لوائل قديح المعروف بـ «ريّس بيك» دور فعّال في «بيروت أند بيوند» هذا العام. هو أولاً القيّم الفني للمهرجان، أي هو من اختار الفرق الآتية إلى بيروت. من جهة أخرى، يشارك قديح مباشرة في برنامج المهرجان عبر عرض «غرام وانتقام» الذي عمل عليه مع الفنانة البصرية رندا ميرزا، ويقدّمانه في أنحاء العالم منذ عام 2014.
تعود فكرة المشروع إلى لقاء بين الفنانين في مرسيليا. كان قديح قد بدأ العمل على عدد من الأغنيات، وجعل ميرزا تصغي إليها، فجاءت بفكرة مرافقتها بمشاهد أفلام.
استقى الفنانان مادتهما من السينما والموسيقى العربية في أربعينيات وتسعينيات القرن المنصرم، أي العصر الذهبي للسينما العربية كما يقول قديح، مضيفاً: «ارتكزنا إلى أرشيف السينما تلك، وعملنا عليه بصيغة جديدة. معنا موسيقيان يرافقاننا هما مهدي حداب على العود الكهربائي، وجوليان بيرودو على الكيبورد. وما فعلناه هو أنّنا أخذنا تلك الأغنيات وأعطيناها إيقاعاً جديداً. كما أضفينا على الأفلام طبعاً جديداً».
تعود رغبة قديح في إنجاز هذا المشروع إلى عدد من الأسباب، وأبرزها واقع موسيقى الـ «بوب» الذي لا يعجبه شخصياً، لأن هذا النوع من الموسيقى أصبح تجارياً جداً. ثم «هناك القليل من النوستالجيا أيضاً في هذا العمل، مع أنني ضدها. في الزمن الماضي، كان للفن الشعبي حرية أكثر من اليوم». أما الهدف الثالث وراء العرض، فهو إعادة إحياء هذا التراث الجميل.
يقدّم قديح وميرزا العرض في أوروبا منذ سنوات، ويقرّ أنّ الأجانب الذي يحضرونه يفاجأون خصوصاً عندما يرون صور تلك الأفلام. فالصورة التي يملكونها عن العالم العربي هي صورة الحروب والمشاكل اليوم. هي صورة لا ينكر قديح أنّها حقيقية أيضاً. إلى جانب إحيائه التراث القديم، فـ «غرام وانتقام» هو أيضاً أشبه بتأمل حول معنى الهوية المزدوجة التي اختبرها قديح بين أصوله اللبنانية وتأثره بالثقافة الفرنسية، بتأثير من أفكار إدوارد سعيد وأمين معلوف حول الهوية. فقد عاش الفنان بين فرنسا ولبنان، وكان في الوقت عينه يستمع إلى مادونا وبرنس وعبد الوهاب. وأحب أن يجمع بين التقليدين لأن الموسيقى أصبحت عابرة للحدود.

تركيز على الإثارة وصورة المرأة والكادرات وحركة الكاميرا

تطغى على العمل الموسيقى الإلكترونية الشرقية. حول هذه اللمسة الإلكترونية الشرقية التي أضفاها على الأغنيات القديمة، يقول ريّس بيك: «كثيرون لا يحبون أن نمسّ بالتراث. يرونه أشبه بإهانة. مع العلم أن الأغنيات هي بذاتها كانت تحمل التأثير الغربي. مثلاً، نسمع في أغنيات أسمهان الكثير من التانغو والسلسا. أما على الصعيد التقني، فمن الضروري إيجاد صلة وصل ذكية بين الموسيقى الالكترونية والعربية كي لا يشعر المرء أنها مركّبة، فنحصل بالنتيجة على أغنية جديدة. لا يتعلق الأمر هنا بإلصاق إيقاع غربي بالأغنية فحسب».
نلاحظ تأثر قديح الدائم بالسينما والصورة في مشاريعه الموسيقية. والسبب يعزوه إلى الأهمية التي اكتسبتها الصورة في حياتنا اليوم، مضيفاً: «نحمل تلفزيوناً في جيبنا اليوم، ونشاهد أفلاماً صغيرة كل يوم. أحب أن تكون هذه الصورة موجودة أيضاً على المسرح». من جهتها، تروي ميرزا لـ «الأخبار»: «بدأ كل شيء عندما رغبنا في العمل على مشروع معاً وائل وأنا. التقينا مرّة في مرسيليا وكان يعمل على مشروع أغنيات عربية، فقررت أن أرى ما الذي أملكه من أفلام وأشرطة في المكتبة العربية. بحثت عن مواد بصرية يمكنني أن أستعملها، واطلعت على الكثير من الحفلات والأشرطة المصورة حتى وصلت إلى السينما المصرية. ووجدت أن الخيار صائب لأنّ الكثير من تلك الأغنيات يأتي من السينما، كما أنّ هذا الأرشيف واسع جداً».
المشروع الذي بدأ الفنانان تقديمه عام 2014 مرّ في مراحل عدة، كما طرأت عليه الكثير من التعديلات. في البداية، كانا وحدهما على المسرح، وسرعان ما أيقنا أن العرض سيكون أجمل بكثير لو أتيا بموسيقيين أيضاً. يصرّ قديح على أن العرض كلّه مباشر ولا يجرى تحضيره مسبقاً، بمعنى أن تلاعب ميرزا بالصورة وهو بالأصوات الالكترونية المجددة، كلّها مؤداة على المسرح مباشرة، يُضاف إليها عزف الموسيقيين الحيّ. عن تلك التغييرات، تقول ميرزا: «أضفنا 5 أغنيات وموسيقيَين على المسرح، كما أزلنا بعض الأغنيات الأخرى. توزّعت الموسيقى، ولم تعد عبر الكومبيوتر فحسب. الشكل أصبح ممسوكاً وأكثر سلاسةً وأطول. التغيير طرأ على الإيقاع بشكل خاص أكثر منه على المضمون».
آلية العمل بين الفنانين تقارنها ميزرا بلعبة كرة الطاولة: «أعطاني وائل أغنية في البدء وركّبت الصور عليها. ثم كنت أنا من يرسل إليه فيلماً، وكان يركّب عليه أغنية. لم نأخذ أغنيات كاملة. عملنا لستة أشهر بهذه الطريقة، وعندما التقينا لأسبوعين في برلين، جمعنا العمل وأعطيناه شكله الحالي».
من أجل اختيار مقاطع الأفلام والفيديوهات، شاهدت ميرزا نحو 100 فيلم مركّزة على أمور معينة في المقاطع التي اختارتها، كالإثارة وصورة المرأة والكادرات وحركة الكاميرا، كما حرصت على ألا يكون هناك حركة شفاه في المشاهد المختارة.

* «غرام وانتقام» لريّس بيك ورندا ميرزا: 22:00 مساء الأحد 11 كانون الأول ـــ «ستايشن»