كثّفت شرطة العدو وأجهزة أمنه، أخيراً، ما تُسمّى عمليات «مكافحة العنف والجريمة» في أوساط فلسطينيي الـ48، حيث أطلقت حملتَين جديدتَين: واحدة باسم «المسار الآمن» وهدفها «مكافحة الجريمة الاقتصادية»، والثانية باسم «أوشن» وهدفها «القضاء على تجّار السلاح». ومن هنا، شقّت المؤسسة الإسرائيلية طريقها إلى بدء عقاب جماعي بحقّ الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وذلك بهدف إحكام سيطرتها الأمنية على بلداتهم ومدنهم وقراهم. هدفٌ تَظهر في خلفيّته، بوضوح، الاحتجاجات التي عمّت أراضي الـ48 في أيار الماضي خلال «هَبّة الكرامة»، ردّاً على الاعتداءات الإسرائيلية في الأقصى وباب العمود، ومحاولات تهجير أهالي حيّ الشيخ جراح. وقد أدّى استشهاد الشاب موسى حسونة، آنذاك، على أيدي مستوطنين في مدينة اللد، إلى ردّ فعل عنيف من قِبَل الفلسطينيين، الذي أشهروا أسلحتهم بوجه رموز المؤسسة الإسرائيلية دفاعاً عن أنفسهم، وتساوقاً مع الحدث الذي شمل الكلّ الفلسطيني. على هذه الخلفية تحديداً، تأتي حملات «مكافحة الجريمة»، التي تستهدف، خلافاً لما يُروّج له، محاصرة السلاح الفردي وكلّ سلاح من الممكن أن يُستخدم ضدّ الشرطة الإسرائيلية في أيّ مواجهة مقبلة، مع الإبقاء على الأسلحة الموجودة بأيدي المجرمين، الذين يفتكون بالمجتمع الفلسطيني في الداخل، مُحوّلين حياته إلى جحيم لا يُطاق، يحصد المزيد من الأرواح يومياً. وإلى جانب ملاحقة «السلاح الوطني»، بدأت الشرطة تنفيذ عقاب جماعي ضدّ المصالح التجارية وأملاك الفلسطينيين في كلّ من الجليل والمركز والنقب، حيث تُسطّر المخالفات وتعتقل «المخالفين» بالجملة، في حملة بلغت ذروتها قبل أيّام في النقب، إذ نفّذ أكثر من 1200 عنصر من القوات الخاصة الإسرائيلية إنزالاً من مروحيات على أسطح المنازل في قرية أبو تلول، «من أجل اعتقال 40 مشتبهاً في تجارة الأسلحة والمخدّرات وتبييض الأموال وغيرها».
هذه التطوّرات أثارت ردّ فعل فلسطينياً غاضباً، تُرجم في المواجهات مع الشرطة، وفي استهداف الحافلات الإسرائيلية بالحجارة، مثلما حدث أخيراً لحافلة كانت متوجّهة على طريق الجنوب إلى إيلات. وفي هذا الإطار، أشارت «القناة 12» الإسرائيلية، أمس، إلى أنه «سُجّل في السنوات الأخيرة حوالى 20 اعتداءً على حافلات في الجنوب على خلفية قومية أو بدوافع متطرّفة»، موضحةً أن «جزءاً من هذه الحوادث وقف وراءها فلسطينيون من النقب». وبالتزامن مع ذلك، عقد وزير الأمن الداخلي، عومير بار ليف، ووزيرة المواصلات، ميراف ميخائيلي، جلسة لتقدير الموقف، تعهّدا خلالها بـ«محاسبة المهاجمين»، قائلَين إن «الجنوب لن يُهمل أو يبقى خارج المراقبة بعد اليوم». وأضافا، في بيان مشترك، أن «رمي حجارة على الحافلات هو إرهاب بكلّ ما للكلمة من معنى».
أثارت الحملة الإسرائيلية ردّ فعل فلسطينياً غاضباً، تُرجم في المواجهات مع الشرطة


وطبقاً لمعطيات شركة «إيجد»، فإنه «في السنوات الثلاث الأخيرة، وُثّقت عدّة حوادث في الشمال والنقب، بلغ عددها 21 حادثاً، هوجمت فيها حافلات بالحجارة على خلفية قومية أو أصولية من قِبَل الفلسطينيين في النقب والشمال». ولفتت الشركة إلى أن «السائقين الذين تعرّضوا للمهاجمة أبلغوا الشرطة والسلطات بعد وقوع أضرار مادية جسيمة في الحافلات، وأحياناً وقوع أضرار جسدية»، مستدركة بأن «ثمّة حوادث كثيرة لم يُبلَغ عنها للسلطات، بالنظر إلى أن الأضرار التي لحقت بالحافلات خلالها كانت طفيفة. ولذلك، من المحتمل أن تكون هناك حوادث إضافية، ولكن يصعب إحصاؤها». وفي هذا المجال، أعلن الوزيران الإسرائيليان أنهما «اتّخذا سلسلة من الخطوات التي من شأنها الحفاظ على أمن السائقين والمسافرين»، مضيفَين أنهما «ينظران بخطورة بالغة إلى هذه الحوادث، ويتعهّدان بفعل كلّ شيء لمنع تكرارها مستقبلاً».
كذلك، أدرج وزير الأمن الداخلي «حوادث رمي الحجارة على الحافلات في سياق الوضع الصعب في الجنوب، والمتّسم بالتساهل والتراخي اللذين ظهرا في أيار الماضي»، قائلاً: «(إننا) لن نسمح لهذا الوضع أن يستمرّ. في الأشهر الأخيرة، بدأ لواء الجنوب تطبيق خطط مكافحة الجريمة والعنف في أرجاء النقب، عبر تعزيز القوات الشرطية وعناصر حرس الحدود، إلى جانب خطط أخرى بدأت آثارها الأوّلية تظهر أخيراً، وأدّت إلى اعتقالات مهمّة لمشتبه فيهم». وتابع أنه «ما دام هناك ولو مواطن واحد يشعر بعدم الأمان في السفر على طرق الدولة، فهناك الكثير من العمل والتحدّيات أمامنا. اختبارنا الحقيقي هو تحسين الشعور بالأمن لسكان الجنوب والمسافرين على الطرق».
في المحصّلة، يَظهر واضحاً أن الفلسطينيين لن يبقوا مكتوفي الأيدي أمام سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها الشرطة الإسرائيلية بحقّهم بحجّة «مكافحة الجريمة»، التي - للمفارقة - لا تزال تتصاعد وتتمدّد من دون أيّ بوادر للجمها. وما بيان بار ليف الذي يربط بين ما يحصل في الجنوب وبين «هَبّة أيار»، إلّا دليل إضافي على أن إسرائيل الرسمية صنّفت فلسطينيّي الداخل المحتلّ كجبهة حرب إضافية، ستكون الأيام كفيلة بإثبات مدى خطورتها.