لا تزال الإدارة الأميركية مصرّة على إنجاح اتفاقها الموقَّع مع حركة «طالبان»، وفق جدول أعمال وضع موضع التنفيذ في العاصمة القطريّة الدوحة نهاية شباط/فبراير الماضي. ورغم نجاح الاتفاق نظرياً، لم يكن سهلاً تطبيق بنوده في الواقع، خصوصاً في ظلّ مقاومة أبدتها سلطات كابول لجهة التعاون في التطبيق، بعدما جرى استبعادها من المشاورات التي تواصلت على مدى عام ونصف. هدَفَ الاتفاق، أولاً وأخيراً، إلى انسحاب قوات الاحتلال من أفغانستان، وهي رغبة أبداها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووضعها ضمن أهداف حملته لرئاسيات 2016. التقت «طالبان» وترامب على هدف مشترك، وإن بعنوانه العريض. لكن التعقيدات الكثيرة، مضافةً إليها أزمة سياسية قديمة ــ جديدة، بطلاها الرئيس الأفغاني أشرف غني وخصمه اللدود عبد الله عبد الله، والعراقيل التي وضعتها كابول لتطيير المفاوضات الداخلية برفضها تطبيق تبادل الأسرى، حالت كلها دون التئام طاولة المفاوضات، وهدّدت عملية السلام برمّتها، لولا تدخُّل البيت الأبيض في اللحظة الحرجة، سعياً منه للحفاظ على إنجازه الأهم في السياسة الخارجية.شهدت نهاية الأسبوع الماضي توقيع الاتفاق الثاني لتقاسم السلطة بين غني وعبد الله. اتفاق أنهى خلافاً مستمراً منذ إعلان الرئيس الأفغاني فوزه بولاية ثانية في انتخابات جرت نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، وأعلنت نتائجها في شباط/فبراير. رفض عبد الله، الذي شغل منصب «رئيس السلطة التنفيذية» بموجب اتفاق سابق لتقاسم السلطة، النتيجة، معلناً إنشاء سلطة موازية برئاسته، الأمر الذي أضعف إدارة غني، في وقت تحاول فيه واشنطن دفع عملية السلام مع «طالبان»، وإنهاء حربها المستمرة منذ 19 عاماً. السيناريو المُكرَّر أدخل البلاد في أزمة مستجدّة، في انتظار تدخُّل أميركي ينقذ الموقف. وبالفعل، أوفد الأميركيون وزير الخارجية، مايك بومبيو، إلى كابول، نهاية آذار/مارس الماضي للوساطة، مهدّدين بقطع مساعدات مالية حجمها مليار دولار في حالة إخفاق الخصمين في الاتفاق.
استأنفت «طالبان» هجماتها عقب إعلان غني الانتقال إلى حالة الهجوم


هكذا، أثمرت الضغوط الأميركية اتفاقاً جديداً يحلّ النزاع على رئاسة البلاد؛ وبموجبه، يتولى عبد الله، منافس غني في الانتخابات الرئاسية السابقة، منصب رئيس «المجلس الاستشاري الأعلى للمصالحة» الذي يضمّ وجوهاً سياسية وقبلية وعلماء دين، بينما ستكون وزارة شؤون المصالحة بمكانة الأمانة العامة للمجلس الأعلى للمصالحة، وتعيين المسؤولين فيها وعزلهم من صلاحيات عبد الله. وأفاد المتحدث باسم الأخير، فرايدون خاوزن، بأن الاتفاق يضمن حصول فريقه على 50% من المناصب في الحكومة المقبلة وحكّام الولايات. ووفق ثلاثة مصادر نقلت عنهم وكالة «رويترز»، فإن النقاش على النقاط النهائية العالقة، بما في ذلك تخصيص بعض المناصب الرئيسية، استمر حتى توقيع الاتفاق أول من أمس في القصر الرئاسي في كابول، إذ سعى عبد الله إلى الحصول على حقيبة أساسية، مثل المالية أو الشؤون الخارجية، لكن غني رفض، عارضاً عليه الداخلية.
يتجاوز الاتفاق واحدة من العقبات في طريق التفاوض مع «طالبان» التي حذّرت أمس من أن إعادة إطلاق المحادثات غير ممكنة قبل استكمال تبادل أسرى كان مجزّأً حتى الآن. وقال المتحدث باسم الحركة، سهيل شاهين، في أوّل ردّ فعل على اتفاق غني وعبد الله: «ما يحدث في كابول هو مجرّد تكرار لتجارب ماضية فاشلة»، معتبراً أن «على الأطراف الأفغانيين التركيز على حلّ حقيقي وصادق للمسألة... يجب استكمال إطلاق سراح السجناء وأن تبدأ المفاوضات بين الأفغان». وبعدما رحّبت كل من باكستان و«حلف شمال الأطلسي» بالاتفاق، أعربت الولايات المتحدة عن أملها في أن تمضي هذه المحادثات قدماً بعد الاختراق السياسي الحكومي. وقال بومبيو متوجهاً إلى غني وعبد الله: «أولوية الولايات المتحدة لا تزال التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء النزاع»، كما نقلت عنه المتحدثة باسمه مورغان أورتيغاس.
إلى ذلك، أعلنت «طالبان» مسؤوليتها عن هجوم استهدف موقعاً تابعاً لوكالة الاستخبارات الأفغانية أمس، أدّى إلى مقتل سبعة عناصر بعدما فجّر انتحاري نفسه بسيارة ملغومة في ولاية غزنة شرق البلاد، كما أفاد المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد. هجومٌ هو الثاني مِن نوعه في غضون أسبوع، إذ سبقه آخر في الرابع عشر من الشهر الجاري، واستهدف قوات الجيش في مدينة كرديز بإقليم بكتيا (جنوب) موقعاً خمسة قتلى. واستأنفت الحركة هجماتها الانتحارية عقب إعلان غني خروج القوات الأفغانية من حالة الدفاع إلى الهجوم الأسبوع الماضي، رداً على هجومين داميين استهدف أحدهما مستشفى توليد في كابول، بينما استهدف الآخر جنازة في إقليم ننغرهار (شرق)، رغم نفي «طالبان» ضلوعها فيهما.