عدن | تنظيم «القاعدة» الذي كان يهدد الناس ومؤسسات الدولة على حدّ سواء، أصبح يترجم تهديداته في الآونة الأخيرة إلى اعتداءات متكررة على الافراد في مديريات كثيرة في محافظة عدن. اعتداءات وصلت إلى حدّ القتل في أحيان كثيرة، حيث عاشت المدينة منذ سيطرة قوات التحالف والمجموعات المسلحة عليها، في منتصف تموز الماضي، مسلسلاً من الاغتيالات والجرائم المتفرّقة، وصلت أخيراً إلى حدّ تدخل التنظيمات المتطرفة في الحياة العامة والخاصة لأبنائها، بعد تهديد الجامعات بتفجيرها في حال عدم الالتزام بفصل الطلاب عن الطالبات في الكليات، ما جعل بعض الكليات ينصاع لأوامر بيانات «داعش».
ونالت نساء عدن حصة وافرة من هذه الممارسات، سبقها تهديد بالضرب ورمي ماء النار (الأسيد) على وجوه الفتيات، كذلك ضُرب شاب وشقيقته في الشارع، فضلاً عن الاعتداء على الناشطين السياسيين.
عدد من الفتيات اللواتي تحدثن إلى «الأخبار» أجمعن على أن عدن «انهارت تماماً» في الأشهر الثلاثة الأخيرة، ما حوّل حياتهن إلى جحيم. فلم يعدن قادرات على الخروج أو التجوال في الشارع مثل قبل من دون أن يلبسن النقاب، خشية أن يتعرضن مرة أخرى لرش الأسيد على وجوههن مثلما حدث من قبل في ظل انتشار «القاعدة» وأنصار «داعش» وسيطرتهما في مديريات كثيرة.
ولم يكتفِ «القاعدة» بأن يعتدي على الأفراد، بل اتجه إلى تهديد سوق تجاري في مديرية المنصورة، طالباً منه فرض النقاب على العاملات فيه، وإلا فسيغلق التنظيم السوق. على الأثر توجه مدير السوق إلى الموظفات بالقول إن من تريد الاستمرار في العمل عليها أن تتنقب تجنّباً للمشاكل، ومن ترفض عليها ترك عملها.

تعرّضت الناشطة سارة
السقاف لتهديدات من «القاعدة» لكونها «سافرة»

وفي حديثٍ مع الناشطة السياسية، سارة السقاف، أكدت أن ما يحصل في عدن «شيء لا يتحمله عاقل»، لأن سيطرة «القاعدة» على المدينة باتت تخنق كل الحياة فيها، وهي التي لم تعهد وجود هذه الجماعات إلا من سنوات قليلة مضت.
وكانت السقاف قد تعرضت لتهديد شخصي من قبل «القاعدة»، لكونها «سافرة». تلك التهديدات بدأت منذ عام تتحول الى ممارسات جدية، فأصبحت الشابة اليمنية تجد تحت باب منزلها أوراق تهديد بالقتل إن لم تترك عملها في فرق الاعمار والاغاثة في أبين، وتقول السقاف: الآن أصبح الوضع أكثر سوءاً لأنني لم أستطع أن أسكت عن وجود «القاعدة» في عدن، وبدأتُ بالكتابة عنهم وفضح كل ما يفعلونه على مواقع التواصل الاجتماعي، ما زاد من تهديداتهم بقتلي وتخليص الناس من كفري، بحسب قولهم».
السقاف لم تعد تحصي عدد التهديدات التي وصلتها لكثرتها. وكان عناصر من التنظيم المنتشر في أجزاء واسعة من أحياء عدن ومديرياتها، قد استهدفوا سيارة الناشطة اليمنية بضربة مباشرة من قذائف «آر بي جي»، في مديرية البريقة، عندما كانت تعود من ميناء الزيت بعد وصول معونات لتوزع على أسر عدن، وأدّت الضربة إلى إحراق السيارة وتدمير زجاج المحل التي ركنت السيارة بجواره.
سارة ما زالت متمسكة بمواقفها السياسية والفردية، وأكدت أنها ستبقى في عدن وفي منزلها على الرغم من أن رسائل التهديد لا تزال تصل إلى باب منزلها. وأضافت: تهديدات «القاعدة» تطاول كل المنتمين إلى التيارات اليسارية والعلمانية في عدن، وتستهدف الاغتيالات كوادر هذه التيارات بصورة متواصلة، وكان آخرها مقتل جمال السقاف على أيدي مسلحين مجهولين.
هذه النماذج تؤكد أن «قطار الارهاب» انطلق في عدن بصورة واضحة وشاملة بعدما كان نشاطه سابقاً متفاوتاً. يبقى الخوف أن تصبح عدن مثل لحج وكراً لعناصر تنظيم «القاعدة» ولأنصار «داعش»، بعدما كانت عدن مضرب مثل في انفتاحها وتميّزها في الجزيرة العربية، بفضل موقعها المميز وتاريخها السياسي والحضاري العريق.