منذ الصباح حتى ساعات المساء، وقعت السعودية تحت رُهاب الهجمات اليمنية، التي اتخذت أمس شكلاً نوعياً جديداً مع دخول الطائرات المسيّرة ميدان المعركة، باستهداف مطار أبها و«أرامكو جيزان». استهداف لم تكد الرياض تصحو من وقعه حتى باغتتها هجمة باليستية واسعة جديدة، أكدت مرة أخرى أن تهديدات سلطات صنعاء ليست من فراغ، وأن المقبل من الأيام سيحمل «مفاجآت» يمكن أن «تغيّر مجرى الحرب»، وفق ما توعّدت به قوات الجيش واللجان.«قادمون في العام الرابع بمنظوماتنا الصاروخية المتطورة والمتنوعة التي تخترق كل وسائل الحماية... قادمون بطائراتنا المُسيَّرة ذات المدى البعيد والفاعلية الجيدة والقدرة العسكرية الممتازة». ذلك ما توعّد به قائد حركة «أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي، في الذكرى الثالثة لاندلاع العدوان على اليمن. وعيدٌ سرعان ما وجد سبيله إلى التنفيذ منذ اليوم الأول للعام الرابع مع الهجمة الباليستية الواسعة التي استهدفت السعودية ليل الـ26 من آذار/ مارس الماضي، إلا أنه بلغ أمس مستوى أكثر تقدماً بفعل دخول الطائرات المسيرة للمرة الأولى إلى ميدان المواجهة، في وقت أُطلقت فيه الهجمة الباليستية الثانية من نوعها (لناحية حجمها) في أقل من شهر، لتبدو السعودية ــ وإن لساعات ــ «مستباحةً» أمام النيران اليمنية.
المفارقة أن هذا المشهد تجلّى بعد ساعات فقط من ادّعاء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في معرض دفاعه عن «التحالف» الذي تقوده بلاده من باريس، أن «قوات الشرعية تبعد ما يقل عن 20 كليومتراً من صنعاء، وتستطيع أن تجتاحها برياً غداً، ولكن نعرف أنه سيكون هناك ضحايا مدنيون كثيرون». قال ابن سلمان ذلك من دون أن يُبلِغه أحد على الأرجح أن اليمنيين كانوا لمّا ينتهوا من لملمة أشلاء الضحايا الذين خلّفتهم أحدث مجازر «التحالف» في صعدة وتعز. لكن ما تناهى إلى مسمعه حتماً هو نبأ «المحرقة» التي تعرض لها الجنود السودانيون، ومعهم جنود القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، في مدينة ميدي على الساحل اليمني. نبأ تأتي هجمات الأربعاء لتعزّز وقعه على الرياض وأبو ظبي، باعثة برسالة ردعية أكثر قوة إلى قيادة «التحالف» التي لا تفتأ تحاول تحقيق اختراقات على جبهتي صعدة وميدي، بعدما تضاءل أملها بتحقق شيء مماثل على جبهة صنعاء، خلافاً لما زعمه الأمير «المدلّل».
يوم أمس، وفي عملية هي الأولى من نوعها منذ إزاحة الستار عن 4 طائرات بدون طيار محلية الصنع في الـ26 من شباط/ فبراير من العام الماضي، أعلن سلاح الجو المسيّر تنفيذ غارات بطائرة «قاصف 1» على مطار أبها الدولي في منطقة عسير وشركة «أرامكو» النفطية في منطقة جيزان، بحسب ما نقلت وكالة «سبأ» الرسمية عن مصدر عسكري. وأكد المصدر «تعطل الرحلات الجوية في المطار بعد الضربات»، وهو ما اعترف به المتحدث باسم «التحالف»، تركي المالكي، الذي قال إنه «تم في حينه إغلاق حركة الملاحة الجوية... ومن ثم عادت الحركة الجوية من وإلى المطار لطبيعتها»، في وقت انتشرت فيه صور لأمير منطقة عسير، فيصل بن خالد، وهو يتفقد المطار قبل إعادة تشغيله. وفي محاولة لتبرير فشل أجهزة الرادار السعودية في رصد الطائرة التي قطعت مسافة تزيد على 150 كيلومتراً من صعدة إلى أبها، نقلت وسائل إعلام سعودية عن مصادر ميدانية أن «الميليشيات الحوثية استغلت الأجواء الغائمة وحالة الطقس لتسيير طائرتها» التي حلّقت على ارتفاع يقارب 4 كيلومترات.
