قبل سبع سنوات من اليوم، خرج «اللقاء التشاوري» الذي دعت إليه الحكومة كمبادرة أولى للتعامل مع تحدي التظاهرات وانطلاق العمل المسلح في البلاد، بتوصيات مفادها أن «الحل» يأتي عبر «صياغة دستور جديد». حينها، قاطعت أطياف سياسية واسعة من المعارضة هذا اللقاء، ليعود معظمها بعد سنوات سبع، وينشغل بانتقاء مرشحين إلى «اللجنة الدستورية» بهدف تعديل الدستور. كانت الأحداث التي شهدتها مدينة درعا، السبب الأول في انعقاد «اللقاء» الذي افتتح أعماله ابنها، نائب الرئيس فاروق الشرع. اليوم، تعود المدينة إلى كنف الدولة، بعد تضحيات واسعة قدمتها البلاد وأهلها، لتعلن نهاية فصل عنوانه «الحل العسكري»، مخيبة آمال من راهنوا على إسقاط دمشق من بوابتها الجنوبية، حوران.
تصميم: سنان عيسى | انقر الصورة للتكبير

لم تكن طريق عودة العلم السوري إلى سماء مدينة درعا، «مهد الثورة»، بالسهلة. فقد امتدت لسبع سنوات من الحرب التي شملت كامل جغرافيا البلاد، بمعاركها ومآسيها، وخلّفت مئات ألوف الضحايا وملايين النازحين واللاجئين. المشهد في درعا، وعموم الجنوب، يمهّد لخواتيم جانب من هذه الحرب ولإغلاق الجرح الأول الذي انفتح هناك، خصوصاً أنه (أي المشهد) جاء من دون جولة قتال «أخيرة». فالتسويات التي سبقت التصعيد العسكري، تعكس مزاج أغلب أهل حوران اليوم، الراغب في المصالحة، قبل أن تعكس «خذلان» دولٍ للفصائل التي دربتها ورعتها ودعمتها، على أمل «إسقاط النظام» ومن خلفه مؤسسات الدولة، وتغيير تموضعها الإقليمي والدولي. كذلك، ترسم العودة السريعة لسيطرة القوات الحكومية في الجنوب، بمعارك أقل بكثير من المتوقع، تصوراً واضحاً لمسار عودة مناطق أخرى ــ ما زالت خارج السيطرة ــ إلى كنف الدولة. وهي تعكس عجز الفصائل والمؤسسات المعارضة التي عملت لسنوات، بإمكانات مالية ضخمة، عن إنشاء هياكل بديلة عن بنى المجتمع والدولة السورية.
سيطر «داعش» على بلدة حيط قرب حوض اليرموك


وعلى رغم أن ملف الجنوب لم يحسم في شكل كامل بعد، بوجود أغلب ريف القنيطرة وأجزاء من ريف درعا الغربي تحت سيطرة فصائل متعددة، إلا أن دخول الجيش والمسؤولين الحكوميين أمس، إلى أحياء درعا الجنوبية، وضع نهاية لاستحقاق، قيل سابقاً إن خوضه «خط أحمر»، وأنه سيبقى معلقاً لحين «نضوج الحل السياسي» في البلاد. وجاء رفع العلم على مبنى البريد، الذي كان المبنى الحكومي الوحيد ضمن أحياء مدينة درعا التي خرجت عن سيطرة دمشق. اليوم، بات الجيش يسيطر على غالبية أراضي محافظة درعا، ويستكمل محادثات التسوية مع ممثلين عن البلدات التي ما زالت خارج سيطرته، لدخولها من دون معارك. وهو يستعد في الوقت نفسه لمعارك القنيطرة، أو تسوياتها، بما لها من حساسية لوجود قوات العدو الإسرائيلي على الجانب المحتل من الجولان. وعلى عكس ما راهنت الفصائل المسلحة وداعموها، فإن أغلب النازحين الذين فرّوا من المعارك، عادوا إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية، حتى قبل انتهاء تنفيذ بنود اتفاق التسوية، والانتهاء من تسليم الأسلحة الثقيلة. وبقي مصير بند الترحيل نحو الشمال، وخصوصاً في درعا البلد وريف درعا الشرقي، غير واضح حتى الآن، إذ لم تغادر أي حافلة مناطق المصالحات حتى الآن، بل على العكس، استخدم أغلب الحافلات التي استقدمت لهذا الغرض في إعادة المدنيين نحو مناطق بصرى الشام ومحيطها.
البدء بتنفيذ الاتفاق في أحياء درعا، لم يأت وحيداً، بل دخل الجيش بلدتي مزيريب وطفس، في الريف الغربي، وبلدتي إنخل وكفرشمس وتلّي العلاقية وعنتر، في الريف الشمالي. ومن المتوقع أن يدخل الاتفاق المنجز في بلدت كفرناسج وسملين وعقربا، حيز التنفيذ خلال وقت قريب جداً، لتكون بلدات نوى وجاسم والحارة، ومحيطهما، آخر النقاط الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة، إلى جانب منطقة وادي اليرموك، التي يسيطر عليها تنظيم «داعش». الأخير، تمكن أمس من السيطرة على بلدة حيط، غرب حوض منبع نهر اليرموك، التي كانت تخضع لسيطرة الفصائل المسلحة. وخلال اليومين الماضيين، استهدف التنظيم بلدتي حيط وزيزون المجاورة، قبل أن يدخل حيط إثر هجوم افتتح بتفجير سيارتين مفخختين. ومن المتوقع أن تشهد جبهات التنظيم المشتركة مع الجيش تصعيداً خلال الفترة المقبلة، لا سيما أن الجيش يستعد لاستلام كامل الجبهة الممتدة من نهر اليرموك، وحتى أطراف إنخل، كمرحلة أولى، لحين حل ملف ريف القنيطرة. وبالتوازي مع وصول تعزيزات للجيش إلى جبهات القنيطرة، استهدف العدو الإسرائيلي، في وقت متأخر من ليل أول من أمس، عدة نقاط للجيش في محيط حضر وجبّا، بالتزامن مع إطلاق الفصائل المسلحة قذائف على مدينة البعث، تسببت بإصابة عدد من المدنيين.