غزة | قلب الصاروخان اللذان أُطلقا من قطاع غزة فجر أمس، واحدٌ على مدينة بئر السبع المحتلة (جنوبي فلسطين المحتلة) والآخر على ساحل تل أبيب (وسط)، موازين مفاوضات التهدئة بين حركة «حماس» والعدو الإسرائيلي، إذ أوصلا رسالة عن حجم قدرات المقاومة بعدما أدى صاروخ بئر السبع إلى إحداث دمار كبير في أحد المنازل، وعقّد مطالب إسرائيل للتهدئة، فضلاً عن تزامن الحدث مع وجود وفد أمني مصري كان يبحث ملفي التهدئة والمصالحة، ما أعقبه إلغاءُ زيارة كان يرتَّب لها لوزير المخابرات العامة عباس كامل، للقطاع.تقول مصادر في «حماس» لـ«الأخبار» إن الوسطاء المصريين والدوليين أبلغوا الحركة بأن إسرائيل تنوي تنفيذ «رد عنيف وكبير جداً»، لكن هذا الرد تأجّل 48 ساعة استجابةً لهم، إذ تحاول تل أبيب اللعب على حبل الأزمة والمطالبة بوقف «مسيرات العودة»، خاصة اقتحام الحدود وإطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة، مقابل وقف الرد. لكن ذلك لم يمنعها من ردّ فوري بنحو 20 غارة من الطيران الحربي على مناطق في القطاع، فضلاً عن استهداف مجموعة مقاومين، ما أدى إلى استشهاد أحدهم.
في المقابل، نفت «الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة» مسؤوليتها عن إطلاق الصاروخ تجاه بئر السبع، مؤكدة رفضها كل «المحاولات غير المسؤولة التي تحاول حرف البوصلة وتخريب الجهد المصري، ومنها عملية إطلاق الصواريخ الليلة الماضية». وبعد ذلك، قرر الوفد الزائر، الذي يرأسه وكيل «المخابرات العامة» اللواء أيمن بديع، ويضم مسؤول الملف الفلسطيني في المخابرات أحمد عبد الخالق وآخرين، المغادرة إلى تل أبيب، للقاء مسؤولين إسرائيليين بهدف تثبيت الهدوء ومنع المواجهة. مع ذلك، قالت مصادر إعلامية إن مغادرة الوفد جاءت بعد إرجاء زيارة كامل إلى أسبوع «لأسباب فنية تتعلق بوجوده مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في روسيا». وبينما قالت وسائل إعلام عبرية إن تأجيل الزيارة جاء بطلب إسرائيلي، قال القيادي في «حماس»، موسى أبو مرزوق، عبر حسابه في «تويتر»: «نأسف لإلغاء الوزير عباس كامل زيارته لكل من غزة ورام الله».

«تجميد» الردّ الإسرائيلي
بالتوازي مع الجهد المصري، التقى مبعوث الأمم المتحدة لـ«عملية السلام» في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، في مكتب الأخير أمس، وتوصل معه إلى تفاهم مبدئي بوقف تدهور الأوضاع، ناقلاً الرسالة نفسها التي نقلها الوفد المصري إلى المقاومة الفلسطينية، ومفادها أن الرد الإسرائيلي سيكون صعباً في حال استمرار المظاهرات الجمعة المقبلة.
بينما ألغى عباس كامل زيارته، أمهل العدو غزة 48 ساعة لوقف المسيرات


في المقابل، أبدت «حماس» للوسطاء رفضها الشروط الإسرائيلية، مؤكدةً أن المماطلة في التهدئة وتأخر تحسين أوضاع غزة يزيدان قرب الانفجار وإمكانية حدوث حالات تفلت في إطلاق الصواريخ، مشيرة في حديث مع المصريين إلى «جهات مشبوهة تقف خلف إطلاق الصواريخ، وذلك لجرّ الوضع إلى مواجهة عسكرية لا يرغب فيها أحد حالياً». وبشأن «مسيرات العودة»، قالت الحركة أنْ ليس بمقدورها وقفها «لأنها فعل شعبي، ولدينا شركاء... لا يمكن وقف المسيرات أو تخفيفها إلا إذا حظي سكان غزة بتحسينات في الكهرباء والماء والرواتب». لذلك، طالب المصريون بحل وسط، هو أن تستمر المسيرات، لكن مع ضمان ألّا يصل الشبان إلى السياج الفاصل، وأن تتوقف البالونات الحارقة، وهو ما ردّت «حماس» عليه بأنها لن تتصادم مع المتظاهرين، وفي الوقت نفسه قالت إن أي خرق إسرائيلي سيقابل برد مناسب.

شهيد و20 غارة
بالعودة إلى الرد الموضعي، قصفت طائرات إسرائيلية بنحو 20 غارة عدداً من مواقع المقاومة في أنحاء متفرقة من قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد ناجي الزعانين (25 عاماً) وهو ينتمي إلى «كتائب المجاهدين»، فيما أعلن العدو أنه استهدف نفقاً لـ«حماس» شرق مدينة خانيونس، قالت مصادر في المقاومة إنه النفق نفسه الذي أُعلن تدميره مطلع الأسبوع الجاري. وبدا واضحاً أن الصاروخ الذي أطلق أمس يختلف عن الصواريخ التي أطلقتها المقاومة سابقاً، لجهة دقته أو رأسه المتفجر، وهو ما أشارت إليه قيادة «الجبهة الداخلية» الإسرائيلية في تحقيقها الذي ذكر أن الصاروخ اخترق 3 طبقات من الخرسانة، وكان يحتوي على رأس متفجر زنته 20 كلغم، لكنه لم يوقع إصابات بسبب إجلاء السكان إلى مكان محمي.
الصاروخ رفع حدة التهديدات الإسرائيلية المتواصلة من رأس الهرم إلى غالبية الوزراء الإسرائيليين، أبرزها حديث رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الذي زار «غلاف غزة» صباح أمس وأجرى جلسة تقدير موقف قصيرة في «فرقة غزة» بمشاركة وزير الأمن أفيغدور ليبرمان ورئيس «الشاباك» ومسؤولين آخرين، إذ قال إنه «إذا لم تتوقف هذه الهجمات، فإننا سنستخدم القوة الكبيرة لوقفها». ومساءً عقد نتنياهو وليبرمان ووزراء «المجلس المصغر» (الكابينت) اجتماعاً شهد مناقشات حادة كما نقلت وسائل الإعلام. وسبق ذلك قرار رئيس هيئة الأركان غادي أيزنكوت، قطع زيارته للولايات المتحدة، فيما أعلنت «الجبهة الداخلية» وقف الدراسة في «غلاف غزة» والبقاء قرب الملاجئ وإيقاف أعمال بناء الجدار المضاد للأنفاق، وكذلك نشر منظومة «القبة الحديدية».
في المقابل، قالت مصادر في المقاومة إن الفصائل رفعت مستوى استنفارها «خشية حدوث غدر إسرائيلي»، وفرضت إجراءات خاصة لحماية قيادتها، بالتوازي مع إرسالها عبر الوسطاء المصريين تحذيراً بأنها سترد على أي اعتداء فوراً.