نفت مصادر «أنصار الله» الحديث عن «تحرير مدينة ميدي»


وفي حين ادّعى المالكي أن طائرة «قاصف 1» ذات «خصائص ومواصفات إيرانية»، أكد مساعد المتحدث باسم قوات الجيش واللجان الشعبية، العقيد عزيز راشد، أن ما قامت به الطائرة أمس «يكشف وهم الدفاعات الجوية الأميركية»، التي دائماً ما تحاول السعودية التغطية على فشلها باستدعاء الدور الإيراني في عمليات الجيش واللجان. وتوعّد راشد الرياض بـ«ضربات مؤلمة خلال الفترة المقبلة، تنفيذاً لتوجيهات السيد الحوثي، ورئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد، الذي هدّد السعودية بضربات صاروخية يومية». تهديدٌ أعقبه بساعات استهداف معسكر مستحدث للقوات السعودية والسودانية في منطقة عسير بصاروخ باليستي من نوع «قاهر 2 M»، «خلّف خسائر كبيرة في صفوف العدو وعتاده العسكري» بحسب ما أفادت به وكالة «سبأ»، توازياً مع الإعلان عن إطلاق صاروخ باليتسي من نوع «بدر 1» على معسكر الإمداد والتموين في أحد المسارحة جنوبي جيزان.
هذه الضربات الباليستية المتتالية بلغت، أمس، مستوىً قياسياً جديداً، بعدما باغتت السعودية بسبعة صواريخ أُطلقت دفعة واحدة على أراضي المملكة، ليل الـ26 من آذار الماضي. وأعلنت القوة الصاروخية في الجيش واللجان، مساء الأربعاء، استهداف وزارة الدفاع السعودية ومواقع أخرى في العاصمة الرياض بصواريخ من طراز «بركان 2 H»، كما أعلنت إطلاق دفعة من صواريخ «بدر 1» المحلية الصنع على منشأة تابعة لـ«أرامكو» في منطقة نجران، وعلى أهداف إضافية في القطاع نفسه. وأفادت مصادر «أنصار الله» بأنه تم، كذلك، في الوقت نفسه، استهداف مدينة الملك عبد الله الاقتصادية وأهداف أخرى في منطقة جيزان بدفعة من صواريخ «بدر 1» أيضاً. ووفقاً لتلك المصادر، فقد أصابت الصواريخ أهدافها، فيما ذكرت وسائل إعلام سعودية أنه تم اعتراض 3 صواريخ في أجواء المملكة. وتحدثت وكالات أنباء عالمية، بدورها، عن سماع دوي 3 انفجارات في الرياض، ومشاهدة سحب دخان في سماء وسط العاصمة. وعلى إثر تلك العمليات المتزامنة، توعّد الناطق باسم الجيش واللجان، العميد شرف لقمان، «قوى العدوان بمفاجآت قادمة ستغيّر مجرى الحرب»، مؤكداً أن «الجيش واللجان مقبلان على مراحل أقوى وأكثر تصعيداً». وجزم لقمان، في حديث تلفزيوني، قائلاً «(اننا) نعرف كيف نختار أهدافنا بعناية، وسنقصف منشآتهم العسكرية والاقتصادية وأي مفاصل استراتيجية مؤلمة».
وكما في السماء، كذلك على الأرض. بعدما بالغت وسائل الإعلام التابعة لـ«التحالف» في الاحتفاء بما سمّته «تحرير مدينة ميدي» شمال غربي البلاد، جاءت التطورات الميدانية أمس لتكشف أن ما تم تحقيقه ليس سوى تقدم محدود في الأجزاء الشرقية والجنوبية من المدينة، بحسب ما أكدت مصادر عسكرية من «أنصار الله». وأوضحت المصادر أن ميدي تشهد منذ حوالى أسبوع مواجهات عنيفة لا تزال مستمرة، أدت أخيراً إلى مقتل العشرات من الجنود السودانيين. وأضافت أن هجمات القوات الموالية لـ«التحالف»، والمسنودة بغطاء جوي كثيف، بلغت ذروتها منذ يومين، لتتمكن تلك القوات على إثرها من التقدم قليلاً، قبل أن تتعرض لهجمات مضادة أوقعت «خسائر فادحة في الأرواح والعتاد» في صفوفها. والجدير ذكره أن هذه هي المرة الخامسة على التوالي، منذ عامين، التي تعلن فيها قوات «التحالف» «تحرير ميدي»، إلا أنه وفي كل مرة كانت التشكيلات التابعة لـ«الشرعية» تتعرض لكمائن تجبرها على التراجع.