كان يفترض أن تطلق وزارة المال، أمس، استدراج عروض لتعيين المستشارَين المالي والقانوني، إلا أنه جرى تأجيل هذه الخطوة إلى اليوم. وعلمت «الأخبار» أنه ستتمّ دعوة 8 شركات للتنافس على تقديم المشورة المالية للوزارة بشأن مسألة التوقف عن سداد الدين، وهي: روتشايلد، غوغنهايم، سيتي بنك، لازار، جي أس أي، ج بي مورغان، بي جي تي، موليس. واحدة من بين هذه الشركات ستكون المستشار المالي للدولة اللبنانية، وستكون مهمتها الأساسية إعداد التقارير عن آليات عمل التوقف عن السداد والسيناريوات المفترضة للتفاوض مع الدائنين وكلفة كل سيناريو، سواء كان عملية إعادة هيكلة للديون ونسبة الاقتطاع منها، أو إعادة جدولة الديون لتسديدها على فترات أطول ونسبة الفائدة عليها، أو كليهما معاً، والأثر الناتج من هذا الأمر على الخزينة اللبنانية والدائنين، والأكلاف المترتّبة على كل سيناريو.كذلك، علم أن وزارة المال ستوجّه دعوات إلى ثلاثة مكاتب قانونية دولية لتختار من بينها مكتباً واحداً لديه الخبرة في مجال العمل على التوقف عن السداد والمسار القانوني الذي سيسلكه التفاوض مع الدائنين وخطّة الدولة في التفاوض، استناداً إلى موجبات القانون الدولي وعقود سندات اليوروبوندز والاحتمالات التي ستواجه الدولة اللبنانية في حال تمكّنت لجنة التفاوض باسم الدولة اللبنانية أو لم تتمكن من جمع النسبة المطلوبة من عدد الدائنين للقيام بعملية إعادة هيكلة أو إعادة جدولة للسندات أو لكل شريحة من السندات، علماً بأن بنود عقود اليوروبوندز تتضمن تنازلاً من الدولة اللبنانية عن حقوق التقاضي المحلية لمصلحة التقاضي في محاكم نيويورك. والهدف الأساسي من وجود المستشار القانوني أن يتمكن من حماية أصول مصرف لبنان من الحجز، سواء كانت ذهباً أو شركات مملوكة منه في إطار ما يعرف بأنه «حصانة سيادية».
والمكاتب القانونية الثلاثة هي: ديكيرت، كليري غوتليب ووايت إن كايس.
وفي السياق نفسه، يتوقع أن يصل إلى بيروت ممثل صندوق «أشمور» وأن يعقد لقاءات مع المسؤولين في لبنان، إلا أن وصوله إلى لبنان في هذا التوقيت بالذات يعدّ مستغرباً نظراً إلى حساسية الأوضاع بعد تداول أخبار عن رغبة الدولة اللبنانية في التوقف عن السداد، ولكونه يحمل 25% من استحقاقات السندات الثلاثة في عام 2020، وأكبرها في آذار المقبل وقيمته الإجمالية 1.2 مليار دولار. وجرى تداول معلومات عن أن المالك الأساسي في صندوق أشمور، أعرب عن رغبته في عدم الدخول في معارك قضائية بوجه الدولة اللبنانية، لكن مثل هذه الأخبار ليست أكيدة بل تبقى رهن ما سيقوله اليوم.
كذلك، يصل إلى بيروت مساء اليوم وفد صندوق النقد الدولي لتقديم المساعدة التقنية بناءً على طلب لبنان. يبدأ وفد الصندوق لقاءاته مع وزير المال الذي دعا مجموعة من المستشارين إلى جانب عاملَين سابقَين في صندوق النقد، هما: مروان مخايل الذي كان يعمل في بلوم بنك، ورئيس مجلس إدارة إيدال مازن سويد. هذا الأخير اعتذر عن عدم الحضور نظراً إلى «ارتباطاته المسبقة» في اجتماعات في فرنسا.
رياض سلامة مستمر بعدم التعاون مع رئيس الحكومة


وتشير المعلومات إلى أن الاتفاق على تعيين المستشار المالي جاء في الاجتماع الصباحي الذي عقد في السرايا الحكومية، إلا أن الاجتماع الثاني، الذي عقد بحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كان متصلاً بأمر أساسي: كيف نوقف المصارف اللبنانية عن بيع السندات للخارج؟ بحسب المعطيات، لم يكن الحاكم سلامة متعاوناً، بل كان مصرّاً على أن التوقف عن السداد أمر غير صائب، مهوّلاً، كما سبق أن فعل في اجتماعات سابقة، بأن التوقف عن السداد لن يحمي أصول مصرف لبنان من الحجز والمعارك القضائية، لكنه اصطدم برغبة رئيس الحكومة السير بهذا الأمر. وعندما طلب منه استقصاء المصارف التي باعت السندات للخارج، أجاب بشكل حيادي تام بأنه سيعمل على الأمر ويأمل أن تتعاون المصارف معه، وبدا كأنه لا يملك أي سلطة على المصارف التي سخا عليها بالأرباح المموّلة من المال العام طوال عقدين ونصف عقد من الزمن. وقد طلبت وزيرة العدل أمس من المدعي العام التمييزي مراسلة هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، من أجل معرفة المصارف التي باعت سنداتها إلى جهات أجنبية.
وكانت الحكومة قد شكّلت لجنتين لمتابعة الملف المالي، إحداهما لجنة وزارية والثانية لجنة خبراء تضم مندوبين عن المؤسسات والرئاسات والوزارات المعنية. وبحسب مصادر مطلعة، لم تقدّم اللجنتان أي مقترحات محدّدة بشأن معالجة قضية الديون المستحقة على لبنان، ولم تقدّم إجابات بشأن طلبات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ما خصّ طلبه الحصول على الصلاحيات الاستثنائية، علماً بأن اللجنة الوزارية تنتظر مقترحات لجنة الخبراء، فيما هذه الأخيرة لا تزال تناقش الأمور التقنية والاستعدادات لإطلاق العملية ونتائج التحليل المالي للدين الذي سيقدّمه صندوق النقد الدولي، وتقارير المستشارين المالي والقانوني.

