يتصرف الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري ورئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون، على قاعدة ان عون اصبح رئيسا للجمهورية، قبل ان تدور صندوقة الاقتراع على النواب للادلاء باصواتهم. الا ان الايام الفاصلة عن جلسة الانتخاب، تعطي مجالا اكثر للممانعة التي يبديها كل من بري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيه، قبل ان يتّضح اكثر موقفهما بعد الانتخاب. رغم ان لكل منهما أسبابه التي يتذرع بها في استمراره بموقفه المعارض لتسوية استخف بها بعض السياسيين لاسباب "شخصانية" تتعلق بموقفهم المعارض لعون، فاذا بها تحظى بتغطية اقليمية ودولية.
تصعيد بري لتحسين شروط التفاوض ليس في الحكومة وحدها بل في ادارة الحكم
لا يتوجه بري في شكل اساسي ضد عون، رغم كل العوامل الشخصية والسياسية بينهما. فبعد سريان مفعول التسوية والاقتناع بأن عون صار رئيسا للجمهورية، قبل 31 تشرين الاول، فان استمرار بري في معاندته لا ينفجر في وجه الرئيس الجديد، بقدر ما يطاول فريقين: حزب الله والحريري. واذا كانت المعركة مع عون في الايام المقبلة "شكلية"، فان بري يريد من الحزب من الآن موقفا حاسما وضامنا اكثر لدى عون، كي لا يذهب الاخير، وهو الآتي بعد انتظار عقود، الى رئاسة الجمهورية، الى إحداث اي متغيرات جوهرية في التركيبة القائمة. وتصعيد بري لتحسين شروط التفاوض ليس في الحكومة وحدها بل أيضا في ادارة الحكم التي يردد عون منذ سنوات نيته في تغييرها. ولان الحزب لا يريد اي ذبذبة حالية، لا في الوضع اللبناني العام، ولا في الوضع الداخلي الشيعي، او العلاقة مع بري، فانه يجد نفسه واقعا تحت ضغط رئيس المجلس النيابي، الذي يريد بعد فشله في ايصال المرشح الذي يزكيه، تحصيل مكاسبه في العهد الجديد. ومن هذا الموقع قد يجد الحزب نفسه، تحت وطأة تصعيد بري، مضطرا الى ان يضغط اكثر في اتجاه عون فلا يتجاهل ما يريده رئيس المجلس.
وممانعة بري اليومية ايضا موجهة ضد الحريري، الذي تخطاه في تسوية مزدوجة. وهي رسالة قوية وواضحة لرئيس الحكومة المكلف سلفا، للحفاظ على مكتسباته التي حصل عليها بالتعاون معه ومع خلفه وسلفه، اضافة الى الامتيازات التي نالها ايضا، ولا سيما في المجالس والمؤسسات والصناديق التابعة لرئاسة مجلس الوزراء. فبري يستشعر خطر عون، ولديه خوف من ان يتمسك بما كان يردده من فصل للسلطات ووضع حدود لكثير من الاعراف الخارجة عن السياق الفعلي لادارة الحكم كما يراها عون.
بدوره يستمر فرنجيه هو الآخر في اظهار اعتراضه على التسوية والاتيان بعون رئيسا. علما ان بري وفرنجيه كانا مشاركين مع عون وحزب الله حين كلف عون من جانب قوى 8 آذار متابعة ملف رئاسة الجمهورية. الا ان فرنجيه يريد ايضا من خلال بقائه على تصلبه، القول انه لا يزال موجودا بقوة في الساحة السياسية، بعدما دخل رسميا الى نادي المرشحين الاوائل لرئاسة الجمهورية، وهو يراهن في "لاوعيه" ايضا على ان يكون المرشح الاول بعد عون. ويوجه فرنجيه ايضا رسائله "التصعيدية" لحليفه حزب الله، كما يفعل بري، لضمان موقعه في سنوات العهد الجديدة.
وهنا يكمن سر علاقته مع الحريري، فرغم ان الحريري هو الذي تخلى عنه بعدما رشحه قبل سنة من الان، الا ان فرنجيه يهادن رئيس الحكومة الجديد في شكل واضح ويصر على ابقاء التحالف معه وخطوط التواصل والصداقة مفتوحة، على عكس تصرف بري مع الحريري، لاسباب تتعلق ايضا بمصير التحالفات والعملية الانتخابية في الشمال.
كيف يتصرف الحريري ازاء ذلك؟ يريد رئيس تيار المستقبل بطبيعة الحال العودة الى السرايا الحكومية من خلال هذه التسوية التي شبكت خطوط العلاقة الجديدة مع عون، لكن الحريري يريد ايضا "الرجوع الى صلب 14 آذار". اذ لم يعد من مصلحته بعد التسوية، ان يبقى في الخط الذي ارتضاه حاليا بهدف انضاج التسوية، لانه سيكون اكثر حاجة الى القوات اللبنانية ورئيسها الدكتور سمير جعجع، الذي سيعود هو ايضا الى الحكومة، بحصة يريدها وازنة، عند اي اشتباك او اختلاف بوجهات النظر مع الرئيس الجديد وفريقه. وهو بذلك يرضي اكثر من طرف: السعودية لانه لم يخرج من خط 14 آذار، ولم يسلّم كل اوراقه، وعاد الى التواصل مع حليفه جعجع الذي تربطه علاقة جيدة بالمسؤولين السعوديين. وكذلك فانه يعيد شيئا من التوازن مع الشارع السني باستعادة علاقته مع المسيحيين، حلفائه في قوى 14 آذار، وخصوصا على ابواب الانتخابات المقبلة.
وحده النائب وليد جنبلاط سيكون متفرجا مع انطلاقة العهد في مراحله الاولى، وسيقف على الحياد، بعدما شارك في تسهيل التسوية. وهو سينتظر كيفية تركيب التوازنات الجديدة داخل مجلس الوزراء وكيفية ادارة عون للعهد الجديد، ومواقف بري وحزب الله والحريري طبعا. ومع مراقبته لتطور مسار التسوية، يمكن لجنبلاط حينها التموضع في المكان المناسب، ويرسم مجددا اصطفافه حتى يحافظ على اكبر قدر من المكاسب، التي سبق ان حصل عليها في الاعوام الماضية.