نوالا ني كروهور * ترجمة: أماني لازار
تقرعين الباب وتنادين: «خدمة الغرف». وسرعان ما تدخلين، إذ إن أحداً لم يجب. يخطر لك أحياناً أن تمرّري بطاقة المفتاح كي تضبطي الناس وهم يقدمون على فعل أشياء قميئة وراء الأبواب المقفلة. وجلَّ ما شهدته حسبه انكفاء للخلف مقترناً بـ«أوه» كتعبير عن الصدمة.
أنت تحبين رجال الأعمال. حضورهم الخفيف، كرمهم. قبل أن تدفعي عربتك كل صباح، تتفحصين قائمتك. القائمة هي خريطتك اليومية: الكثير من المغادرين سيكون يوماً قاسياً، الكثير من المقيمين يعني عملاً خفيفاً. إذا كان المقيمون من رجال الأعمال، فهذا أفضل: إنهم يستلقون على جانب واحد من السرير، بالكاد يتكئون على المخدة. يستعملون منشفة واحدة ولا يعبثون بمواد التزيين. تهمهم مكنسة الهوفر الكهربائية بكسل والتلفزيون يعمل، بعض جلوس، ومن ثم قومي بنزع الشعرات القليلة المبعثرة على السرير وفي الحمام، ويكون العمل منجزاً.
أنت تحبين العوائل أيضاً، تتذمر الأخريات منها ــ السير في الرمل، الفوضى ــ لكنهم يخلفون وراءهم ألعاباً تحتفظين بها من أجل فتاتكِ. نادراً ما أخذت إلى البلاد دمىً محببة، كتباً مصورة حلوة وجميع الأشكال من الدلاء والمماسح.
العشاق هم من تكرهين: هذه شوكولا على الشراشف المرتبة، قشور فراولة مهروسة على السجادة، كؤوس شمبانيا رغوية، وكومة من المناشف المبللة. يتركون شعراً يسد البالوعة وأشياء تعوم في المرحاض، إنهم شاردو الذهن. العشاق مهملون متهورون والأنذال لا يدفعون بقشيشاً.

تتولّين طوال هذا الأسبوع أمر الغرفة 313. تقول مارتا الرئيسة، ليس من الطبيعي أن تكون في فندق غرف تحمل الرقم 13 على بابها وهي ترفض دخولها حتى. لكن الغرفة 313 هي غرفتك المفضلة، غرفة حظك.
إنها غرفة بقشيش المئة جنيه، وهذا ما احتفظت به سراً لأنك لو أخبرت الأخريات عن الأمر سيثرثرن كثيراً، وحينها ستسبقك مارتا إلى الغرف كانسةً بقاشيشك جميعاً. تحسبين أنها ستشفى من رهاب الرقم 13 بسرعة كبيرة. أحببت هذه الغرفة منذ أن حصلت على بقشيش المئة جنيه، يبدو أنها تعجُّ بالطاقة. المقيمة الحالية سيدة أعمال، أطلقتِ عليها اسم كوكو. لملابسها جميعاً لونان، الأسود والأبيض، كما ثيابها الداخلية أيضاً، ترتدي سراويل تحتية سوداء بحواف بيضاء ناعمة نعومة بشرة الرضيع تحت أصابعك، بل كانت أكثر نعومة عندما خلعت بزتك وجربت واحداً منها. عطر كوكو هو عطر الليمون الحلو يأتي في قارورة معدنية صغيرة تمسحينها بعد أن ترشي منها لأن بصمات أصابعك قد لطخت فضتها.
تقفين عند نافذة الغرفة 313 وتنظرين تحت. إنها تمطر هنا طوال الوقت، غطاء رمادي يحجب المكان ونادراً ما ينقشع. حتى البحر داكن ــ يرغي ويزبد، ضباب رقيق. تفكرين بابنتك وتتساءلين كيف يبدو صوتها الآن، إنها صامتة على السكايب هذه الأيام، تحدق بك كما لو أنك غريبة. تقول أمك إنها تثرثر كثيراً، لكنك لم تسمعي كلمة من فمها طوال أشهر. أنت تفتقدينها كما لم تحسبي أنك ستفعلين عندما غادرت يالطا. سوف تضحّين بأي شيء مقابل احتضان جسدها الصغير بين ذراعيك ووضعها في السرير ليلاً، وتربيت كتفها إلى أن تغفو. ستودّين لو ترين يقظتها بشعرها الحرير وكفّها الصغيرة المكتنزة تحت خدها.
