عقدت أمس جلسة مشتركة للجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل، خصصت لدرس مشروع «الكابيتال كونترول». وكما كان متوقعاً، حضر نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الجلسة، حاملاً معه مسودة جديدة تضاف إلى نسختين أُعدّت كل واحدة منهما في إحدى اللجنتين. وكان يفترض بالنسخة الثالثة أن تكون متوائمة مع ملاحظات صندوق النقد الدولي لتوسيع القيود على العمليات الخارجية بدلاً من تركيزها على العمليات المصرفية، وعدم حصر صلاحيات تطبيق القانون بمصرف لبنان أو بمجلس النواب. لكن مضمون النسخة الثالثة جاء ليعزّز حماية المصارف، ويمنح صلاحيات استنسابية لمصرف لبنان في غالبية مجالات تطبيق القانون.
(هيثم الموسوي)

عشر مواد قانونية ليست إلا التفافاً جديداً على جوهر «الكابيتال كونترول». فمشروع الشامي، يترك العديد من النقاط الأساسية مفتوحة على التأويل، مثل سقف السحوبات المسموحة بالعملات الأجنبية، وصلاحيات مصرف لبنان في تحديد حجم الأموال المُحوّلة والمُستفيدين من الاستثناءات ومراقبة تطبيق القانون، فضلاً عن أنه يشرّع التعميم 158 الصادر عن مصرف لبنان في إطار القيود والاستثناءات المنصوص عنها.
ملاحظات النواب التقنية حول المسودة المُقدّمة كانت عديدة. لكن ليس من أجل ذلك «طُيّرت» جلسة الأمس، بل لأنّ الشامي لم يُرفق المسودة بموافقة رسمية من صندوق النقد الدولي عليه. «جيبوا الموافقة من صندوق النقد بالأول» توجّه النائب إبراهيم كنعان إلى الشامي. إذ إن الدعوة إلى هذه الجلسة جاءت بخلفية ملاحظات الصندوق وسعي الحكومة لإدراجها في المشروع، وإلا لماذا عقدت أصلاً؟
خلال الجلسة قال نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، إنّ الاقتراح الجديد يجمع بين مشروعَي لجنتَي الإدارة والعدل والمال والموازنة، فردّ كنعان معترضاً بأنّها خطوة أحادية من قبل الحكومة، متسائلاً لماذا لم تتمّ إحالته وفقاً للأصول. المسودة وُزّعت على النواب صباحاً قبل انعقاد الجلسة، إلا أنّ البعض اعترض انطلاقاً من أنّه لا يُمكن مناقشته وإبداء الملاحظات عليه قبل التمعّن به. برزت بعض النقاشات حول إنشاء محكمة خاصة تُحال إليها القضايا المتعلقة بتنفيذ القانون، وعدم وضوح بنودٍ عدّة لا سيما في ما خصّ الاستثناءات المتعلقة بالأموال المخصصة للتصدير واستيراد المواد الأساسية، وتغييب سلطة مجلس النواب.
«جيبوا الموافقة من صندوق النقد بالأول»، قال كنعان للشامي


أراد الفرزلي بتّ التعديلات في جلسةٍ واحدة، ولكنّ كنعان فجّر «قنبلة» موافقة صندوق النقد على المسودة في وجه الشامي. الأخير أجاب بأنّ الحكومة لم تحصل على تعهّد من «الصندوق» بالموافقة على الصيغة المعروضة على اللجان، وبما أن الحكومة لم تتبن هذا المشروع كما لم يتبناه أي نائب، فإن النقاش من دون هذه الموافقة لا طائل منه. عندها اقترح الفرزلي إنشاء لجنة فرعية لدراسة النسخة الجديدة مشيراً إلى أنها أتت بعد اتصالات مع الكتل النيابية، فتوجّه كنعان إلى النائب نقولا نحاس سائلاً إياه عن هذه الاتصالات، وردّ الأخير بأن المشروع أعدّته الحكومة وحدها. في هذا الوقت تدخّل النائب علي حسن خليل سائلاً عن حقيقة موافقة الصندوق، فأجابه الشامي بأنه لم يستحصل على موافقة الصندوق على هذه الصيغة… على هذا الأساس تم تأجيل النقاش لمدّة أسبوع، لكن المفاجأة أتت من رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعد أقل من نصف ساعة على انتهاء جلسة اللجان المشتركة، إذ دعا اللجان المشتركة إلى الانعقاد مجدداً الاثنين المقبل.
نسخة الشامي من المشروع تشمل القيود على كل العمليات التي يمكن أن تؤدي إلى خروج الدولارات من لبنان، باستثناء الدولارات «الفريش»، إلا أنها تمنح مصرف لبنان صلاحيات استنسابية مطلقة في تحديد شروط ولوائح الاستثناءات بما فيها تلك التي صدرت سابقاً (ضمناً التعميم 158) أو تلك التي ستصدر مستقبلاً. ولم يكتف الاقتراح بمنح مصرف لبنان هذه السلطة بل حرّره من أي رقابة. فالمركزي سيُحدّد الاستثناءات، سقف السحوبات، ويُنشئ الوحدة التي تبتّ بقرارات التحويلات، ويُراقب «ويُعاقب» المصارف المخالفة بصفته رئيساً للهيئة المصرفية العليا.
وفيما تلغي النسخة الجديدة كل سقوف السحب والتحويل التي كانت مخصصة للمودعين (تصل إلى 50 ألف دولار سنوياً)، وتلغي سقوف الدولار الطالبي، إلا أنها لا تتماشى أيضاً مع كل متطلبات صندوق النقد الموجّهة لسعادة الشامي.
ففي واحدة من هذه الملاحظات، أشار الصندوق إلى أنّ رفع القيود عن سحوبات الليرة سيؤدّي إلى المزيد من انهيار العملة المحلية في السوق الموازية باعتبار أن السكان سيعمدون إلى استبدالها بالدولار، وإعادة إدخالها إلى الحسابات المصرفية كـ«أموال جديدة»، وتحويلها إلى الخارج. لذا، طلب الصندوق تحديد معنى «أموال جديدة»، وإذا كانت تتعلّق فقط بالتحويلات من حسابات مصرفية خارج لبنان. اقتراح الشامي لا يوضح هذه المسألة، بل يتحدّث عن أموال جديدة «حُوّلت من حسابات مصرفية خارج لبنان، أو تلك التي أودعت أوراقاً نقدية بأية عملة أجنبية كانت في هذه الحسابات، في حال تمّت وفقاً لمفهوم الأموال الجديدة التي حدّدها مصرف لبنان». أما بالنسبة للحسابات المصرفية بالدولار غير المستفيدة من التعميم 158، فيقترح الشامي إتاحة سحبها بالليرة وفق سعر منصة صيرفة عوضاً عن سعر صرف 3900 ليرة / الدولار. يطرح ذلك أسئلة حول توسّع الكتلة النقدية في التداول وانعكاسها على سعر الصرف من دون خطّة واضحة المعالم عن الخطوات التالية.