وُجِّهَت دعوات إلى ثماني مؤسّسات ماليّة دوليّة متخصّصة في إعادة الهيكلة وثلاثة مكاتب محاماة دوليّة


وكانت لجنة الخبراء قد اجتمعت مع مندوبي مؤسّسة ماليّة دوليّة (حضر خمسة خبراء من أميركا والصين وأوروبا ولبنان)، وطلبت المؤسسة تزويدها بمعلومات تفصيلية من مصرف لبنان حتى يكون النقاش علمياً وواضحاً. لكن مندوب حاكم مصرف لبنان في الاجتماع قال إنه مستعدّ لمناقشة الأرقام في اجتماع منفصل مع مندوبي المؤسسة الدولية من دون حضور لجنة الخبراء، ما أثار استغراب إحدى أعضاء الفريق الدولي التي قالت: إنها المرة الأولى التي نسمع فيها بأن مصرفاً مركزياً يعرض المعلومات على جهة أجنبية ولا يعرضها على لجنة حكومية رسمية.
وتبيّن أيضاً أن سلامة لا يزال يرفض حتى اللحظة تزويد رئاسة الحكومة أو اللجنة الوزارية بالأرقام التفصيلية التي تتضمن جردة موجودات المصرف، لتضاف إلى الأرقام المحصّلة من وزارة المال. وتبرر جهات مصرفية رفض مصرف لبنان تقديم المعطيات للحكومة، مدّعية بأن هدف الأخيرة استعمال أموال مصرف لبنان لتلبية حاجاتها، وأن هذه الأموال ليست ملك الدولة ولا ملك مصرف لبنان، بل تعود إلى المصارف والمودعين، لأن ديون المصارف على مصرف لبنان تصل إلى 70 مليار دولار، فضلاً عن أن مصرف لبنان لا يدفع للمصارف الأموال بالعملات الصعبة. لكن هذه الطروحات مشوبة بعيب أساسي، وهو أن المصارف أساءت في السابق استخدام أموال المودعين عندما أقرضت جهة واحدة، هي وزارة المال ومصرف لبنان كمية هائلة من الأموال وعلى فترات زمنية طويلة طمعاً بالأرباح الهائلة المنتجة من المال العام، وهي اليوم تمانع استعمال أموال المودعين رغم أنها تخلّفت عن سداد أموالهم.
ويتعزّز هذا الأمر بعدما تبيّن أن وزير المال سأل رئيس جمعية المصارف سليم صفير عن موجودات المصارف بالدولار (عملات طازجة)، إلا أن المصارف رفضت التعامل مع طلبه بإيجابية، معتبرة أنها أخطأت في السابق عندما أقرضت الدولة من خلال مصرف لبنان وأنها لا تريد معاودة الكرّة الآن!



هيركات على الفوائد من 1990 إلى اليوم
تلقّت رئاسات الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة مقترحات بخصوص معالجة ملف الدين تتضمن عرضاً بإعادة دراسة كل الحسابات المصرفية منذ عام 1990 إلى الآن، والعمل على احتساب كمية الأرباح المحقّقة من قبل أصحاب الودائع، على قاعدة اعتبار كل ربح ناجم عن فوائد تتجاوز الـ 4٪ (المعدّل العالمي) قابل للحسم مباشرة، من دون المساس بالربح المنطقي (4٪) ومن دون المساس بأصل رأس المال. ويعتقد أصحاب هذا الاقتراح بأن هذه العملية (قصّة خاصة للشعر) ستتيح تقليص حجم الدين العام بنسبة 40٪ على الأقل. كذلك تضمنت الأفكار عرض وضع الدولة يدها على ما نسبته 70٪ من الأملاك المبنية على الأملاك البحرية والنهرية خلافاً للقانون، وأن يصار إلى إعادة بيعها إلى الشاغلين، إذ تنتج هذه العملية ما يكفي لتمويل عملية بناء معامل الكهرباء وإنتاج شبكات التوزيع والنقل.
من جهة ثانية، لم تلتزم وزارات كثيرة بمذكّرة رئيس الحكومة لناحية ضبط الإنفاق، ويجري الحديث عن شكاوى موظفين من تعرّضهم لضغوط من قبل المديرين العامين لتوقيع قرارات تؤدي إلى صرف أموال ليست ضرورية في هذه الفترة.