لم يتوقف تقدم الجيش السوري عقب السيطرة على منطقة اللجاة وبلدة بصر الحرير، اللتين كانتا خط دفاع عوّلت عليه الفصائل المسلحة لإنهاك قوات الجيش قبل وصولها إلى عمق بلدات ريف درعا الشرقي. بل استكمل السيطرة على بلدات ناحتة والمليحتين الشرقية والغربية، ليصبح خط التماس مع الفصائل المسلحة، على أطراف بلدات الحراك ورخم والكرك وأم ولد. هذا التقدم السريع للجيش على المحور الشرقي، ترافق مع تكثيف القصف المدفعي والجوي، على مواقع ونقاط المسلحين جنوب درعا المدينة، وصولاً إلى محيط الجمرك القديم على الحدود الأردنية. ويراهن الجيش على إنهاك المسلحين وتدمير تحصيناتهم هناك، تمهيداً لعزل المدينة عن ريفها الشرقي وقطع خطوط إمداد المسلحين داخلها، وكذلك عزل الريفين الغربي والشرقي، إلى جانب الوصول إلى معبر نصيب الحدودي. ولم تصمد خطوط دفاعات المسلحين في الريف الشرقي، على عكس رهانات قادة الفصائل وتصريحاتهم التي سبقت تحرك الجيش. وأظهرت تلك التطورات، حجم وتأثير الخلافات السابقة بين تلك الفصائل، التي اكتفت بمحاولات صد الجيش، من دون أن تحاول (تستطيع) فتح جبهات أخرى، وبخاصة في الريف الغربي.هذا التخبط والضعف في مواقف قادة الفصائل وعملها الميداني، دفع أهالي عدد من بلدات درعا إلى إطلاق تحركات شعبية تطالب بإجراء اتفاقات تسوية تتيح دخول القوات الحكومية وانسحاب المسلحين من دون قتال، على غرار ما جرى في بعض مناطق الغوطة الشرقية. وتظاهر عدد من أهالي بلدات إبطع وداعل والغارية الشرقية، حاملين العلم السوري، على رغم الضغط الممارس ضدهم من قبل المسلحين. وشهدت نقاط الجيش شرق بلدة داعل، وصول عدد من أهالي البلدة، الراغبين في الخروج وتجنّب تبعات المواجهة العسكرية التي تصر عليها الفصائل المسلحة، حتى الآن. واللافت أن البلدات التي خرج أهلها في تحركات شعبية، كانت قد شهدت اغتيال المسلحين لمسؤولي المصالحة فيها قبل وقت قصير، وآخر عملية في داعل نفسها تمت أول من أمس حيث جرى تصفية عضو لجنة المصالحة جمال الشحادات بعد اختطافه لعدة أيام، غير أن ذلك لم يمنع المطالبات بدخول القوات الحكومية. ومع بقاء قنوات التواصل والتفاوض بين ممثلي «مركز المصالحة» الروسي وعدد من الفعاليات الشعبية ولجان «المصالحة»، فإن من المحتمل أن يتم التوصل إلى اتفاقات محلية على غرار ما جرى في بعض بلدات اللجاة حيث سلّم عدد كبير من المسلحين، أسلحتهم إلى الجيش، وبدأ نحو 1000 منهم أمس «تسوية أوضاعهم»، في قرى شعارة وكريم الجنوبي وإيب وجدل والرويسات والشرائع.
شهد مجلس الأمن جولة كباش جديدة حول الجنوب السوري


وفي موازاة الزخم العسكري على الأرض، شهدت جلسة مجلس الأمن أمس، جولة جديدة من الجدل، افتتحت بإشارة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، إلى قلقه من أن «تصبح العمليات العسكرية في جنوب غربي سوريا، شبيهة بعمليات الغوطة الشرقية وحلب». وترافقت الإشارة بتحذير من أن التصعيد الجاري يمثّل «عقبة أمام إحراز تقدم في ملف تشكيل اللجنة الدستورية»، الذي أحرز تقدماً خلال الفترة الماضية، على حد قوله. وخلال الجلسة نفسها، شدد المندوب الروسي فاسيلي نيبيزيا، على أنه «لا يوجد وقف للأعمال العدائية يسهم في تأجيل مكافحة الإرهاب والإرهابيين»، منتقداً مواقف الدول الغربية تجاه الوضع في الجنوب السوري، بعد مطالبات متعددة لروسيا بـ«احترام تعهداتها» هناك. إذ قال مساعد سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة جوناثان كوهين، إن «العمليات العسكرية الأحادية لنظام (الرئيس بشار) الأسد وروسيا في جنوب غربي سوريا تشكل انتهاكاً لوقف إطلاق النار»، مضيفاً أن بلاده «مصممة على احترام تعهداتها في سبيل وقف إطلاق النار هذا. ونطالب شركاءنا الروس بالقيام بالمثل». وجاءت الانتقادات الغربية لموسكو في مجلس الأمن بالتوازي مع حصول «منظمة حظر الأسلحة الكيميائية» على تفويض يتيح لها «تحديد المسؤولين» عن الهجمات الكيميائية فضلاً عن صلاحية تحديد استخدام هذه الأسلحة، وذلك خلال المؤتمر الطارئ الرابع للدول الأعضاء في المنظمة المنعقد في مدينة لاهاي. ومن بين الدول التي عارضت مشروع القرار الجديد، روسيا وإيران وسوريا، مقابل موافقة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي سياق آخر، وبالتوازي مع تأكيد المبعوث الأميركي إلى «التحالف الدولي» بريت ماكغورك، أن التعاون بين تركيا والولايات المتحدة في سوريا تطور في شكل إيجابي خلال الفترة الأخيرة، بحث رئيس الأركان التركي خلوصي أكار، في اتصال هاتفي أمس، مع قائد الجيش الأميركي في أوروبا، كورتيس سكاباروتي، خريطة الطريق الخاصة بمدينة منبج. وبينما أكد «التحالف» تواصل عملياته ضد «داعش» شرق الفرات، أكد الجيش السوري أنه استكمل تحرير كامل بادية دير الزور الجنوبية من يد التنظيم، بمساحة تقدر بنحو 5800 كيلومتر مربع.