كشفت الولايات المتحدة عن أول تفاصيل اتفاقها المزمع مع حركة «طالبان»، ومنها أنها ستسحب خمسة آلاف جندي أميركي من خمس قواعد في أفغانستان، شرط التزام الحركة ببنود الاتفاق. وبينما تضع «طالبان» الانسحاب شرطاً رئيسياً لأي اتفاق مُرتقب، فإن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان واضحاً حين أعلن الأسبوع الماضي أن بلاده ستحتفظ «بوجود دائم» عبر إبقاء 8600 جندي بدايةً، حتى بعد توقيع الاتفاق.في هذا السياق، أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، الذي أكمل جولة التفاوض التاسعة مع «طالبان» في الدوحة، قائلاً: «لقد اتفقنا على أنه إذا سارت الأمور وفقاً للاتفاق، فإن أول خمسة آلاف جندي أميركي سينسحبون خلال 135 يوماً من خمس قواعد نوجد فيها الآن»، طبقاً لمقتطفات من مقابلة أجرتها معه قناة «طلوع نيوز». وغداة إعلان خليل زاد أن واشنطن و«طالبان» «على عتبة» إبرام اتفاق لإنهاء عقود من الحرب الأميركية على أفغانستان، أكّد أن بلاده توصلت إلى اتفاق مع الحركة «من حيث المبدأ، لكن بالتأكيد لن يكون اتفاقاً نهائياً إلا حين يوافق عليه الرئيس (ترامب)».
بعد ساعات على إطلاع الرئيس الأفغاني، أشرف غني، على مسوّدة الاتفاق، أشار المبعوث الأميركي إلى أنه في إطار هذا الاتفاق ستشهد محافظتا كابول وباروان (حيث يقع مطار باغرام) انخفاضاً في العنف، مشدداً على أن عودة «إمارة إسلامية» بالقوة «أمرُ غير مقبول». كما نبّه إلى أن ترامب سيقرر «مستوى التمثيل» الذي سيجري بموجبه توقيع الاتفاق بين المسؤولين من الجانبين، وعلى أي مستوى.
يقضي الاتفاق بسحب 5 آلاف جندي أميركي من خمس قواعد


وكان كبير المفاوضين الأميركيين قد أجرى محادثات منفصلة مع قادة الحكومة الأفغانية، فيما قال المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية، صديق صديقي، إن الرئيس غني «اطّلع» على الاتفاق، وتمت مشاركة «التفاصيل الرئيسية» للوثيقة معه، مضيفاً: «الحكومة لديها تفاصيل الاتفاق. سنتشاور حول هذه الوثيقة وندرسها، وسنحاول صياغة ملاحظاتنا بناءً على مصالحنا الوطنية». وتابع صديقي: «ستفضي جهود الولايات المتحدة وحلفائنا إلى نتيجة عندما تدخل طالبان في مفاوضات مباشرة مع الحكومة، وعندما نشهد وقف إطلاق النار وإنهاء العنف».
رغم دخول المفاوضات مرحلتها النهائية، شنّت «طالبان» هجوماً من اتجاهات عديدة على مدينة قندوز (شمال)، السبت الماضي، تبعته عملية في مدينة بول ــــ إي ــــ خمري، عاصمة ولاية بغلان المجاورة أول من أمس. الهجوم على قندوز يبدو أنه يبعث برسالة إلى الحكومة الأفغانية خصوصاً، إذ تؤكد المعارك الأخيرة عزم الحركة على إبرام أي اتفاق من موضع القوّة. وفي حين أعلنت كابول إخفاق هجوم قندوز، أدت العملية إلى مقتل 81 شخصاً خلال اشتباكات دامت أكثر من 24 ساعة بين قوات الأمن والحركة، كما أفادت الداخلية الأفغانية. وبعدما أشار مسؤولون أفغان، أمس، إلى أن الوضع في المدينة عاد إلى طبيعته، فجّر انتحاري نفسه بالقرب من قاعدة لقوات الأمن في ضواحي قندوز، ما أدّى إلى مقتل ستة جنود وجرح 15 آخرين، في عملية أعلنت «طالبان» مسؤوليتها عنها.
