مقالات مرتبطة
لم يكن سرّاً أن قيادة الجيش الأميركي تُعارض عملية عسكرية واسعة النطاق ضدّ إيران
لم يكن سرّاً أن قيادة الجيش الأميركي تُعارض عملية عسكرية واسعة النطاق ضدّ إيران، تتدحرج نحو حرب كبرى جديدة، بعد تلك التي «اكتوى بنارها» في أفغانستان والعراق، والتي لا تقلّ تداعياتها الاستراتيجية على الموقع الدولي للولايات المتحدة عن أكلافهما البشرية والمادية الباهظة. وفّرت «الحرب على الإرهاب» وغرق الجيش الأميركي المديد في «وحلها» فرصةً استراتيجية هائلة للصين وروسيا، في الآن نفسه، لتسريع تحوّلهما إلى قوّتَين دوليتَين منافستَين لأميركا. وقد عكست استراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع الوطني الصادرتان عن إدارة ترامب في بداية عام 2018، واللتان كان لوزير الدفاع الأسبق، جيمس ماتيس، دور أساسي في صياغتهما، قناعة القيادة العسكرية الأميركية بضرورة منح الأولوية لمواجهة «المنافسين الدوليين»، على حساب التصدي لـ«الإرهاب» أو لطموحات قوى إقليمية متوسّطة. أيُّ حرب مع إيران تعني التورّط في نزاع إقليمي يصعب التنبّؤ بأثمانه ومفاعيله، وفتح نافذة فرص جديدة للمنافسين الدوليين لتعزيز وتوسيع دوائر نفوذهم. لكن الجديد الذي تضمّنه مقال «نيويورك تايمز» هو انضمام الثنائي بنس - بومبيو إلى المحذّرين من مغبّة حرب مع إيران. البعد الأيديولوجي - لا الانتخابي - هو الذي يطغى على أجندة الرجلَين، كما اتضح من سلسلة المواقف التي اتخذاها والسياسات التي حضّا ترامب على اعتمادها، وتحديداً ضدّ الجمهورية الإسلامية، طوال فترة رئاسته. هل تغيّرت قناعاتهما بفعل حوارات معمّقة مع القيادة العسكرية الأميركية عمّا سيترتّب من أكلاف عن مثل هذه الحرب، وعن قدرة المنافسين الدوليين على استغلالها لتحقيق المزيد من أهدافهم؟ هذا هو التفسير المحتمل للانقلاب اللافت في موقفهما، في ظلّ إجماع كامل ومؤكّد في أوساط النخب الأميركية على اعتبار التصدّي للصعود الصيني أولوية الأولويات. لم تكن هذه الأولوية غائبة عن ذهن بومبيو مثلاً، نظراً إلى التصريحات والآراء التي أدلى بها كوزير خارجية، وبينها دعوته الشعب الصيني إلى إسقاط نظامه «الشيوعي»، ولكنه برز كأحد أقطاب المجموعة المحرِّضة على «التعامل» مع التحدّي الإيراني بقسوة وبقوّة قبل التفرّغ تماماً للمعركة مع الصين. بكلام آخر، الحؤول دون تمكّن إيران وحلفائها من تعبئة الفراغ - أو قسم منه -، الناجم عن الانسحاب الأميركي الجزئي من الشرق الأوسط. تحالف إسرائيل مع بعض أنظمة الخليج تحت مسمّى «التطبيع» بإشراف أميركي كان في مقدّمة غاياته المعلَنة التصدّي لدور إيران الإقليمي. غير أن الشقّ الآخر من هذا التصدي، وهو الحدّ من تعاظم قدراتها العسكرية والصاروخية، هو ما عجزت الإدارة الأميركية عن وضعه قيد التنفيذ على رغم «ضغوطها القصوى» و«حربها الهجينة». جاهر مستشار الأمن القومي السابق، وأحد الناطقين الرسميين باسم التيار الأيديولوجي - العقائدي في الإدارة، جون بولتون، في جميع المناسبات المتاحة، بضرورة «قصف إيران» لحسم الصراع معها، ولم يكن بومبيو بعيداً عن هذا التوجه. إذا صحّت معلومات الصحيفة الأميركية، فقد تراجع الأخير عن هذا الرأي، ربما خشية أن يُتّهم، ومَن معه، من قِبَل بقية قطاعات النخبة الأميركية والرأي العام، بتوريط بلاده في كارثة جديدة أفادت أعداءها الأخطر. أما ترامب، الذي لم يتبع توصيات مستشاريه بصدام مباشر ومفتوح مع إيران لاعتبارات انتخابية قبل أيّ حسابات أخرى في خلال رئاسته، فإن حقده عليها لعدم قبولها «صفقة» معه، إضافة إلى قلّة خبرته الأسطورية، يفسّران، على أغلب الظن، تصوّره بإمكان استهداف منشآت نووية في إيران، دون ردٍّ مزلزل من قِبَلها. ما يَحكم سلوكه راهناً هو «ترك بصمته» على الوضع الدولي قبل الخروج من البيت الأبيض، وتعقيد مهمّات الإدارة المقبلة قدر المستطاع.
لا يريد أن يسجّل التاريخ أنه انسحب من الشرق الأوسط وأخلى المجال لتمدّد نفوذ إيران وحلفائها، كما قال الكثيرون عن جورج بوش الابن وحربه على العراق الذي قدّمه «على طبق من فضة» لها، وفقاً لتعبيرهم. وبما أن المعاونين، وبينهم الأشدّ تطرفاً، ينهون عن ضربة كبرى تفضي إلى الحرب، يصبح المتاح، ربّما، هو التعويض بضربات موضعية، ولكن مؤلمة لعدم تظهير عودة الغزاة الأميركيين إلى ديارهم على أنها هزيمة. إن كان من المبكر معرفة كيفية تعاطي أطراف محور المقاومة مع مثل هذه الضربات - إن حصلت -، يبقى أن التاريخ سيسجّل أن أكثر الإدارات الأميركية جنوناً وغطرسة لم تستطع وقف تعزيز قدراته العسكرية والصاروخية، لبّ المواجهة المتصاعدة معه في السنوات الماضية.
«البنتاغون»: سنغادر غرب آسيا بحلول أيار
أعلن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، روبرت أوبراين، أمس، أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، يأمل عودة جميع القوّات الأميركية من أفغانستان والعراق بحلول أيار/ مايو المقبل. إعلانٌ أثار حفيظة الديموقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي، إذ رفض هؤلاء «الانسحاب الفوضوي» من غرب آسيا، كونه «سيعرِّض القوات المتبقّية في البلدين للخطر».
تصريح أوبراين للصحافيين جاء بعدما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، «البنتاغون»، تقليص عديد القوّات في كلٍّ مِن أفغانستان والعراق إلى 2500، بحلول 15 كانون الثاني/ يناير 2021، أي قبل خمسة أيام من مغادرة ترامب منصبه، ما يسلّط الضوء على إمكانية اتخاذ الرئيس الأميركي قرارات خارجية مؤثِّرة ستُفرض على الإدارة المقبلة. وذكر وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، كريستوفر ميلر، أنّه أبلغ الكونغرس بهذا القرار، كما أجرى اتصالات بالقيادات في بغداد وكابول لإبلاغهم بالقرار. في الإطار نفسه، نقلت وكالة «رويترز» للأنباء، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن ترامب قد يتّجه أيضاً إلى سحب جميع القوات الأميركية من الصومال، ضمن خطّة تقليص الحضور العسكري للولايات المتحدة في الخارج.
(الأخبار)
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا