توازياً مع تواصُل المفاوضات بين إيران والغرب، والتي يتحدّث أطرافها عن إيجابية أجوائها، تُتابع إسرائيل تظهير تناقضاتها إزاء ذلك، عبر تهديدها طهران بخيارات عسكرية، في موازاة إقرارها بقصور يدها، ودعوتها إلى اتخاذ قرارات «شجاعة وخلّاقة»، في ما يُمثّل، في مجمله، إشارة إلى وجود توجّه بالتسليم بما آلت إليه الجمهورية الإسلامية، نووياً. هكذا، يبدو أن الأمور قد حُسمت من وُجهة نظر إسرائيل: إيران تتّجه إلى أن تكون دولة حافّة نووية، في تموضع سبقتها إليه دول أخرى كاليابان وألمانيا وغيرهما، مع ما يعنيه ذلك من امتلاكها قدرة تقنية وعملية تسمح لها بامتلاك السلاح النووي في فترة وجيزة جدّاً. وهو ما يمثّل تهديداً مركّباً بالنسبة إلى الكيان العبري؛ إذ إنه يعادل من جهة تهديداً وجودياً للكيان، ومن جهة أخرى مظلّة ردعية تشمل حلفاء إيران الإقليميّين، الذي سيكونون قادرين على مواصلة الصراع مع إسرائيل بثقة زائدة دون مستوى التهديد النووي، ما يحول دون أن تستخدم تل أبيب قدراتها المتطرّفة في مواجهة طهران، فيما الأحلاف التي تسعى إليها الأولى مع أطراف إقليميّة، تَفرغ من محتواها الأمني والعسكري.مع ذلك، سيواصل صاحب القرار السياسي والأمني في إسرائيل إطلاق تهديداته، والتحذير من أنه لن يتوانى عن تفعيلها لمنْع إيران من التحوّل إلى دولة حافّة نووية. وهو تهديدٌ يبدو حمّال أوجه من وجهة نظر مراقبين، من بينها أن تتسبّب تل أبيب عبر اعتداء ما على البرنامج النووي الإيراني، بالدفْع نحو حرب أميركية - إيرانية، من شأنها إنهاء هذا البرنامج، ناهيك عن إسقاط النظام نفسه. لكن هذه الآمال تبدو غير متجانسة مع الواقعَين الإيراني والأميركي، حيث لا تجد الولايات المتحدة مصلحة في التورّط التلقائي أو الانجرار القسري إلى مواجهة واسعة مع إيران. ومن هنا، يبدو واضحاً أن ثمّة إقراراً إسرائيلياً، وإن مبطناً، بانتهاء المنازلة النووية لصالح طهران، وإن استمرّ التلويح بالضربة العسكرية، والمقصود به، على الأرجح، طمأنة الجمهور الإسرائيلي من ناحية، ودفْع الجمهورية الإسلامية إلى التراجع عن موقفها من ناحية أخرى، فضلاً عن حثّ واشنطن على التشدّد في المقاربة التفاوضية من ناحية ثالثة. وممّا يرد من التسريبات والتعليقات والدراسات البحثية، يُلحظ شبه إجماع على أن المعركة انتهت، وأن على إسرائيل أن تفكّر وتتجهّز لليوم الذي يلي، عبر البحث عن تموضع ما إلى جانب الأميركيّين، يضمن للكيان العبري مظلّة حمائية بوجه إيران. وفي الانتظار، تتابع تل أبيب حضّ «الحلفاء على ضرورة أن لا يرضخوا للابتزاز الإيراني» وفق ما جاء على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينت، فيما تحدّث وزير الأمن، بني غانتس، عن «معلومات استخبارية» يجب أن تكون حاضرة لدى المفاوِضين، مفادها أن «إيران تماطل في المفاوضات»، ولذا، فإن «الوقت الذي يمرّ يجب أن يكون له ثمن يتمّ التعبير عنه عبر عقوبات اقتصادية وعمليات عسكرية، إلى أن يتوقّف الإيرانيون ويتخلّوا عن سباق التسلّح النووي والعدوانية الإقليمية».
سيواصل صاحب القرار السياسي والأمني في إسرائيل إطلاق تهديداته


وفي الاتجاه نفسه، بدا لافتاً ما ورد أوّل من أمس على موقع «أكسيوس» الأميركي، نقلاً عن مصدرَين أميركيَين «مطّلعَين على مجريات المفاوضات»، من أن «إسرائيل أطلعت الولايات المتحدة وعدداً من الحلفاء الأوروبيين، خلال الأسبوعَين الماضيَين، على معلومات استخبارية تشير إلى أن إيران تتّخذ خطوات تقنية للتحضير لتخصيب اليورانيوم بنقاء 90 في المائة، وهو المستوى المطلوب لإنتاج سلاح نووي». تأمل تل أبيب أن تكون هذه «المعلومات» كافية بذاتها لدفْع الأميركيّين إلى تشديد موقفهم في مواجهة المُفاوِض الإيراني، ومن أبرز وجوهه التلويح بالخيارات العسكرية. لكن من ناحية الإدارة الأميركية، وهنا المفارقة، فإن هكذا تحريض، أكان مستنداً إلى وقائع دقيقة أم غير دقيقة، إنّما يستحثّها على استعجال العودة إلى اتفاق 2015، ولو اضطّرها الأمر إلى تقديم تنازلات. إذ ترى الولايات المتحدة أن أيّ خيار عسكري، بغضّ النظر عن محدّداته وتداعياته على مصالحها في هذه المرحلة، سيؤدّي إلى تسريع البرنامج النووي الإيراني لا إلى إيقافه، مع التسبّب بأن تقترب إيران من العتبة النووية، إن لم تتجاوزها بالفعل. باختصار، تقول أميركا: لا للحرب، ولا لأفعال من شأنها أن تتسبّب بحرب، وبتفلّت إيراني أكبر من الالتزامات النووية. وهكذا، فإن الخلاف بين الطرفَين لا يتعلّق بأفضل السبل وأكثرها سهولة وتأثيراً واستدامة في مواجهة إيران، أي أنه لا يدور حول انتخاب واحد من خيارات متعدّدة على رأسها الديبلوماسي والعسكري، بل إن واقع الأمور مغاير تماماً، وهو ما ينطق به إصرار إسرائيل على أن المفاوضات لا تؤدي الغرض المطلوب، وأنه أيّاً كانت النتائج التي ستؤدي إليها، فستكون سيّئة بكلّ الأحوال. ذلك أن العودة إلى اتفاق عام 2015 ستعني تفلّت إيران من العقوبات ومن الالتزامات كون الاتفاق مزمناً بسنوات محدّدة، ستكون طهران من بَعدها طليقة، في حين أن اللا اتّفاق سيقرّب، هو الآخر، الجمهورية الإسلامية من الحافّة النووية؛ وكلتا الفرضيتَين سيّئتان.