إلى ذلك، توجّه وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى بروكسل لبحث اتفاق السلام المحتمل مع «طالبان»، وذلك مع الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي»، يانس ستولتنبرغ. وسيناقش بومبيو آخر مستجدات الوضع هناك مع ستولتنبرغ اليوم، غداة تقديم خليل زاد مسوّدة الاتفاق إلى كابول. وقال مسؤول في الحلف إنّ الطرفين سيناقشان «القضايا الأمنية الجارية والتحضيرات للقاءات المقبلة»، بما في ذلك قمة التحالف في لندن في كانون الأول/ديسمبر المقبل. وتابع: «نتوقع أن يبحثا أيضاً عملية السلام والبعثة التي يقودها الأطلسي في أفغانستان».



الـ«CIA» باقية بعد الانسحاب؟
أفاد مسؤولون أميركيون صحيفة «نيويورك تايمز» بأن بعض كبار مستشاري البيت الأبيض يسعون إلى تسويق اقتراحهم بتوسيع دور وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» في أفغانستان سراً، وذلك حين تبدأ القوات الأميركية الانسحاب من هذا البلد، كجزء من الاتفاق بين واشنطن و«طالبان».
وفي تقرير نُشر يوم أمس، أشارت الصحيفة إلى أن بعض مسؤولي إدارة دونالد ترامب اقترحوا أن تصبح الميليشيات الأفغانية المدعومة من قِبل الـ«سي آي إيه» جزءاً من قوة «مكافحة الإرهاب»، في الوقت الذي تستعد فيه القوات العسكرية الأميركية لمغادرة البلد. لكن بعض المسؤولين شكّكوا في قدرة هذه الميليشيات على أن تكون «حصناً» في مواجهة الإرهاب، من دون مؤازرة الجيش الأميركي. رداً على الاقتراح الآنف، أثارت مديرة الـ«سي آي إيه»، جينا هاسبل، مع مسؤولين آخرين في الإدارة مخاوف لوجستية في شأن الخطة، إذ أكدت أن عملاء الوكالة - الذين حشدوا الميليشيات لملاحقة مقاتلي «طالبان» و«القاعدة« و«داعش» - يعتمدون، إلى حدّ كبير، على الجيش، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالعمليات الجوية والمراقبة والدعم الطبي وفنيّي القنابل.
وفق المتحفظين على الاقتراح، فإن مجتمع الاستخبارات الأميركي لا يعتقد بأن وجود تنظيم «داعش» في أفغانستان يبرّر زيادة هائلة في الموارد بالنظر إلى الموازنات المحدودة، خصوصاً أن التنظيم لا يشكّل تهديداً مباشراً، على رغم هجماته المنتظمة ضدّ المدنيين الأفغان، وفق مسؤولي استخبارات تحدثوا إلى الصحيفة. ويعمّق الخلاف حول مستقبل الـ«سي آي إيه» في أفغانستان خطوط الصدع داخل الإدارة الأميركية بين الذين يريدون الانسحاب النهائي، وأولئك الذين يخشون تبعاته.
وقد تمثّل هذه «المشكلة» عقبة إضافية بينما يسعى المفاوضون الأميركيون و«طالبان» للتوصل إلى اتفاق ينهي أطول الحروب الأميركية. وكانت الحركة التي لا ترى فرقاً بين القوات العسكرية الأميركية وضباط الـ«سي آي إيه»، واضحة حين أصرّت في جولة التفاوض الأخيرة على ضرورة مغادرة الوكالة جنباً إلى جنب مع القوات العسكرية الأجنبية خلال الأشهر أو السنوات المقبلة.
ولا تُعدّ فكرة تعزيز دور الـ«سي آي إيه» في أفغانستان، توازياً مع خفض عديد العسكريين، جديدة. ففي عام 2014، عندما نَظرت إدارة باراك أوباما في سحب جميع القوات الأميركية من البلاد بحلول عام 2016، كان صناع السياسة في واشنطن يفكرون في استخدام الميليشيات التي ترعاها الوكالة كقوة أفغانية لمكافحة الإرهاب.