عمّان | خلال الاحتجاجات الشعبية في العاصمة الأردنية عمّان نهاية العام الماضي، كان مهدي صالح، أبو صدام، يقف وسط الجموع المحتشدة بالقرب من الدوار الرابع، حيث دارة رئاسة الوزراء، حاملاً ما هو بعيد عن الشعارات المرفوعة في شأن المطالب الاقتصادية والاجتماعية. كان صالح يرفع صورة ابنه محمد، أصغر أسير أردني في سجون العدو الإسرائيلي. بعد أيام، أعلن الأب نيّته خوض الإضراب الثالث عن الطعام أمام وزارة الخارجية، ومطلبه التنسيق له لزيارة ابنه الأسير منذ 15/3/2013، والبالغ 15 عاماً ونصف آنذاك. إضراب أبي صدام استمر 24 ساعة قبل أن تستجيب «الخارجية» وترتب زيارة هي الثالثة خلال الاعتقال.محمد مهدي صالح واحد من أصل 21 أسيراً أردنياً في السجون الإسرائيلية حتى الآن. القائمة المقتضبة التي حصلت عليها «الأخبار» من «اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين الأردنيين في المعتقلات الصهيونية»، المنبثقة عن النقابات المهنية الأردنية، تشير إلى سبعة أسرى تراوح محكومياتهم بين 67 مؤبداً و36 عاماً، وكلهم أُسروا بعد انتفاضة الأقصى التي انطلقت سنة 2000. أما الآخرون، فمنهم اثنان شارفت أحكامهم على الانتهاء بحلول العام المقبل، إضافة إلى أربعة موقوفين، آخرهم شابة اعتُقلت قبل أيام وهي في طريقها إلى المملكة.
ما تناقلته الصحافة المحلية يدور حول 5 أو 6 أسرى يجري التفاوض لنقلهم من سجون العدو إلى السجون الأردنية، وأبرزهم عبد الله البرغوثي، وهو صاحب أطول حكم في التاريخ بمؤبد مكرر 67 مرة إضافة إلى آلاف السنوات. مع ذلك، تنفي عائلة البرغوثي أي تواصل معها بخصوص صفقة من أي نوع، مع أن مصادر تشير إلى حوار مفتوح مع البرغوثي نفسه، وأن من يقود التفاوض مع الأسرى دبلوماسيون أردنيون يعملون في السفارة لدى تل أبيب. يبدو شبه مستحيل قبول فكرة نقل قائد بحجم البرغوثي خارج سجون الاحتلال؛ فهو يمثل خليفة المهندس الشهيد يحيى عياش، وكان المسؤول المباشر عن «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس» في الضفة المحتلة، ونقله إلى المملكة يمثل إفراجاً ضمنياً عنه حتى لو كان تحت الحراسة المشددة. لذلك، يمكن تفسير الزج باسمه في مثل هذا السياق على أنه يندرج ضمن لعبة الضغوط بين المقاومة الفلسطينية والإسرائيليين. وإن كانت التفاهمات بين الطرفين أدت إلى فرض اسم البرغوثي في أي صفقة مقبلة، يكون العدو قد رأى في إخراجه إلى الأردن، التي يحمل جنسيتها، حلاً أفضل من الإفراج عنه إلى غزة أو خارجها.
ثمة مخاوف من اقتصار الصفقة على من شارفت محكومياتهم على الانتهاء


هنا يبرز السؤال: هل تستطيع عمّان حمل ملف مثل البرغوثي و«حماس» من جديد، ولا سيما بعد إغلاق مكاتب الحركة في المملكة، ومغادرة أعضاء مكتبها السياسي، وحتى الانفصال التنظيمي عن «الإخوان المسلمون» الذين كانت الحركة تشكل عبرهم تيارها الأكبر؟ هذا السؤال ينطبق أيضاً على محمد الريماوي، وهو أحد أعضاء خلية «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» التي اغتالت الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي، رداً على اغتيال الأمين العام للجبهة أبو علي مصطفى عام 2001. «الخارجية» تناور هذه المرة، وإن أبدت تكتماً شديداً على الموضوع، خصوصاً مع أسماء كبيرة وحساسة في الحركة الأسيرة وذات محكوميات عالية. في هذا السياق، يقول فادي فرح، وهو مقرر «اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين»، لـ«الأخبار»، إن هناك تواصلاً مع الأسرى وذويهم بخصوص نقلهم، وإن كانت الوزارة لم تصرح بذلك. وعن رأي اللجنة، يقول فرح: «الأصل أن يخرج أولئك الأسرى ويعودوا كأبطال مكرمين، فهم لم يخرقوا أي قانون أردني، ومارسوا حقهم الطبيعي في المقاومة، ومكانهم ليس السجن».
تواصلت «الأخبار» مع مهدي صالح، والد الأسير محمد، فقال إن تعامل «الخارجية» معه اختلف منذ مدة، وإن هناك تجاوباً مع مطالبه. وكان أبو صدام قد تمكن من زيارة ابنه بعد الإضراب عن الطعام. وبينما لم يلتقِ في أول زيارتين أي ممثل عن السفارة الأردنية لدى تل أبيب، فإنه خلال الزيارة الأخيرة (بداية العام الجاري) التي كانت 24 ساعة، نقلته سيارة السفارة من جسر الملك حسين إلى سجن النقب الصحراوي، وأعادته في اليوم نفسه بعدما تمكن من لقاء ابنه 40 دقيقة، كما أخذ صورة معه بحضور مندوب السفارة. ويضيف أبو صدام أنه يراجع «الخارجية» دورياً، وهناك وعود بزيارة كل ستة أشهر، وأنه بانتظار الترتيبات لزيارة جديدة.
مع ذلك، تكمن إشكالية معظم الأسرى الأردنيين في حملهم هويات السلطة الفلسطينية و«كرت إحصاء الجسور» (الأصفر)، بمعنى أنهم مواطنون أردنيون وفلسطينيون في الوقت نفسه، وهو ما يخلط الأوراق، علماً بأن ثلاثة أسرى أردنيين سبق أن انتقلوا إلى سجون المملكة ضمن صفقة تبادل بين حزب الله وإسرائيل عام 2008، لكنهم أمضوا أقل من عامين قبل الإفراج عنهم، وهذا أمر لا يمكن أن تقبله إسرائيل مثلاً مع البرغوثي أو الريماوي، أو أيّ من أصحاب المحكوميات العالية.
لكن ربما يلاقي قبول نقل مكان سجن الأسرى ترحيباً لدى ذوي الأسرى مِمَّن لا يحملون هويات فلسطينية، ويتعذر عليهم الضغط على «الخارجية» للحصول على حق في الزيارة على الأقل، خاصة بعدما أخفقت الضغوط الشعبية في إحراز أي تقدّم أيام «حادثة السفارة» التي كانت فرصة لعقد صفقة جيدة. ولعلّ هذا تحديداً هو ما يثير السؤال حول توقيت المفاوضات الحالية، خصوصاً في ظلّ الأزمة المستمرة في القدس، واقتراب بتّ ملاحق «اتفاقية وادي عربة» الخاصة بأراضي الباقورة والغمر في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. كما أن ثمة أسئلة حول موعد الإفراج عن المنقولين، وإمكانية احتجازهم مع السجناء الجنائيين، وخطر فقدانهم الهوية الفلسطينية. وعلى رغم تلك الأسئلة المقلقة للأسرى وذويهم، فإن الخيبة الكبرى ستكون إن اقتصرت الصفقة على من شارفت محكومياتهم على الانتهاء.