صار جلياً أن أيّ إنتاج للكهرباء يقلّ عن 600 ميغاواط سيعني استحالة تأمين استقرار الشبكة. لكنّ الوصول إلى هذا المعدل، على انخفاضه، يفرض أن يلعب مصرف لبنان دوره في تأمين الدولارات لكهرباء لبنان، وهو ما يرفض الالتزام به. لذلك، فإن الانقطاعات الشاملة ستبقى مُصلتة على رقاب المشتركين، طالما أن المؤسسة غير قادرة على شراء فيول يُضاف إلى الفيول العراقي، ريثما يُنجز ملف استجرار الغاز المصري، الذي قطع شوطاً كبيراً. وبعدما اتُّفق على معادلة التسعير، يُتوقّع أن تُرسل القاهرة مسودة العقد نهاية الأسبوع الجاري، على أن يبدأ الاستجرار مع نهاية العام
الاجتماع الذي ترأّسه الرئيس نجيب ميقاتي، أول من أمس، للبحث في وضع الكهرباء، وضمّ وزير الطاقة وليد فياض وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك لم يُثمر. كما دخل المجتمعون خرجوا. لا حلول سريعة لأزمة انخفاض إنتاج الطاقة، طالما أن مصرف لبنان يرفض تأمين الدولارات المطلوبة لشراء الفيول وإجراء الصيانات الضرورية. مؤسسة كهرباء لبنان سبق أن أكدت أنها لا تحتاج لا إلى سلفة ولا إلى قرض ولا إلى اعتماد، بل ما تحتاج إليه هو تطبيق مصرف لبنان للقانون وتحويل الأموال التي تملكها بالليرة إلى الدولار (وصلت الجباية إلى 80 مليار ليرة شهرياً، قبل أن تنخفض الشهر الماضي إلى 45 ملياراً، بسبب أزمة البنزين). وبحسب القانون، لا أحد غيره يمكنه أن يؤمّن الدولارات للمؤسسة، أضف إلى ذلك أنه ملزم بتأمين هذه الأموال بالسعر الرسمي للدولار، كما جاء في استشارة أعدّتها هيئة الاستشارات والتشريع. هذا يعني أنه حتى لو اتّفق المصرف والمؤسسة على تحويل الأموال على سعر 3900 ليرة أو 12000 ليرة، على سبيل المثال، فإن الطرفين سيصطدمان بالقانون الذي يفرض التعامل بينهما بالسعر الرسمي.
الخلاصة التي يخرج بها كل من شارك في الاجتماع أن الأمل الوحيد هو في وصول الغاز المصري بأسرع وقت ممكن، لكن حتى تحقّق ذلك لا يفرض الكثير من التفاؤل. تشغيل معمل دير عمار على الغاز المصري، مقابل توجيه ما يصل عبر استبدال الفيول العراقي إلى المعامل الأخرى، لن يعني سوى رفع التغذية إلى نحو سبع ساعات يومياً.

استقرار الشبكة: مَهمة صعبة
وإذا كانت الترجيحات تشير إلى أن الغاز المصري لن يصل قبل نهاية السنة، فإن ذلك يعني أن ثمة ثلاثة أشهر صعبة، خاصة في حال أصر الجانب العراقي على تخفيض الكمية الشهرية المخصّصة للبنان من نحو 80 ألف طن إلى 60 ألفاً. هذا ما حصل في الشحنة الخاصة بشهر تشرين الأول، ويُفترض أن يتكرر خلال شهرَي تشرين الثاني وكانون الأول، بحسب ما تبلّغت وزارة الطاقة من العراق، بما يقلّل الكمية التي تصل إلى لبنان من 60 ألف طن فيول وديزل أويل إلى 40 ألف طن، ستُساهم حكماً في تخفيض الإنتاج. علماً أنه صار واضحاً بالنسبة إلى كل المعنيين أن انخفاض الإنتاج عن 600 ميغاواط سيعني استحالة ضمان استقرار الشبكة، وبالتالي توقع المزيد من الانقطاعات العامة، كالتي حصلت الأحد الماضي واستمرت لنحو 24 ساعة. لكن وصول الشحنات الثلاث، التي اشترتها كهرباء لبنان بكلفة تصل إلى 83 مليون دولار، تباعاً، سيساهم في تسيير الأمور بالحد الأدنى. علماً أن هذا المبلغ يُدفع من الـ100 مليون دولار التي اقترضتها الحكومة من مصرف لبنان بالدولار، مقابل دفع المؤسسة قيمتها بالليرة حسب سعر الصرف الرسمي.
الغاز المصري والفيول العراقي لن يؤمّنا أكثر من 7 ساعات تغذية


عقد الغاز
إلى ذلك، يُتوقع أن تصل مسودة عقد استجرار الغاز من مصر مع نهاية الأسبوع، وحيث يفترض أن تُبنى على النقاشات التي جرت في القاهرة، ثم عبر تبادل الملاحظات على بنود العقد. المسودة ستكون الخطوة الأهم، حتى اليوم، في الطريق نحو تحوّل الاستجرار إلى أمر واقع. علماً أنه لم يُحسم بعد ما إذا كان العقد سيكون استكمالاً للعقد الذي وُقّع في عام 2009 لمدة 15 عاماً، بما يعني انتهاء مدته في عام 2024، أم عقداً يستمر لـ15 سنة جديدة، انطلاقاً من القراءة اللبنانية التي تعتبر أن عقد عام 2009، لم ينطلق رسمياً، إذ ضمّ بنداً يُشير إلى أن فترة الـ15 عاماً تبدأ منذ لحظة بدء وصول الكمية المتّفق عليها من الغاز، وهو ما لم يحصل (كان لبنان يحصل في ذلك الحين على نصف الكمية المطلوبة).
وفيما تؤكد مصادر مطلعة على النقاشات أن هذه المسألة لن يكون لها تأثير كبير على توقيع العقد، فقد تمكّن الوفد اللبناني الذي زار القاهرة من الاتفاق بشكل مبدئي على المعادلة الحسابية التي يُفترض أن يُحدد سعر الغاز على أساسها. وهي تُشبه إلى حد كبير المعادلة التي كانت معتمدة في عام 2009. وبعدما كان الجانب المصري يقترح أن يعتمد التسعير على عنصرين متحرّكين هما: السعر العالمي للنفط وسعر الغاز المعتمد في العقود الآجلة للغاز في هولندا (Title Transfer Facility)، وهو معيار غير معتمد على نطاق واسع عالمياً، قدّم الجانب اللبناني دراسة تعتمد على سعر الفيول حصراً، انطلاقاً من أن سعر عقود الغاز الهولندية يسجل ارتفاعات ضخمة ومتسارعة، ما قد يجعل شراء الفيول أقل كلفة من شراء الغاز. فعلى سبيل المثال، في 15 تموز الماضي كان سعر المليون BTU من الغاز 35 دولاراً بينما وصل حالياً إلى 85 دولاراً، بعدما سجّل في الخامس من تشرين الأول 105 دولارات. وبالتالي، أراد الجانب اللبناني تجنّب الاعتماد على معيار متذبذب، وهو ما لم يعترض الجانب المصري عليه، على أن يُقدّم، في المسودة التي يرسلها إلى لبنان، تقديره لسعر الغاز وفق المعادلة تلك، والتي تشمل حداً أقصى وحداً أدنى لسعر الغاز، يأخذ سعر النفط العالمي في الاعتبار، طالما أنه يبقى ضمن الهامش المتفق عليه. وبحسب الجانب المصري، فإن السعر المعياري الذي سيُقدم إلى لبنان هو نفسه السعر المقدم للصناعيين المصريين، لكنه حكماً سيزيد عن السعر الذي كان يدفعه لبنان في عام 2010، لثلاثة أسباب: ارتفاع سعر النفط عالمياً، وتحديد سعر بداية أعلى من ذلك الذي كان معتمداً في ذلك الحين وزيادة رسوم العبور. علماً أن لبنان كان يدفع نحو 5 دولارات ثمناً للمليون BTU، إضافة إلى كلفة النقل. وتجدر الإشارة إلى أنه بالتوازي مع إنجاز العقد، علمت «الأخبار» أنه يتم التواصل مع الجانب السوري للاتفاق على ثلاث نقاط تتعلق بالاستجرار، هي: ضمان الكمية والنوعية واستمرار الضخّ.

الكهرباء الأردنية تتأخّر
في النتيجة، سيساهم وصول الغاز المصري بإنتاج 450 ميغاواط عبر معمل دير عمار، ومع إضافة نحو 300 ميغاواط يمكن تأمينها من خلال تشغيل المعامل الأخرى بالفيول العراقي، ما سيمكن لبنان من الوصول إلى 800 ميغاواط من الإنتاج (مع المعامل المائية) تكفي للتغذية لسبع ساعات، هي المرتجى اليوم، إلا إذا أضيف ما بين 150 إلى 250 ميغاواط ستُستجرّ من الأردن، في حال الاتفاق معه على السعر، وفي حال إنجاز الدراسة التقنية للربط الشبكي بينه وبين سوريا، بعد إعادة ترميم خطوط النقل.
أما في ما يتعلق بآلية الدفع، فلا يزال الغموض يكتنف دور البنك الدولي في العملية. وبعد أن ثبت استعداده لدفع نصف كلفة الاستجرار عبر قروض للبنان، يفترض أن يكفل النصف الثاني من الكلفة. وهو لذلك، اشترط مجموعة من «الإصلاحات»، أبرزها: تعيين هيئة ناظمة للقطاع ورفع التعرفة. وفيما يتردد أن تعيين الهيئة لن يكون له أي تأثير في ظل الانهيار الذي يشهده القطاع، وفيما يبدو رفع التعرفة أمراً غير واقعي في الوقت الراهن، في ظل عدم توفر الكهرباء أصلاً، يتردد أن الحكومة ستتعامل مع هذه المطالب بإيجابية، فيما سيُقابلها البنك من جهته بليونة ناتجة، على ما يبدو، عن استمرار الضوء الأخضر الأميركي لإنجاز عملية الاستجرار، والتي يلعب الأردن دوراً كبيراً في تفعيلها. وهو قدّم في هذا الصدد رسالة رسمية إلى الإدارة الأميركية يطلب فيها إعفاء الاستجرار من مفاعيل قانون قيصر.