الحسكة | تأتي التحركات العسكرية الأخيرة لكل من روسيا والولايات المتحدة، في سوريا، ضمن سباق لتثبيت النفوذ، ولا سيما في محافظتي الحسكة ودير الزور بسوريا، والهدف العملي هو تعزيز حضورهما في تلك المناطق. وربما أدّى مقتل ضابط أميركي على يد مجموعة «مجهولة» الانتماء يُعتقد أنها من تنظيم «داعش»، في ريف دير الزور الشمالي، الأسبوع الماضي، إلى تسريع الجهود الأميركية لتعزيز الوجود العسكري في ريفَي دير الزور الشمالي والشرقي حتى ريف الحسكة الجنوبي، وصولاً إلى الحدود العراقية، تحت عنوان مواجهة النشاط المتنامي لخلايا «داعش» هناك.النية الأميركية تأكدت مع إبلاغ «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) أن واشنطن ترغب في إعادة تطويع المئات من عناصر الأولى الذين أُنهي التعاقد معهم العام الفائت، بعد قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب الجزئي. وتركّز الطلب الجديد على العناصر الذين سبق أن دربهم الجنود الأميركيون في الرقّة ومنبج وعين العرب، لإعادة تجنيدهم برواتب مغرية، ليكونوا قوة محلية رديفة لـ«التحالف» الدولي في مناطق انتشاره في الحسكة ودير الزور. كما ظهر الحرص الأميركي على توسيع الحضور العسكري بالاستمرار في إرسال دفعات جديدة من الأسلحة والمعدّات إلى قواعد «التحالف» في ريفَي المدينتين، وآخرها دخول 36 شاحنة نهاية الأسبوع الماضي إلى قاعدة «الشدادي»، في ريف الحسكة الجنوبي.
وعلمت «الأخبار» من مصادر ميدانية، مقرّبة من «قسد»، أن «التحالف يعمل على تعزيز حضوره عبر دعم قواعده بالأسلحة والمعدات»، كما أن «واشنطن تبحث عن نقاط جديدة في أرياف الحسكة ودير الزور، وبالقرب من الحدود العراقية، لتثبيت نقاط جديدة تكون خطوط دفاع عن القواعد الأساسية في حقلَي العمر وكونيكو ومعمل غاز الجبسة». وتضيف المصادر إن «دعوة عناصر قسد المدرّبين تأتي للاعتماد عليهم كقوة حماية للنقاط الجديدة، مع استخدامهم كقوات دهم لأي منطقة يُشكّ في أنها تحوي خلايا لداعش».
أفاد ضباط روس بأنهم يعملون على إنشاء نقطة مشتركة مع الأميركيين


على صعيد موازٍ، تشهد الحسكة نشاطاً روسياً عسكرياً لافتاً يهدف إلى تعزيز الوجود بتثبيت مزيد من القوات والعتاد لدعم القاعدة العسكرية الروسية بالقرب من مطار القامشلي، لتكون الثانية كبراً بعد «حميميم». كما دُفع بتعزيزات تضم جنوداً وآليات وأسلحة ومعدات إلى نقطة المراقبة في محطّة الأبقار في بلدة تل تمر. ورغم المضايقات الأميركية المتكرّرة، والتضييق على الدوريات الروسية، تواصل موسكو استقدام تعزيزات على نحو شبه أسبوعي، في ما يعكس إصرارها على توسيع حضورها في الحسكة وأيضاً الرقة. ويُثبت ذلك بدء التحضيرات لتثبيت نقاط مراقبة جديدة في أربعة مواقع مختلفة في بلدتَي تل تمر (قريتي أم الكيف والعبوش) وأبو رأسين (قرية أم حرملة)، بالتوازي مع اجتماعات يعقدها ضباط روس مع وجهاء العشائر في تل تمر والقامشلي، واحد منها عُقد مع شخصيات عشائرية في محطّة أبقار تل تمر، وآخر في منزل إحدى الشخصيات البارزة في قرية جرمز بريف القامشلي. وتُفسّر هذه الاجتماعات على أنها محاولة لتنسيق النشاطات مع المجتمع، ولكسب ورقة العشائر المهمة، في ظل النشاط الأميركي المتواصل لنيل رضى العشائر وتعاونها.
إلى جانب الاجتماعين، عُقد في بلدة تل تمر اجتماع موسع لضبّاط روس مع قادة الوحدات العسكرية في الجيش السوري المنتشرين هناك، مع حضور ممثلين عن «قسد»، بهدف ضبط الوضع الميداني في تل تمر وأبو رأسين، بعد تصاعد الاشتباكات بين القوات التركية والفصائل المدعومة منها، وبين الجيش السوري و«قسد». وعلمت «الأخبار» من مصدر مطلع أن الروس أبلغوا الجيش والأكراد نيتهم تثبيت نقاط مراقبة جديدة في الريف، كما شرحوا أنهم يعملون على إنشاء نقطة مشتركة مع القوات الأميركية في المطار الزراعي القديم في قرية أم عشبة بريف رأس العين. وذكر المصدر أن «الهدف من ذلك وفق الروس إنهاء معاناة السكان مع قذائف الهاون التي تطلقها الفصائل التابعة لأنقرة، التي تسبّبت في تعطيل خدمات المياه والكهرباء... الأطراف الحاضرة اتفقت على خطة انتشار جديدة تنزع الذرائع التركية، وتمنعها عن المزيد من الانتهاك لاتفاق سوتشي».
وتشهد أرياف تلّ تمر وأبو رأسين صراعاً تركياً ــــ كردياً أدّى إلى ارتفاع وتيرة القصف والاستهدافات، وإلى قطع متبادل ومتكرر للمياه والكهرباء خلال الشهرين الجاري والسابق. وتتهم أنقرة الأكراد باستفزاز جنودها عبر القصف المتكرر لنقاط المراقبة هناك، مع إرسال سيارات ملغومة إلى مناطق نفوذها وآخرها سيارة انفجرت على حاجز في بلدة مبروكة بريف رأس العين. في المقابل، ينفي الأكراد هذه الاتهامات، قائلين إن الخروق تأتي دائماً من الطرف التركي، ومؤكدين أن حجم التعزيزات التركية «تظهر نية لتوسيع العمليات العسكرية في المنطقة». وسط هذه الاتهامات، يتواصل الجهد الروسي لضبط الميدان عبر تفاهمات جديدة مع الأتراك، بدأت ملامحها بالإعلان أمس تسييرَ دوريات مشتركة في مدينة الدرباسية وبلدة أبو رأسين، بريف الحسكة الشمالي.