أكثر من أي وقت مضى، بدا ملف التوتر الإيراني ــــ الأميركي مفتوحاً على احتمال جنوح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو التهدئة والسير بمقترحات مبادرة نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما يعني إمكان اتفاق وشيك بين الطرفين، وذلك بعد وصول الحملة الأميركية والردود الإيرانية عليها، خلال الأسابيع الماضية، إلى مرحلة تصعيد اقتربت من خط اللاعودة ولامست الاحتكاكات الأمنية والعسكرية. سيناريو الاتفاق، بغضّ النظر عن معالمه وتخريجته التي من المبكر ظهورها بوضوح، تكشف جانباً من خلفية تحرّكات حلفاء واشنطن في الإقليم، وفي مقدمهم إسرائيل، القلقين من اتفاق لا يراعي مصالحهم، وهو ما يعني معرفة هؤلاء بخيار ترامب، أو تلمّسه قبل مدة قصيرة، وفي النتيجة جدّية الرجل في عقد صفقة مع طهران، بل استعجاله هذه الصفقة.وكان البارز في تحركات أمس، إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب، في ختام قمة مجموعة السبع، أنه «أمر واقعي توقّع عقد لقاء» مع نظيره الايراني حسن روحاني في الاسابيع المقبلة، وبعدما قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إن الظروف باتت مهيّأة للقاء بين الرجلين. عبّر ترامب عن اعتقاده بأن روحاني سيكون أيضاً مؤيداً لذلك، وأضاف «أعتقد أنه يريد اللقاء. أعتقد أن إيران تريد تسوية هذا الوضع». وقد رحبت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بهذه التطورات، ووصفت ما جرى بأنّه «خطوة كبرى إلى الأمام، والاجواء تتيح إجراء محادثات، وكل ذلك تمّ بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وهذا أمر مهم».
وبحسب نتائج الاجتماعات في فرنسا، يبدو أن الاتفاق يستند الى قرارات تلتف على العقوبات الاميركية، بما يسمح لإيران بإعادة تصدير كامل إنتاجها من النفط، مقابل الحصول على أموال على شكل قروض مسبقة، وسط سعي غربي لأن تصرف هذه الأموال في عقود تجارية لأغراض صناعية تحتاج إليها إيران. حتى إن الاميركيين يظهرون بعض الحماسة إذا كانت إيران تفكر في إعادة بناء أسطولها الجوي المدني عبر شركة «بوينغ» الاميركية بعقد يقارب 11 مليار دولار أميركي.
لكن ما هو غير واضح بالنسبة إلى الغربيين، يتعلق بمدى استجابة طهران لطلبات أميركا وأوروبا بالتفاوض على ملفات ذات طابع إقليمي، أو ما يتعلق بالسلاح الصاروخي. وقالت مصادر إيرانية لــ»الأخبار» إن القرار واضح بأن البحث محصور في إعادة تنشيط الاتفاق النووي، والنقاط الإضافية تتعلق بأمن الملاحة في بحار الخليج والعرب والأحمر.
مصدر إيراني: جواب طهران على طلب التفاوض بشأن الصواريخ كان الرفض


في إيران، يتصدّر الرئيس حسن روحاني فريق متلقّي المبادرة الفرنسية، وسط انتقادات لاذعة في الصحف من فريق المحافظين، هاجمت زيارة وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، المفاجئة إلى بياريتس، وذلك في تعبير عن وجود تيارات رافضة لخيار التفاوض. المشهد الإيراني يجعل التريّث ضرورياً لمعرفة الوجهة النهائية للموقف من مبادرة ماكرون أو الردود الأميركية على الوسيط الفرنسي، وهو ما يحتاج إلى توصية المرشد علي خامنئي لـ«المجلس الأعلى للأمن القومي» حيال الموقف المفترض.
زيارة ظريف الفرنسية الثانية المفاجئة ولقاءاته على هامش قمة «دول السبع» بدت المؤشر الأول على دعم روحاني لمبادرة ماكرون وتجاوبه معها، حتى إنه قال أمام الإعلام أمس (رداً على منتقدي تحركات ظريف): «لو أنني أعلم بأن مشكلة البلاد ستحل لو التقيت شخصاً ما، فلن أمتنع عن ذلك». تصريح روحاني كان المفتاح/ المخرج لإحداث فارق في اجتماعات قمة «السبع» ومنح ترامب سلماً للنزول عن الشجرة، إذ بات من الواضح أنه حمّل ظريف هذه الرسالة، وهو ما أكده ماكرون بقوله: «روحاني أبلغني أنه منفتح على لقاء ترامب».
لكن حلّ العقدة الإيرانية يتوقف على معرفة الموقف الأميركي؛ فكما ابتكرت حكومة روحاني مخرج لقاء روحاني ـــــ ترامب، قدّمت كذلك جملة شروط ستكون عقدتها الأصعب ملف الصواريخ البالستية، لا «النووي». وترامب عرض شروطه بوضوح أمس: «نعمل على عدم امتلاك إيران أسلحة نووية وصواريخ بالستية وعلى اتفاق (نووي) أطول أمداً مع طهران... ما نريده بسيط جداً: يتعين أن تكون (إيران دولة) غير نووية. سنتحدث عن الصواريخ البالستية... وسنتحدث عن التوقيت... لكن عليهم الكفّ عن الإرهاب. أعتقد أنهم سيتغيّرون، أعتقد ذلك حقاً. أظن أن لديهم فرصة». في المقابل، قال مصدر إيراني مطّلع، كما نقلت قناة «برِس تي في» الإيرانية، إن جواب طهران على طلب ماكرون بشأن التفاوض على الصواريخ البالستية كان رفض الحديث عن القدرات الصاروخية الدفاعية.
على رغم ما تقدّم، حافظ كل من ماكرون وترامب على منسوب عالٍ من التفاؤل، وأكد الأول أن محادثات «السبع» هيّأت «ظروفاً لعقد اجتماع، وبالتالي اتفاق»، بين الرئيسين الأميركي والإيراني. اجتماعٌ وصف ترامب احتمال حدوثه بـ«الواقعي»، ملمّحاً إلى إمكانية أن يعقد خلال أسابيع «إن كانت الظروف مناسبة». ووفق معلومات تداولتها وسائل إعلام أميركية، ربما يجري اللقاء بين روحاني وترامب على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر المقبل. وإذ أشاد المجتمعون في بياريتس بوحدة الموقف من بعض القضايا كإيران، اقتصر البيان الختامي على التشديد على وجوب عدم امتلاكها السلاح النووي وضرورة «إحلال الاستقرار في المنطقة عبر السلام». وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعد لقائها ترامب، إن زعماء «السبع» اتخذوا خطوة كبيرة إلى الأمام في جهودهم لتجنّب تصعيد التوتر مع إيران.
وبخصوص ما يتضمنه المقترح الفرنسي، ظهرت بشأنه تلميحات من ماكرون وترامب، إذ أشاد الأول برسالة روحاني، معتبراً أنها «التغيير الحقيقي»، لافتاً إلى أن المطالب الأميركية تتضمن أن تكون مدة الاتفاق النووي «أطول» وأن يكون «مزيدٌ من المواقع خاضعاً للمراقبة». أما ترامب، فغاص في تفاصيل، كرفضه شرط دفع تعويضات عن العقوبات، وقال: «نحن لا ندفع... لكنّهم (الإيرانيين) ربما يحتاجون إلى بعض المال ليمكّنهم من تدبير أمورهم في ظل أوضاع صعبة، وإذا احتاجوا إليه، فسيكون ذلك بضمانة النفط، وهو لي ضمانة كبيرة، ولديهم الكثير منه... لذلك نتحدث عملياً عن خطّ ائتمان سيكون من دول عديدة».
(الأخبار)