ماذا بعد القاع؟ وما حقيقة المعلومات التي تتحدث عن أهداف محددة في مناطق مختلفة من شمال لبنان إلى جنوبه، خصوصاً أن كل الدلائل تشير إلى أن ما يُعَدّ للبنان أكبر من أن يُحصَر في نقطة جغرافية محدّدة؟ بحسب المعطيات التي يتناقلها أمنيون ومسؤولون في السلطة السياسية، فإن الحديث عن أعمال إرهابية في لبنان لم يعُد سيناريو محتملاً وحسب، بل «خطّة عمل كانت جريمتا القاع بداية لها». المثير للقلق بحسب مصادر وزارية أن المؤشرات الأولية للتفجيرات التي وقعت ترجّح دخول لبنان دائرة الصراع والاستهداف عبر موجات تستهدف عدداً من الدول، بعدما قرر تنظيم "داعش" الهجوم أمنياً في عدد من الدول، نتيجة تراجعه العسكري في سوريا والعراق. وأكّدت المصادر الوزارية وأخرى أمنية أن خلفية الأحداث الأمنية تشير إلى «انتقال لبنان من مرحلة محاولة مناكفة حزب الله من قبل التنظيمات الإرهابية، إلى مرحلة تنفيذ عمليات تمسّ الأمن اللبناني برمّته، في مناطقه كافة، والتركيز على إرهاق الجيش عبر زجّه في أحداث أمنية متنقلة». وكشفت المصادر أن «أمن مطار بيروت عاد إلى الواجهة، خصوصاً بعد العمل الإرهابي الذي طاول مطار إسطنبول»، مشيرة إلى أن «وزارة الأشغال بدأت تدفع باتجاه اتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية في محيط المطار وداخله»، علماً بأن موضوع أمن المطار سبق أن حذر منه وزير الداخلية نهاد المشنوق في أكثر من مناسبة. ولفتت المصادر إلى وجود معلومات سابقة عن إمكان تعرّض المطار لحدث أمني ما، تعزّزت بسوابق في المنطقة، سواء باستهداف الطائرة الروسية فوق سيناء قبل أشهر، أو بالهجوم على مطار أتاتورك قبل يومين.
الحدث الأمني تخطى «مناكفة» حزب الله إلى استهداف الأمن اللبناني برمته
من جهة أخرى، أبدت مصادر وزارية استياءها من القوى السياسية التي تعاملت مع الحدث الأمني الخطير في البقاع الشمالي «كما لو أنه استحقاق انتخابي». ووضعت المصادر تصريحات بعض القوى السياسية في سياق المزايدات، معتبرة أن «أسلوبهم في التعاطي مع الحدث يشكّل أحد مظاهر انهيار المؤسسات الرسمية». وهذا الانهيار ظهر بصورة جلية، من جهة أخرى، في ردة الفعل الباردة التي تعاملت بها السلطة مع الاعتداءات التي تعرّضت لها القاع. فحتى اليوم، لم تتخذ السلطة أي إجراء عملي، باستثناء المعتاد، من كلام عن تدابير أمنية وعدم التمهيد لأي ردّ عملي على الإرهاب يتخطى "المعتاد"، رغم أن المسؤولين يجزمون بأن ما يواجهه لبنان هذه المرة هو أخطر من كل ما سبق أن مرّ به في الأعوام الماضية. وفي هذا الإطار، علمت "الأخبار" أن عدداً من الوزراء سيطرحون مجدداً على الطاولة الحكومية قضية القاع والتدابير الأمنية في البقاع الشمالي، تتمة لمناقشات جرت في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، «ولن يقبلوا أن يكون انعقاد المجلس عادياً لمناقشة جدول أعمال عادي، فيما قضية القاع لم تنته بعد».
وفي إطار المزايدات التي لم تتوقف، وجّه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أمس كلمة إلى أهالي القاع قال فيها: «تذكروا أن قدرنا في هذه البقعة من العالم هو أن نكون دائماً واقفين في سبيل ما نحب ومن نحب. تذكروا أن قضيتنا معقودة لنصرة الحق، ولبنان الجديد سينتفض من تحت رماده، والجمهورية القوية آتية، لتحقق لنا كل أحلامنا. فما من قوة شر تستطيع اقتلاعنا من أرض آبائنا وأجدادنا حتى ولو جندت معها كل أصناف الانتحاريين». وفي تبرير للمظاهر المسلحة، أكد أن «سيف الحق الذي أجبرتم على امتشاقه عندما دق خطر الظلم والإرهاب باب بلدتكم، هو لمساندة القوى الشرعية في صدّ الاعتداء ليس إلا». وكان رئيس بلدية القاع بشير مطر، قد رأى في تصريح على هامش تشييع شهداء القاع، أنه يجب أن «يكون هناك خطة استباقية للوضع الأمني». ورأى أن «الشهداء سقطوا دفاعاً عن لبنان، ولكن من غير المسموح أن تُعاد الأمور، وحين نشعر بالخطر لن نسأل عن أحد، ولكن حتى الساعة نحن بإمرة الجيش اللبناني، ولولا السلاح بيد ابن القاع، لكان الانتحاري قد فجّر بكثير من الناس، ونحن متمسكون بسلاح الشرعية، ولكن نحن لا نقبل أن يتعدى أحد على أرضنا».
بدوره أكد الوزير أشرف ريفي أن «أي إنسان تعرض وجوده في أرضه للخطر لديه حق بالدفاع عن أرضه وردة الفعل لأهل القاع العفوية مبررة»، متوجهاً بتحية «لأهالي البقاع الشمالي وخاصة أهالي القاع وأتفهّم صورة السلاح الفردي الذي رأيناه، على ألا يتكرر».
من جهة أخرى، شدد رئيس مجلس النواب نبيه برّي على «وحدة الصف اللبناني في مواجهة الخطر الإرهابي التكفيري»، مشيراً إلى أنّ «من نقاط الضعف التي يعاني منها لبنان هو هذا التشتت الذي نشهده، والأزمة السياسية المتمثلة بغياب وشكل مؤسسات الدولة». وقال في لقاء الأربعاء النيابي إنه «في مقابل الاستهداف الانتحاري الإرهابي لأمن واستقرار لبنان نحن نمارس انتحاراً منذ أكثر من سنتين ونصف من خلال الشغور الرئاسي وتعطيل المؤسسات». بدوره، دعا رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، الدولة إلى أن «تتخذ القرار الحاسم بتوجه الجيش إلى جرود القاع ورأس بعلبك لحماية المنطقة، وإلا فإننا كمن لم يفعل شيئاً».