في الغرفة 313 طمأنينة تجعلك تتباطئين. تتحولين من النافذة وتبدئين بترتيب عشوائي، لا تتسبب كوكو بكثير من الفوضى. ترتبين أغطية السرير، تصلحين ثنيات الستارة، وتفرغين سلة المهملات. تبقين لفترة في غرفتها، جالسة على الكرسي بجوار النافذة، تتلذذين بالمكان المريح، المشهد الباعث على السكينة للشاطئ. للغرفة 313 رائحة لطيفة دوماً، أياً كان من يقيم فيها، ممرات الفندق نتنة وتتسبب لك بالغثيان. كم تتمنين أن تجلبي ابنتك إلى الشاطئ، حتى في يوم ماطر، لتجعلي الماء يبلل أصابع قدميها. ومعاً يمكنكما خدش الرمال الرطبة بأصابعكما لتبنيا قلعة رملية كبيرة.
تجلسين على مرحاض كوكو. تسمعينها تدخل وعليك التوقف عن قضاء حاجتك والتظاهر بأنك تنظفين الحوض، فلا يخامرها شك. تفتحين باب الحمام وهي واقفة، تحدق.
«أوه، إنه أنت فقط»، تقول ضاحكة. تفتح النافذة وتشعل سيجارة. «أنا المدخنة الوحيدة في المؤتمر. شعرت كما لو أني منبوذة، لذا فقد صعدت إلى هنا لأدخن سيجارة. أتريدين واحدة؟».
تهزين رأسك. «سأعود لاحقاً، كنت على وشك الانتهاء بأية حال».
«لا، لا، لا أودّ مقاطعتك».
تأخذين علبة التلميع وتبدئين برشها ومسح الغبار عن أبواب الخزانة، وأنت تعلمين بأنها تتبعك بعينيها. يختلط دخان السيجارة مع الملمع وعطرها الذي عطرتِ بشرتك به أخيراً.
تمضي كوكو نحو الخزنة وتنقر الرقم السري، تخور الخزنة كعجل لدى اهتزازها وانفتاح بابها. تخرج عقداً من اللؤلؤ وتلوّح به.
«ما رأيك بهذا؟» تقول.
«جميل».
«تعالي. جربيه».
«أوه، لا، لا أستطيع».
«رجاءً»، تقول، مشيرةً إلى المرآة، فتقفين أمامها.
تنتقل لتصبح خلفك وتشعرين بالحرارة تشع من جسدها. تلف يديها أمامك وتفك أزرار بزتك. تلقي باللؤلؤ البارد أمام حنجرتك وتلقط المشبك. «انظري إليها، مثل صفٍ من الأقمار، تهمس بالقرب من أذنك. لقد أتت من خليج المانار. تخيلي الغطاس، يغوص عارياً نحو قاع المحيط. تخيليه يقشر المحارة، باحثاً عن ذلك الوهج القمري». التقت عيناها بعينيك في المرآة. «تخيلي كم من المرات غطس في الأعماق ليجد كل لؤلؤة من هذا الخيط». تعبر يدها عظم ترقوتك، تمسُّ بأصابعها السُّبحة واحدة واحدة. «من أين أنت؟»، تقول.
«أوكرانيا».
«عرفتُ أن جمالك الشديد هذا ليس جمالاً إيرلندياً».
تلقي كوكو بيديها على كتفيك وتشعرين كما لو أن طائراً يلتجئ تحت جناحي أمه. تغط برأسها وشفتيها على عنقك. يمكنك أن تشعري بالبلل الناعم للسانها، تلعق بشرتك ومن ثم تعض بأسنانها عضاً خفيفاً. تغلقين عينيك وتشعرين بأن كل ما بين ساقيك متورم.
بهزة خاطفة تفك اللآلئ وتسير نحو الخزنة. ترمي بالعقد في داخلها، تصفق الباب وتقفله برقمها السري.
«لا تعرفين أبداً من سيكون متجولاً»ً، تقول، مختطفةً محفظتها من على الكرسي وتغادر.
تلتمع بشرتك حيث كان فمها.
تمررين بسبابتك على طول البقعة الرطبة وتلعقينها. تضغطين بنفس الإصبع الأرقام على لوحة الخزنة. تندّ عنها مرة ثانية آهة حيوان. تأخذين عقد اللؤلؤ وتدخلينه في جيب بزتك. لقد وضعت معه في جيبك الغواص وأدواته، صدفتي المحارة والشمس المشرقة وبحر خليج مانار الصافي الأخضر. تطفئين نور المصباح وتغلقين الباب على الغرفة 313. حبيبات الرمل التي كانتها اللآلئ يوماً في مأمن الآن بين يديك.
* نوالا ني كروهور ــ كاتبة إيرلندية من مواليد دبلن 1970 تعيش في غالاوي، شاعرة وروائية وكاتبة قصص قصيرة، حاصلة على عدة جوائز. أدرج اسمها في قائمة المرشحين للجائزة الأوروبية للأدب.