القاهرة | أنهت الدولة المصرية، قبل أشهر قليلة، عملية إجلاء أصحاب المساكن العشوائية والورش في المنطقة المحيطة بالتلفزيون المصري في قلب العاصمة القديمة القاهرة، المعروفة باسم «مثلث ماسبيرو»، التي تخطط لتحويلها إلى وسط تجاري وسكني بأبراج فارهة مطلّة على النيل. ولذلك، خيّرت سكانها الأصليين ما بين الانتقال إلى شقق مستأجرة في المكان نفسه، أو الحصول على مساكن أخرى في المناطق التي أُنشئت لسكان العشوائيات. ومَن قَبِل الاستئجار، سيكون عليه سداد المال للحكومة، أما الآخرون فليس لهم الحق في توريث الشقق لأبنائهم أو إعادة بيعها مستقبلاً.يأتي ذلك ضمن سياسة الدولة للاستفادة من جميع الأراضي التي شغلتها العشوائيات لسنوات، خاصة الموجودة في المناطق التي يمكن استغلالها. وهي، في تنفيذ ذلك، تعتمد على الردع والتخويف، مستخدمةً الأجهزة الأمنية في القمع، ومُهدِرة حقوقاً رَسَخت للمواطنين، ليس بمرور سنوات إقامتهم على هذه الأرض فقط، بل بسبب حصول عدد كبير منهم على أوراق رسمية تثبت ملكيّتهم لها. حتى عندما حاولت الحكومة هدم منازل في جزيرة الوراق قبل عام، واشتبكت «الداخلية» مع الأهالي، لم يستطع الأمن مواجهة الناس الذين سقط منهم قتيل، فأشعلوا النيران في سيارات للشرطة. ومنذ ذلك الوقت، لا تزال الدولة تحاصرهم بممارسة ضغوط على ما يُسمح بدخوله إلى الجزيرة وما لا يسمح، وسط سعي متواصل لإخلاء الجزيرة وتنفيذ مخطط لتحويلها إلى مركز تجاري وسياحي في قلب النيل.
ثمة منطقة ثالثة تسعى الحكومة إلى استغلالها، هي سور مجرى العيون التي تقع على بعد أقلّ من خمسة كيلومترات من قلب القاهرة. هذه المنطقة الأثرية المعروفة بأنها مكان للمدابغ الخاصة بالجلود، قررت الحكومة تغيير طبيعتها وهدم المدابغ فيها وإزالة المنازل منها لتحويلها إلى مزار سياحي، مع نقل المدابغ وأصحابها إلى منطقة الروبيكي. وبالسياسة نفسها، أُجبر العمال على التوقف عن العمل حتى قبل تسلّمهم المدابغ الجديدة، وقُطعت عنهم المياه والكهرباء لفرض الأمر الواقع عليهم. وفوق ذلك، لم تُوفَّر لهم أماكن بديلة، وحتى المنطقة المخصصة لهم في الروبيكي والبعيدة عن الموقع الحالي لم يجرِ تخطيطها على نحو يسمح باستيعاب جميع الورش، ما يعني أن عدداً منهم سيخسر مصدر رزقه. أكثر من هذا، لم تدافع الحكومة عن أصحاب الورش البسيطة الذين يحاولون مواجهة كبار التجار، بل انحازت إلى رجال الأعمال عبر تدريب عمالهم على المعدات الحديثة ونقلهم أولاً إلى الروبيكي، مقابل منحها تسعة أشهر فقط لعمّال الورش الصغيرة الذين لا يجيدون الاشتغال بالمعدات الحديثة. واشترطت على العشرات من هؤلاء، وهم لا يملكون سجلات ضريبية، تقديم الأوراق الرسمية للحصول على مدابغ بديلة.
أغلب المشروعات التي تريد الحكومة أو الجيش إنشاءها «سياحية»

وبذلك، سينتهي المطاف بعشرات الأسر إلى رصيف البطالة بسبب قرارات غير مدروسة.
بالانتقال إلى الأقصر، لجأت الحكومة إلى الشرطة لهدم المنازل الموجودة على المسار الخاص بطريق الكباش، وهو المشروع المُعطّل منذ عام 2010. واستُكمل المخطط بإزالة جبرية للمنازل التي رفض أصحابها إخلاءها، في وقت توصّلت فيه الحكومة مع الكنيسة الموجودة في المسار نفسه إلى اتفاق يرضي القائمين عليها، وهو ما لم يحصل عليه أصحاب المنازل الذين خرج بعضهم من دون تعويضات. حتى الذين صُرفت لهم تعويضات، رفضت الحكومة رفع مقدارها بعد ارتفاع أسعار الأراضي، بل أبقت المبالغ كما هي منذ سنوات، ما سبّب صداماً مع الأهالي، خاصة أن المبالغ غير مناسبة لهم، ولا تمكّنهم من شراء منازل تضاهي منازلهم التي هُدمت.
أما في أسوان، فتسعى الحكومة إلى إسقاط حق العودة عن النَّوبيّين الذين هُجّروا قسراً أثناء بناء السد العالي وتعلية خزان أسوان، مع الاكتفاء بتعويضهم مالياً من أجل إسكات أي أصوات معارضة لمشاريع يسعى الجيش إلى إقامتها على الأراضي التي كان يأمل الأهالي عودتهم إليها، والآن سيجري استغلالها سياحياً. وترى الحكومة أن التعويضات «عادلة»، وهي توفير أراضٍ زراعية بديلة من تلك التي تركها النوبيّون جبراً في مناطق أخرى، على أن يكون التسليم تباعاً اعتباراً من العام الجاري، علماً أنّ سعر الفدان الواحد قُدِّر بـ25 ألف جنيه (1500 دولار).