طهران | يتحضّر العديد من الشخصيات لخوض غمار الانتخابات الرئاسية الإيرانية، المقرّر إجراؤها في 18 حزيران/ يونيو 2021. انتخاباتٌ تكتسب أهمية خاصّة، نظراً إلى الظروف التي تمرّ بها البلاد والمنطقة عموماً. وبينما لا تزال الأسماء المطروحة للترشّح غير محسومة، إلّا أن ما رَشَح من معلومات ومعطيات يفيد باستعداد بعض الشخصيات العسكرية، من ضمنها مساعد قائد «فيلق القدس»، رستم قاسمي، لخوض المنافسة، في وقت أدّى فيه الاستياء العام من أداء حكومة الرئيس حسن روحاني إلى ارتفاع حظوظ معارضي نهجه. ففي عهد روحاني، شهدت العملة الوطنية تراجعاً قياسياً، بينما ازداد سعر صرف الدولار أمام الريال إلى أكثر من ألف في المئة. كذلك، كان للتضخّم والبطالة، وكيفية مواجهة فيروس «كورونا»، دورٌ في زيادة الامتعاض من أداء حكومته، فضلاً عن أن عرقلة تنفيذ الاتفاق النووي، الذي كان بمنزلة الورقة الرابحة لروحاني، قد زعزعت موقعه بالنسبة إلى الشعب، والدولة ككل.ومن هذا المنطلق، ساهمت الضغوط الاقتصادية والسياسية والأمنية الأميركية، خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد اغتيال الفريق قاسم سليماني، في تنامي الرغبة بالإتيان بحكومة قوية. وتأسيساً على هذه الرغبة، عقدت شخصيات، غالبيّتها من المقرّبين من الحرس الثوري، عزمها على الترشّح للرئاسة، كما قامت بتفعيل لجانها الانتخابية. ومن الأسماء المتداولة، حسين دهقان، مستشار المرشد لشؤون الصناعات العسكرية، والذي تولّى حقيبة الدفاع في حكومة روحاني الأولى. وفي حين يسعى دهقان إلى الظهور بمظهر الوجه الوطني العابر للفئوية، فهو لا يحظى بدعم يُذكر من قِبَل المستويات العليا في الحرس الثوري. والسبب وراء ذلك هو أن بعض أفراد الحرس يرون أنه مقرّب من الراحل هاشمي رفسنجاني، وروحاني، وبالتالي، من المستبعد أن يكسب دعماً كبيراً.
من الأسماء المتداولة أيضاً للترشّح للرئاسة، حسين دهقان ومحمد باقر قاليباف


محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، الذي كان قد تولّى لسنوات منصب قائد قوى الأمن الداخلي وقائد سلاح الجو في الحرس الثوري، يعدّ، أيضاً، من العسكريين الذين يطمحون إلى خوض غمار الانتخابات. وقد زار، خلال الأيام الماضية، مناطق مختلفة في إيران، ولا سيما أنه يسعى إلى الظهور بمظهر الشخص النشط، الذي يتمتّع بقاعدة جماهيرية. وعلى الرغم من أن قاليباف قام بهذه الزيارات في إطار «الإشراف الميداني» لرئيس البرلمان، إلّا أن البعض يذهب إلى القول إن الرجل يريد إبراز ثقله السياسي، عسى أن يكسب هذه المرّة مقعد الرئاسة، بعد جولات عدّة من الإخفاق، خاض آخرها خلال الانتخابات الرئاسية السابقة. لكن بناءً على معلومات «الأخبار» من مصادر مطّلعة، يبدو أن ثمّة تردّداً كبيراً لدى دوائر صنع القرار في دعمه، خصوصاً لدى الحرس الثوري. وفي هذا السياق، يشير البعض إلى أن قاليباف لم يستطع بعد إثبات قدراته في موقع رئيس البرلمان، على الرغم من أنه تبوّأه بعد فترة من العزلة السياسية. وتتمثّل إحدى العقبات الجدّية في طريق قاليباف إلى رئاسة الجمهورية، في ملفّ فساد عيسى شريفي، مساعده إبّان تولّيه أمانة العاصمة، والذي لا يزال مفتوحاً إلى الآن، مع ما يحمله من تداعيات على قاليباف نفسه. وقبل أيام، أُلقي القبض على محمد علي بور مختار، رئيس «لجنة المادة 90» (الإشراف) في البرلمان بدورته السابقة، فيما يُقال إن السبب وراء هذا الاعتقال يعود إلى حؤول مختاري دون تداول موضوع التحقيق في شأن أمانة العاصمة خلال عهد قاليباف.
