقلّ تأثيرها عليهم، بالتالي انعكس ذلك على وجودها السياسي".
من جهته، يوضح الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، أن "رئيس الجمهورية الحالي سيستمرّ في تصريف الأعمال وفق المواد 72 ثانياً من الدستور، إلّا أن هذا يُعدّ تجاوزاً على المُدد الدستورية". ويضيف أنه "في حال استمرار الغياب، يُطبَّق على الغائبين قانون الاستبدال وفق المواد 18 وما بعدها من النظام الداخلي للبرلمان. فعدم الحضور، إذا استمرّ، يُعدّ حنثاً باليمين، تُطبَّق عليه المادة 235 من قانون العقوبات العراقي التي تنصّ على الحبس والغرامة أو عليهما معاً".