عظامنا خفيفة الوزن، صلبة ومقاومة للكسور. تأتي هذه الخصائص نتيجة البنية الهرميّة التي تتشكّل منها العظام، إذ تصطفّ ألياف الكولاجين بشكل صفائحيّ بمقياس "نانوي"، عبر عدّة طبقات موجّهة في اتّجاهات مختلفة.
على المقياس الأكبر، تمتلك العظام بنية شبكيّة مع عدّة نماذج فراغيّة تجعلها خفيفة وقويّة. هذه البنى تؤمّن مقاومة العظم للضّغوط، كما لتمدّد الكسور والتّشقّقات في اتّجاه واحد.
من هنا، استلهم خبراء المعادن حاليّاً من بصمة الطّبيعة نوعاً من الفولاذ شبيهاً ببنية العظام النّانونيّة. يعتمد هذا الفولاذ بنية طبقيّة تميل إلى كبح الكسور من التّمدّد خارج الطّبقة التي تحدث فيها، ويحتوي على خليط من معادن مختلفة بنسب متفاوتة. بهذه الطّريقة، إذا بدأ شقّ بالتّكوّن، فعليه اتّباع مسار مختلف للانتشار، ما يقلّص فرص تمدّده. كذلك، فإنّ بعض المناطق داخل الفولاذ تكون أكثر مرونة من الأخرى، ما يساعد في امتصاص طاقة الضّغوط المتكرّرة التي يتعرّض لها الفولاذ، حتّى أنّ هذه المرونة قد تساعد في التئام الشّقوق بعد تكوّنها.
بالنتيجة، أعلن الباحثون أنّ "الفولاذ الجديد" هو أكثر مقاومةً للكسور النّاتجة عن ترهّل المعدن من الفولاذ المعهود، ما سيسمح للمهندسين باستخدامه في بناء الكثير من المعدّات والبنى، من الجسور وناطحات السّحاب حتّى الغوّاصات والمركبات الفضائيّة الّتي ستصبح أقل تأثّراً بالفشل الكارثيّ الذي يمكن أن يحدث بسبب كسر صغير يتحوّل إلى انشقاق هائل، ما سيسمح بتسهيل مهمّاتها وخوض تجارب متقدّمة في ظروف كانت لتكون حرجة قبل هذا الاختراع. وهنا تفتح التّكنولوجيا والتطوّر إمكانيّة سبر أغوار الكثير من البيئات الّتي كانت سابقاً خطرة أو حتّى مستحيلة، وبالتّالي اكتشاف المزيد من الحقائق والمعلومات، حلّ مسائل علميّة مختلفة، كما طرح أسئلة ومعضلات جديدة.
سيسمح هذا الاكتشاف أيضاً بتسهيل الكثير من الأمور الحياتيّة في المجتمع، آنيّة كانت أو يوميّة مستمرّة، فناهيك عن الحلّ الجزئيّ لأحد أسباب حوادث الطّائرات، يمكن أن يساهم هذا الاكتشاف بتطوير الهندسة المدنيّة والمعماريّة وتخفيض كلفتها عبر تطوير بناء ناطحات السّحاب والاستثمار فيها، أي الاستفادة بأكبر قدر ممكن من المساحة الإجمالية على أصغر مساحة أفقية ممكنة.