تختلط نيحا الشوفية، في أذهان كثيرين، بنيحا البقاعية. الأولى مغارة محفورة في الصخر وجزء من محمية أرز الباروك، والثانية عبارة عن معبدين رومانيين يعودان الى القرن الأول قبل الميلاد. الإهمال الرسمي هو القاسم المشترك بينهما. لكنه في حالة نيحا البقاعية، يعلّم الناس الحرام والسرقة.
شُيّد معبدا نيحا، الكبير والصغير، في النصف الثاني من القرن الأوّل بعد الميلاد في عهد الامبراطور أغسطس قيصر الرومانيّ. الصغير هو معبد الإله حادارامس، والكبير معبد آلهة الجمال والخمر أتارغاتس التي تتجسّد على هيئة إنسان، وتحميه الملكة العذراء أوشيما.
خلال التنقيبات الأثرية في نيحا في ستينيات القرن الماضي، اكتشف علماء الآثار مجسّماً للمعبد (معروض في المتحف الوطني)، ما يشير الى أنّ المهندسين الرومان كانوا ينحتون من الصخر نموذجاً يبرز شكل المعبد النهائي قبل نيل الموافقة على تنفيذه. يتميز المعبد الصغير بأدراجه المنحوتة في الصخر للوصول إلى قاعة الصلاة المحاطة بالأعمدة، فيما يتميز الكبير، ويعرف بـ«قلعة الحصن» و«حصن نيحا»، بحجارته الضخمة التي استخرجت من الفالق الصخري الذي شيّد فوقه.
في سبعينيات القرن الماضي، خضع الموقع لورشة ترميم من قبل وزارتي الثقافة والسياحة. وكان ذلك آخر مرور للدولة فيه. حالياً، يتناوب حارسان من قبل المديرية العامة للآثار على حراسة الموقع، ولكن ليس على مدار الساعة. لم يحل ذلك دون تعرّض الموقع التاريخي للنهب، بعدما بات «الرزق» التاريخي سائباً منذ بداية الحرب الأهلية. فمن أعجبه نقش في حجر أو زخرفة أو عمود ما، اقتلعه من دون حسيب أو رقيب. ويتناقل أهالي البلدة الصغيرة روايات كثيرة عن مسؤول «استحلى» قطعة منقوشة أو ضابط «استنسب» عموداً لتزيين بيته.
انتهاء الحرب لم يوقف النهب، والمشتبه فيهم كثر، في غياب حراسة دائمة على الموقع النائي. أبرز هؤلاء رواد المهرجانات السنوية التي تقام في الموقع منذ عام 2002. فادي الرميلي، عضو لجنة مهرجانات نيحا وطالب الدكتوراه المتخصّص في دراسة آثار البلدة، أكد لـ«الأخبار» النقص المتزايد في محتويات الموقع. وهو خصّص موضوع أطروحته حول مخطط للملمة شتات القرية الأثري عن طريق إقامة متحف أثريّ قرب الموقع الأصلي، يضم القطع الأثريّة الموزّعة. مخطط كهذا يستلزم التفاتة رسمية من الدولة التي تكاد تكون غافلة عن وجود هذا الموقع من أساسه. هي مسؤولية تلقيها أيضاً الباحثة المتخصّصة في الآثار، الأستاذة في الجامعة اللبنانيّة فيفيان شويري، على «غياب تيّار فعّال من الباحثين المتخصّصين، ميدانيّاً ونظريّاً، يُعنى بحماية معالم التاريخ اللبناني».