بعدَ أيام من تأكيد رئيس الجمهورية أن «لبنان يتطلّع إلى استئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية الجنوبية»، ذكرت قناة «LBCI» أن «الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين سيعود إلى لبنان قريباً لنقل موقف إسرائيلي»، مع الاعتقاد بأن «الموفد استطاع إقامة خرق معين في الموقف الإسرائيلي». ورجّح مراقبون للقناة بأن «يكون الإسرائيليون قد وافقوا على إعطاء لبنان حقلاً كاملاً، على أن يعود حقل كاريش لإسرائيل»، لافتين إلى أن «إسرائيل والولايات المتحدة تستعجلان الوصول إلى اتفاق قبل شهر آذار، موعد بدء الاحتلال الإسرائيلي بالتنقيب عن النفط في حقل كاريش، وهم يريدون أن لا يتعرّضوا لأيّ مخاطر أثناء عملية التنقيب». وبحسب مصادر متابعة، فإن أحد أهم الدوافع وراء هذا «العرض»، هو إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الشهر الماضي، أن المقاومة ستتدخل عندما تجد أن إجراءات العدو تشكّل خطراً على حقوق لبنان، ولن تسمح للعدو باستغلال مرحلة المفاوضات الحالية من أجل استخراج الغاز أو النفط من المنطقة الخاضعة للتفاوض. وهو ما وضع خطاً أحمر يمنع العدو، وخلفه الولايات المتحدة، من فرض وقائع على الأرض لسرقة ثروات لبنان، ويسمح بتعزيز موقف لبنان التفاوضيولكن، هل زيارة هوكشتين مؤكّدة؟ وما هي الأفكار التي يحملها الموفد الأميركي معه؟
لم يتبلّغ المسؤولون اللبنانيون بعد رسالة رسمية من الجانب الأميركي في شأن الزيارة. وفقَ المعلومات، نقلت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا أن «هوكشتين سيأتي الى لبنان قريباً من دون أن تحدّد موعداً»، وهو ما يتقاطع مع جو بعبدا وعين التينة والسرايا الحكومية بأن «أحداً لم يطلب موعداً بعد». غيرَ أن جزءاً من الأفكار التي يحملها هوكشتين سبقه إلى بيروت، وخاصة أنه بعدَ زيارته الأخيرة لكيان العدوّ خرج بمجموعة أفكار تداول بها مع مسؤولين أميركيين على صلة بجهات لبنانية معنية بالملف. وهذه الأفكار، بحسب معلومات «الأخبار»، تنطلِق من تعهّدات لبنانية انتزعها الوسيط الأميركي في زيارته لبيروت الشهر الماضي وزبدتها أن «تعديل المرسوم 6433 للمطالبة بمساحة الـ 1430 كيلومتراً إضافياً عن الـ 860 كيلومتراً سقطَ من الحسابات اللبنانية، لكن لبنان يريد الحصول على الخط 23، بالإضافة إلى مساحة تضمن له الحصول على حقل قانا»، مع إمكانية «رسم خط متعرّج لضمان الفصل بين الحقلين، إذ إن حقل «قانا» المكتشف والممتد جنوباً يطاول الجزء الشمالي من حقل «كاريش»، بموجب ما يوفّره الخط الرقم 29».
المعطيات المتوافرة لدى الجانب اللبناني لا تتضمّن ما إذا كانت «إسرائيل قد وافقت على إعطاء لبنان أكثر من الخط 23، وخاصة أنها طوال فترة المفاوضات كانت تعتبر هذا الخط هو الحد الأقصى للعودة الى خط هوف، أي حصول لبنان على أقل من الـ 863 كيلومتراً»، إلا أنها مهدت لطروحات أخرى تطرح تساؤلات عدّة وتفتح باب البحث عن الأزمة التي يُمكن أن تتسبّب بها، ولا سيما أن «الأميركيين واللبنانيين يعتقدون بأن فرصة إنجاز الاتفاق الآن قد لا تتكرر في ما بعد». مصادر معنية بالملف، أشارت إلى أن «هوكشتين هذه المرة سيؤكّد انتهاء دور الوفد العسكري ــــ التقني في الناقورة، وأن التفاوض سيُستكمَل عبر جولات مكوكية سيتولاها هو ناقلاً رسائل متبادلة بينَ لبنان وكيان العدو، وحينَ يُنجز الاتفاق يبقى التوقيع الشكلي عليه في الناقورة»، كما سيشير الوسيط الأميركي إلى «إنهاء الدور السياسي للأمم المتحدة في عملية المفاوضات».
هوكشتين سيؤكّد انتهاء دور الوفد العسكري في الناقورة وأن التفاوض سيُستكمَل بجولات مكوكية


لكن الأهم والأبرز، هو ما يجري تداوله بينَ مسؤولين محددين في لبنان والإدارة الأميركية عن «استبعاد الكونسورتيوم المكوّن من شركات توتال الفرنسية وآني الإيطالية ونوفاتيك الروسية عن أي عمليات تنقيب على الحدود الجنوبية في البلوكات 8 و9 و10». ولأن «استبدالها بشركة أميركية (كهاليبرتون التي منحتها إسرائيل ترخيصاً للعمل في المياه الفلسطينية المحتلة) سيكون محط خلاف كبير في لبنان»، قالت المصادر إن «كلاماً يدور على نطاق ضيق باعتماد شركة عربية، من المرجح أن تكون شركة بترول أبو ظبي الوطنية». ويبدو هذا منطقياً نسبة إلى كلام سابِق لهوكشتين بعدَ أيام على فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ علّق يومها على تغريدة للخبيرة في المخاطر السياسية في قطاع النفط والغاز منى سكرية، عن انضمام الإمارات إلى منتدى غاز شرق المتوسّط بصفة مراقب، قائلاً: «أعتقد أن أدنوك (شركة بترول أبو ظبي الوطنية) يُمكن أن تكون جزءاً أساسياً في حلّ النزاع البحري بينَ لبنان وإسرائيل، إذا ما أُعطيَت حصّة تشغيلية في البلوكات الحدودية بين الجانبيَن»، وأتَت بالتزامن مع التطبيع الإماراتي ــــ الإسرائيلي (راجِع الأخبار/ الأربعاء 13 كانون الثاني 2021 ــــ الترسيم البحري: جائزة التطبيع للإمارات!)
وبينما لفتت المصادر إلى أن «التنافس محصور بين قطر والإمارات، وأن الكفة راجحة لمصلحة الأخيرة»، أشارت إلى فكرتين ترتبطان بطرح الشركة وهما: «الإتيان بالشركة الإماراتية للعمل في الحقول المشتركة بين البلدين بعد إنجاز الترسيم، وهي فكرة سبقَ أن طرحها بالعموم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل منذ فترة عن الاستعانة بشركة تدير تقاسم الثروة»، أو «تلزيم أي شركة أخرى على أن تعمَل تحت إشراف الشركة الإماراتية تقنياً، انطلاقاً من العلاقة التي تجمع الإمارات بلبنان وبالكيان الصهيوني بعدَ التطبيع والتعاون معه في مجال تطوير حقول الغاز كما حصل في حقل تمار (وقّعت شركة ديليك دريلينغ في نهاية نيسان الماضي اتفاقاً غير ملزم لبيع حصتها في حقل تمار للغاز الطبيعي بشرق البحر المتوسط لمبادلة للبترول بأبو ظبي مقابل 1.1 مليار دولار).
وفي إطار الحديث عن الشركة الإماراتية، ذكّرت المصادر بالأداء الإماراتي تجاه لبنان أخيراً «من باب عدم تأزيم العلاقة مع أي من الأطراف». فحتى موقفها من التصعيد السعودي تجاه لبنان على خلفية تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي «لم يلامس السقف السعودي بحدّته»، وذلك لكونها تسعى الى أن «يكون لها موطئ قدم في المياه اللبنانية». وفي انتظار زيارة الوسيط الأميركي، اعتبرت المصادر أن «هذه الطروحات دونها صعوبات كثيرة، وأن الاتفاق لن يكون إنجازه سهلاً قبل اتّضاح الصورة في فيينا، فلا أحد في وارد تقديم هدايا مجانية».