وعلى الرغم من أن معظم الأنظار كانت متّجهة، خلال الأيام الأخيرة، إلى تحرّكات العميد دهقان وقاليباف ونشاطاتهما، إلّا أن مصادر مطّلعة قريبة من الحرس الثوري كشفت، لـ«الأخبار»، عن خيار آخر، يُعتبر أكثر أهمية وجدّية بالنسبة إلى دوائر صنع القرار، وهو العميد رستم قاسمي. يُعدّ هذا الأخير من الشخصيات الرئيسة وصاحبة النفوذ في «فيلق القدس»، كما أنه مساعد العميد إسماعيل قاآني، القائد الحالي للفيلق، بعدما كان مساعداً للفريق سليماني سابقاً. قاسمي تسلّم، أيضاً، في حكومة أحمدي نجاد، حقيبة النفط، كما ترأّس، لسنوات عدّة، «مقرّ خاتم الأنبياء للبناء»، التابع للحرس الثوري، والذي فرضت واشنطن عليه عقوبات. وبحسب مصادر «الأخبار»، فقد كان قاسمي ضليعاً في الملفّات الدبلوماسية في المنطقة، بما فيها المشاورات مع الإماراتيين للانسحاب من اليمن، والمحادثات مع القطريين في شأن القضايا الأمنية في فترة ما بعد اغتيال سليماني، إضافة إلى المحادثات مع العُمانيين حول تبادل بعض الرسائل الإقليمية، وهو ما أسهم في أن تكون لجميع العواصم العربية معرفة تامّة به. وأشارت المصادر إلى أن قاسمي يتمتّع بدعم واسع من المستويات العليا في الحرس الثوري، كما أن ثمّة ثقة كبيرة به. ونظراً إلى موقعه في «فيلق القدس»، فإن وجوده في موقع رئاسة الجمهورية يمكن أن يبعث برسالة إلى الولايات المتحدة، مفادها أن اغتيال سليماني لم يؤثّر على توجّهات إيران العامة. وفيما شكّل قاسمي لجنته الانتخابية بعيداً من الإعلام، أبلغت المصادر «الأخبار» أن الرجل سافر الأسبوع الماضي إلى قم، حيث التقى المراجع الدينيين، ووضعهم في صورة قراره. وقال إنه يريد تشكيل «حكومة عمل»، والإفادة من جميع الطاقات لتحسين ظروف البلاد.
في الخلاصة، يمكن القول إن ترشّح العسكريين للانتخابات الرئاسية، بِمَن فيهم مساعد قائد «فيلق القدس»، يمكن أن يُعدّ مؤشّراً على الرغبة في أن تتولّى الحكومةَ شخصية مقرّبة من الخطاب الثوري ومن المقاومة، وحائزة البراعة والسرعة اللازمتين لمعالجة المشاكل الداخلية، إضافة إلى امتلاكها القدرة على مواجهة الضغوط الأميركية، ما يعني أنه في حال كان هناك قرار بالذهاب إلى المحادثات، فسيُنجَز ذلك في ظلّ السند الأمني والعسكري، وبخطاب مختلف عن خطاب حكومة روحاني.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا