يعدّ اكتشاف مجموعة شمسية جديدة تدور حول نجم يبعد حوالى 40 سنة ضوئية عن الأرض خرقاً نوعياً، وخاصة أن مسافة 40 سنة ضوئية تعتبر في المقاييس الكونية قريبة جداً في كون شاسع يمتد على مسافات تزيد على عشرة مليارات سنة ضوئية. كما أن اكتشاف كواكب شبيهة بكوكبنا قفزة نوعية احتفت بها الأوساط العلمية خلال الأيام الماضية.
من بين الكواكب السبعة التي تتشكل منها المجموعة الشمسية الجديدة المكتشفة، ثمّة ثلاثة كواكب مثالية لأنها كواكب صخرية ذات أحجام أرضية وتقع على مسافة محددة من شمسها، بحيث تتوفر فيها درجات حرارة مماثلة للأرض أو أقلّ قليلاً، ما يسمح بتشكل محيطات من الماء، وبنشوء الحياة وتطورها في هذه المحيطات أو خارجها. واللافت أن عشرات السنوات من الرصد والبحث الدقيق لم تظهر سابقاً تركزاً لهذا العدد الكبير من الكواكب ذات الشروط الملائمة للحياة حول نجمٍ واحدٍ. توفر هذه الشروط لا يعني تلقائياً أن أشكالاً معينة من الحياة العضوية توجد هناك فعلاً، وهذا ما سوف يشكل المادة البحثية المقبلة للعلماء الذين سوف يستفيدون من تيليسكوبات جديدة قيد التطوير، ووسائل رصد حديثة لمحاولة دراسة الغلاف الجوي لكل من هذه الكواكب. فالتركيبة الكيميائية للغلاف الجوي سوف تعطي مؤشرات قوية حول طبيعة الحياة أو عدمها على سطح كلّ كوكب منها. فوجود الأوكسيجين بالمقدار الملائم، سوف يعني احتمال وجود حياة عضوية، وهذا ما سوف يتبينه العلم خلال عقدٍ من الزمن.

المساحة القابلة للحياة

تدور هذه المجموعة الشمسية المكتشفة حول نجمٍ اسمه «ترابيست واحد» (Trappist 1)، وهو نجم لا يزال في أولى مراحل تطور النجوم لأنه يحرق وقوده الهيدروجيني بسرعة بطيئة جداً، وهو ما يمكنه من الاستمرار على حالته الراهنة من الإشعاع لتريليونات السنوات. يبلغ قطر هذا النجم حوالى 12% فقط من قطر الشمس ووزنه حوالى 8% من وزنها، ولذلك تسمى هذه النجوم «النجوم القزمة». اكتشف هذا النجم عام 2010 خلال عملية مسح كان يقوم بها العلماء للبحث عن النجوم الصغيرة القريبة نسبياً من الشمس. وبعد مراقبة حثيثة لحركة هذا النجم ولعشرات النجوم الأصغر القريبة منه، تبين للعلماء وجود هذه الكواكب السبعة، وقاسوا مداراتها حيث وجدوا أنها تقع على المسافات المثلى لتوفر الماء بالنسبة إلى نجمها المركزي trappist 1، وعلى الأخص ثلاثة كواكب منها. فلو كان الكوكب أقرب من مسافة معينة بالنسبة إلى شمسه، لارتفعت حرارته ولاستحال وجود ماء سائل ومواد عضوية عليه. ولو كان الكوكب أبعد من مسافة محددةٍ نسبةً إلى شمسه، لتجمد كل شيء على سطحه بسبب البرودة، ما يمنع أيضاً تطور أشكال الحياة العضوية. لذلك توجد حول كل نجمٍ مساحة معينة، مرتبطة بقوة إشعاع هذا النجم تحديداً، تسمى المساحة القابلة للحياة التي تتوفر فيها فرصة وجود البحار والمحيطات والحرارة الملائمة لتشكل المواد العضوية وتطور الحياة، مع العلم بأن الكثير من النجوم لا توجد حولها أية كواكب ضمن هذه المساحة الملائمة للحياة. أما أن تجد رزمةً من الكواكب في هذه الظروف المناسبة حول نجم يعتبر قريباً جداً من الشمس، وفق المقاييس الكونية، فتلك تعتبر جائزة بحثية كبرى لأي عالم فلك.

