واضح أيضاً أنّ المنافس الأقوى في هذه الانتخابات، هو نتنياهو برئاسته حزب "الليكود"، وذلك بالرغم من معاناة هذا الحزب من انشقاقٍ وتشكيل حزب يميني جديد. وقد أدّى ذلك إلى سحب كتلة ناخبة كبيرة من "الليكود"، يقدّر أنّ استحقاقها الانتخابي أكثر من عشرين مقعداً.
ورغم أنّ استطلاعات الرأي تواصل إظهار نتنياهو على أنّه أقوى المرشّحين، إلّا أنّه غير قادر فعلياً على تشكيل الحكومة المقبلة، من دون أن ينجح في تخطّي صعوبات، داخل معسكره اليميني أولاً، حيث التنافس والتجاذب كبير جداً بين مكوّناته. كذلك، عليه أن يرضخ لابتزاز من منافسيه في الكتلة اليمينية، الذين يخوضون الانتخابات هذه المرّة من أجل أن يتولّوا هُم رئاسة الحكومة بدلاً منه، وهو ما كان منتفياً في الانتخابات الثلاث الماضية، التي شهدت تكتّلاً يمينياً ثابتاً خلفه.
اللافت هو تراجع مكانة عددٍ من الأحزاب التي كانت بارزة في الانتخابات الماضية
اللافت، كذلك، في هذه الانتخابات، هو تراجع مكانة ــــ أو اختفاء ــــ عددٍ من الأحزاب الإسرائيلية التي كانت بارزة جداً في العمليات الانتخابية الماضية، وكانت محلّ تنافس فعلي على تشكيل الحكومة بدلاً من "الليكود". وهنا الحديث يتعلّق بحزب "أزرق أبيض"، في ظلّ اللايقين بشأن أصل بقائه السياسي، كما يرد في استطلاعات الرأي. فقد تراجع عدد المقاعد التي يقدّر أن يفوز بها، من أكثر من ثلاثين إلى البحث في إمكان أن يتخطّى نسبة الحسم (العتبة الانتخابية)، أي أن يحارب على بقائه السياسي. كذلك الأمر لجهة حزب "العمل"، وهو الحزب التاريخي في إسرائيل الذي سبق وجوده وجود الدولة نفسها، فيما تستمر الكتلة اليسارية المتركزة في حزب "ميرتس" على تقلّصها بين أربعة وخمسة مقاعد فقط، وفقاً للاستطلاعات.
أحزابٌ أخرى خرجت من السباق بقرار ذاتي، بعد معاينة استطلاعات الرأي، ومن بينها حزب "تيليم" برئاسة وزير الأمن السابق موشيه يعلون، فيما يتراجع حضور ومكانة المنافسين لـ"الليكود" في الكتلة اليمينية، من الأحزاب المشكلة حديثاً أو تلك المتحوّرة عن أحزابها الأم، بحيث إنّ أيّاً منها منفرداً لا يشكّل منافسة قوية لنتنياهو. والحديث هنا عن رئيس حزب "الأمل الجديد"، جدعون ساعر، الذي كاد أن يصل استحقاقه الانتخابي، وفقاً لاستطلاعات رأيٍ أُجريت في السابق، إلى ثلاثين مقعداً، فيما يُقدَّر له إن جرت الانتخابات الآن، وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، أن لا يتجاوز 14 مقعداً. والأمر ذاته ينسحب على المنافس الآخر في الكتلة اليمينية، نفتالي بينت، رئيس حزب "يمينا" اليميني المتطرّف.
أحزابٌ جديدة تبقى على هامش المشهد الانتخابي، كما تتوقّع استطلاعات الرأي، ولم تحظَ بحضور ومكانة بارزَين، ومنها ما يُتوقع له الاختفاء من الحلبة السياسية بعدما ولد حديثاً، مثل حزب "إسرائيليون" برئاسة رئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي، وكذلك "الحزب الصهيوني الديني" بزعامة بيتسالئيل سموتريتش (الاتحاد الوطني سابقاً)، وحزب "عوتسما يهوديت"، وحزب "الاقتصاد" بزعامة يارون زليخة، وغيرها. أما القائمة العربية المشتركة المقدّر لها الانقسام على نفسها والتشرذُم، وهي التي ضمّت في الانتخابات السابقة أحزاب فلسطينيي أراضي عام 48 (أربعة أحزاب)، فينخُرها الخلاف وضحالة مكانتها وحضورها لدى شريحة ناخبيها الطبيعيين، الأمر الذي يؤدّي إلى تراجُع استحقاقها الانتخابي المقدّر من 15 مقعداً، إلى أقل من عشرة مقاعد.
ويُتوقع، حتى يوم الخميس، الموعد الأخير لإمكان اتحاد أو تكتّل أحزابٍ لخوض العملية الانتخابية، أن يعمد عدد من الأحزاب المُتوقّع أن لا تتخطّى العتبة الانتخابية، إلى المشاركة في ما بينها، أو إلى الاندماج مع أحزاب كبيرة، الأمر الذي سيسفر عن قوائم بأسماء جديدة، لا يمكن الحسم من الآن بشأن قدرتها على تجاوز نسبة الحسم، أو مكانتها وتأثيرها لاحقاً إن نجحت في دخول الكنيست.
قبل ثلاثين يوماً على موعد الانتخابات الإسرائيلية، من الواضح أنّ النتائج المقدّرة كما تظهر الآن، ستمكِّن نتنياهو من تولّي مهمّة تكليف الحكومة المقبلة، التي يقدَّر أيضاً أن ينجح في تجاوز صعاب تشكيلها، مع تنازلاتٍ ولعبٍ والتفافٍ على المصالح بين الأطراف المتنازعة في ما بينها. وهو سيسعى إلى تشكيل ائتلاف كبير ما أمكنه ذلك، لمنع أيٍّ من مكوّناتها لاحقاً، من ابتزازه سياسياً. الحكومة ستكون أكثر استقراراً من الحكومة الحالية، من دون تغيير جدّي وملموس في توجّهاتها وسياساتها، مع إمكان أن يتحصّن نتنياهو خلفها لتجاوز ملفّاته القضائية والالتفاف عليها.