سرعان ما انحسرت مظاهر الفرح في شوارع الجزائر بـ«انتصار جزئي» تلمّسه بعض المتظاهرين بإعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أول من أمس مغادرة الحكم والعدول عن الترشح لولاية خامسة، لتطغى عليها تظاهرات في أنحاء البلاد أمس، عبّرت عن خيبة الأمل، على إثر جدل سياسي وقانوني جديد يحتدم حول جدية القرارات في إحداث التغيير المطلوب، إذ طالبوا بتغييرات سياسية «فورية»، رافضين ما اعتبروه «تحايلاً على الشعب».إرباكٌ بدا واضحاً في الشارع الذي يدعو إلى رحيل بوتفليقة عن الحكم للأسبوع الرابع على التوالي، أحدثه غموضٌ اعترى خريطة الطريق المعلنة بحزمة قرارات رافقت إعلان «التنحي»، لعل أهمها تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة الشهر المقبل إلى أجل غير معلوم، والتعهد بمؤتمر حوار جامع، وتعديل دستوري قبل تسليم مشعل الحكم.
بتأجيل الانتخابات، مدَّد بوتفليقة ولايته الرئاسية الرابعة عملياً بحكم الأمر الواقع. هذا ما اتفق عليه مختلف أطراف المعارضة والمحتجين، ولا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي التي عجّت بتغريدات ومنشورات لناشطين معارضين ترفض «تمديد العهدة الرابعة»، من بينهم رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس (2000-2003)، الذي نشر فيديو في «فيسبوك»، اعتبر فيه أن البلاد «شهدت الاثنين (الماضي) تعدياً بالقوة على الدستور، بإعلان تمديد الولاية الرابعة، من دون ترخيص أو إذن أو موافقة من الشعب». وفي ظل الشكوك حول من يقرر مكان الرئيس، جزم بن فليس، وهو رئيس حزب «طلائع الحريات»، بأن «القوى غير الدستورية» هي التي قررت التمديد «لرئيس غائب عن صنع القرار»، من خلال «الاستيلاء على صلاحياته».
كذلك، رأت «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين»، وهي أكبر تجمع لعلماء الدين في البلاد، تأجيل الرئاسيات «إجراءً فاقداً للجانب القانوني الذي ينص عليه الدستور»، وهو ما أشارت إليه «حركة مجتمع السلم»، أكبر حزب إسلامي في البلاد، باعتبار قرارات بوتفليقة «التفافاً على إرادة الجزائريين» في التغيير.
العقبة القانونية أن تمديد ولاية بوتفليقة لم يستند إلى أي مادة دستورية


وبينما دعت أطراف إلى عدم الوثوق بالسلطة، أمثال المتحدث باسم حركة «مواطنة» المعارضة، سفيان جيلالي، الذي عدها «مؤامرة»، دعت أصوات أخرى إلى التعقل، أمثال الإعلامي الشهير محمد يعقوبي الذي كتب منشوراً في الموقع الأزرق، قال فيه: «الآن حان دور العقلاء في السلطة وفي الحراك لتقريب المسافات والوصول إلى حل بالحوار».
العقبة القانونية التي واجهت قرارات بوتفليقة أن تمديد ولايته لم يستند إلى أي مادة دستورية. وفيما لم تشر الرئاسة إلى السند القانوني لهذه القرارات، ولا إلى عقد اجتماعات مهمة كما ينص الدستور، تعد المادة 107، الأقرب لتفسير هذه الحالة من التمديد، إذ تنص على أن «يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها»، لكنها تشترط على الرئيس ألا يتخذ مثل هذا الإجراء إلا بعد استشارة رئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس المجلس الدستوري، والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن، ومجلس الوزراء، على أن يجتمع البرلمان وجوباً بدعوة من الرئيس للنظر في هذا «الوضع الاستثنائي» الذي استدعى هذه القرارات، وهو ما لم يحدث.
ورغم أن الرئيس الجزائري تعهّد بإنشاء لجنة مستقلة جديدة لمراقبة الانتخابات، وحل الهيئة الحالية، أوضح المحامي مصطفى بوشاشي، وهو أحد أبرز وجوه الحراك، أن «مطلب الجزائريين ليس التأجيل، بل كان إقامة مرحلة انتقالية بحكومة توافق وطني بعد مشاورات واسعة»، ما يعني أن قرار إقالة حكومة أحمد أويحيى مقبول لدى المحتجين، لكن تكليف نور الدين بدوي، وهو أحد رجال الثقة عند الرئاسة، تشكيلَ حكومة جديدة، لم تتبعه مشاورات بشأنها، ولا يعرف حتى الآن كيف ستكون وهل ستفتح أمام المعارضة أم أنها لشخصيات تكنوقراطية يضعون القرارات في إطار تلك التعهدات التي أطلقها الرئيس خلال إيداع أوراق ترشحه عندما وعد بتنظيم انتخابات مبكرة بعد مؤتمر للحوار في ظرف سنة والانسحاب من الساحة السياسية.
اللافت أن «خريطة الطريق» المبهمة التي أطلقها بوتفليقة لاقت ترحيباً أميركاً وفرنسياً، بعدما كانت واشنطن قد أعلنت «دعمها للشعب الجزائري»، في تصريح للناطق باسم الخارجية، روبرت بالادينو، إذ أعلنت الخارجية الأميركية أمس أنها تدعم «الجهود في الجزائر لرسم طريق جديد للمضي قدماً من خلال حوار يعبّر عن إرادة كل الجزائريين»، وهو ما ذهب إليه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أيضاً، بالدعوة إلى مرحلة انتقالية «لمدة معقولة»، معتبراً أن إعلان بوتفليقة يعكس «علامة على النضج» في البلاد.