استنتاجات لافتة

من دراسة هذا النجم والكواكب التي تدور حوله، يتبين لنا العديد من الاستنتاجات اللافتة. أولها أن هذا النجم لديه إشعاع ضوئي مرئي منخفض جداً، أي أن الضوء المرئي المنبعث منه أقل بحوالى 200 مرة من الضوء الصادر عن شمسنا. إلا أن قرب كواكبه منه إلى مسافات تقل عن 100 مرة عن المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس، بالإضافة إلى أنه يبث كمية كبيرة من الأشعة دون الحمراء غير المرئية، يجعل مجموع الطاقة الصادرة عنه كافية لتسخين هذه الكواكب لدرجات حرارة قريبة من حرارة الأرض. وهذا يعني من ضمن ما يعنيه أن الضوء على سطح هذا الكواكب خفيف جداً مثلما يكون عند الغروب أو الشروق على سطح الأرض دون السطوع القوي الذي نعرفه منتصف النهار، لكن مع كميات متقاربة من الطاقة والحرارة. والملاحظة الثانية أن كميات الأشعة ما فوق البنفسجية وأشعة إكس توازي تلك التي تبثها الشمس، وبالتالي بوجود غلاف جوي مناسب لن تؤدي هذه الإشعاعات إلى نتائج سلبية على احتمال وجود حياة عضوية عليها.

الضوء المنبعث من
النجم أقل بـ200 مرة من
المنبعث من شمسنا

وتشير الدراسات إلى احتمال أن تكون فترة دوران كل من هذه الكواكب حول نفسه مساويةً لفترة دورانها حول شمسها، ما يعني أن وجهاً واحداً منها سيبقى مواجهاً للشمس دائماً، فيما الآخر معاكس لها. وهذا يؤدي إلى وجود نهار دائم على جهة، يقابله ليلٌ دائمٌ على الأخرى، مع ما يرافق ذلك من اختلاف دائم في درجات الحرارة بين الجهتين وما يمكن أن يولده هذا الفارق من رياحٍ قوية دائمة على سطحه.
ووفق الحسابات الفيزيائية، سوف يرى الناظر ــ المتخيل ــ الشمس القريبة منه أكبر بعشر مرات من شمسنا بسبب قربها الكبير، رغم أنها في حقيقة الأمر أصغر بكثير. أما الكواكب السبعة الأخرى، فستظهر وتغيب كل حين خلال دورانها المستمر حول الشمس بحجم القمر التابع للأرض أو ضعف ذلك أحياناً. هذه المشهدية الرومنسية هل هي مجرد خيالٍ، إذ إن تطور الحياة في ظروف معينة، إن وُجدت، سوف يكون مرتبطاً بتلك البيئة الخاصة، وبالتالي سوف تكون كل أشكالها مختلفة عما نعرفه عن الحياة العضوية على الأرض.

المراقبة والرصد

يقوم التلسكوبان «هابل» و»سبيتزر» بدراسة الغلافات الجوية لهذه الكواكب التي نحتاج إلى دراستها بشكل معمق، وسوف تقوم التيليسكوبات المستقبلية مثل «تيليسكوب جايمس وب (James Webb)» الذي سيدخل الخدمة العملانية العام المقبل و»التيليسكوب الأوروبي الكبير» المتوقع بدء استخدامه حوالى عام 2024، بمتابعة مؤشرات أساسية داخل الغلاف الجوي لكل منها للبحث عن آثار وجود الأوكسيجين، وهذه هي المهمة المقبلة أمام علم الفلك في دراسة هذه الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية. أما التقنية المستخدمة للمراقبة فهي ترتكز على فكرة مراقبة النجم المضيء وانتظار مرور الكوكب أمامه، ما يعطي فرصة لرصد شكله وغلافه الجوي وتأثيراته الجاذبية، وبالتالي وزنه، بالإضافة إلى بعده عن الشمس وتكوين سطحه. ومع تطور التيليسكوبات والتقنيات، وبسبب قرب هذه المجموعة من الكواكب إلينا، سوف يحمل المستقبل القريب المزيد من الاستنتاجات والمعطيات حولها. قد تصبح هذه المجموعة الجديدة «مختبراً» فضائياً لدراسة ظروف تشكل وتطور الكواكب الصخرية وخصائصها التي قد تختلف مصائرها بشكل دراماتيكي بسبب اختلافات بسيطة في الحرارة والموقع والغلاف الجوي.

مليارات الكواكب المحتملة

اكتشف أول كوكب خارج مجموعتنا الشمسية عام 1992. ومنذ ذلك الحين، تمكن علماء الفلك من رصد أكثر من 3500 كوكب تابعة لأكثر من 2500 نجم، وهي كواكب موثقة ومدروسة وفق التقنيات المتوفرة. لكن الدراسات تشير إلى أن حوالى 20% من النجوم ذات الأحجام القريبة من حجم الشمس لديها كواكب ذات أحجام قريبةٍ من حجم الأرض وعلى مسافات ملائمة للحياة. وإذا صحت هذه النسبة على امتداد مجرّتنا، فهذا يعني احتمال وجود حوالى 40 مليار كوكب ذات ظروف مناخية قريبة لظروف الأرض في مجرة درب التبانة وحدها! لذلك لا يعتبر هذا الاكتشاف مفاجئاً في هذا السياق، لكنه اكتشاف شديد الأهمية بسبب وجود عدة كواكب ملائمة للحياة، والأهم أنها قريبة نسبياً من الأرض ويمكن مراقبتها ودراستها بشكل أعمق من غيرها. وفيما كان العلماء يبحثون عن هذه الكواكب حول النجوم ذات الحجم المشابه لحجم شمسنا، دون أن يعيروا اهتماماً للنجوم الصغيرة وهي كثيرة في مجرتنا، سوف يدفع هذا الاكتشاف إلى إعادة النظر بهذه المنهجية، وسوف يتوجه علماء الفلك لمراقبة «النجوم القزمة» لأنها أيضاً أمكنة محتملة لوجود كواكب ذات ظروف مناسبة لتكوّن الماء وأشكال مختلفة من الحياة.




ثلاثة كواكب صالحة للسكن

سبعة كواكب بحجم الأرض، ذات تركيبة صخرية ومناخ معتدل، تدور حول النجم نفسه بشكل محكم وقد تحتوي على مياه، هذا ما كشفت عنه وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، الأربعاء الفائت، في مقرها الرئيسي في واشنطن، لتطلق موجة جديدة من التكهنات حول وجود غيرنا في هذا الكون.
ثلاثة كواكب من المجموعة المكتشفة موجودة في المنطقة القابلة للسكن ضمن نطاق النجم هي TRAPPIST-1e وTRAPPIST-1f وTRAPPIST-1g. وتشير تقديرات كتلة هذه الكواكب إلى أنها كواكب صخرية ويمكن أن يكون هناك محيطات على سطحها، مع العلم بأن الكواكب السبعة جميعها قد يوجد فيها مياه مع وجود غلاف جوي صحيح، إلا أن الاحتمال مرتفع بشكل كبير في هذه الكواكب الثلاثة. ونقل موقع CNN أن الباحثين يعتقدون أن TRAPPIST-1f على وجه الخصوص هو المرشح الأفضل لأنه يكون فيه حياة. فهو أبرد قليلا من الأرض، لكن يمكن أن يكون مقبولاً مع وجود غلاف جوي صحيح وغازات دفيئة كافية. ويقول أموري تريود، أحد واضعي الدراسة وعالم الفلك في جامعة كامبريدج، إنه «لا يعتقد أنه في أي وقت مضى كان لدينا الكواكب المناسبة لمعرفة ما إذا كان هناك حياة. ولذلك إذا تمكنت الحياة من أن تزدهر وأن نجد غازات مشابهة للغازات الموجودة على الأرض فسنعرف». فالحياة قد تبدأ وتتطور بشكل مختلف على الكواكب الأخرى، لذلك فإن العثور على الغازات التي تشير إلى الحياة هو أمر أساسي.

* للاطلاع على فيديو الـ»ناسا»: