«دوبرو باجالافات» و«مي فاس لوبم» عبارتان استخرجهما محمد، صاحب سوبرماركت في جبلة، من قاموس روسي ـ عربي، للترحيب بالزبائن الروس.
«بحب قول للأصدقاء الروس أهلاً وسهلاً، ونحن نحبكم بلغتهم. ودائماً القاموس قدّامي احتياطاً لأية محادثة مع زبون روسي، علماً أنو أكتر من واحد منهم فاجأني بأنو رد علي بالعربي»، يقول محمد. شأنه في ذلك شأن الكثيرين من أهالي اللاذقية الذين حفظوا عن ظهر قلب عدة كلمات باللغة الروسية يلقون بها التحية على زوارهم الذين يصادفونهم، حيث يشترون القهوة من أحد محال قهوة «العلبي»، أو ينتظرون دورهم أمام محل شاورما «اللفاح» للحصول على سندويش، الذي تبادل أهالي اللاذقية النكات حول امتلاء المشافي بضحاياه الروس «الذين لم تألف معداتهم أكلات السوريين الدسمة».
حمّى تعلم اللغة الروسية، التي تصاعدت في اللاذقية، بالتوازي مع إقامة قاعدة عسكرية في مطار حميميم كانت قد انطلقت العام الماضي، مع البدء بتعليمها لطلاب الصف السابع في بعض المدارس كلغة ثانية اختيارية إلى جانب اللغة الفرنسية، ما فتح الباب واسعاً أمام متقني اللغة الروسية لتعليمها في المدارس، إضافة إلى معاهد اللغات. كذلك بدأت الأضواء تسلط على فرع الأدب الروسي في جامعة دمشق رغم مرور 3 سنوات على إنشائه، لجهة قوة حظوظ متخرجيه في الحصول على فرص عمل. العديد من متخرجي الاتحاد السوفياتي وروسيا باختصاصات مختلفة، فضلاً عن عدد من السيدات الروسيات اللواتي جئن بصحبة أزواجهن السوريين، شكّلوا الكادر التدريسي في مدارس اللاذقية، ومنهن سيفتلانا كراسولا التي جاءت إلى سوريا عام 1977 بصحبة زوجها، زميلها في كلية هندسة تكنولوجيا الطباعة في جامعة موسكو. هو قد تعيّن مهندساً في إحدى المؤسسات الحكومية، وتفرغت هي لتربية أبنائها الثلاثة إلى أن انطلق «ماراتون» اللغة الروسية لتحصل على فرصة عملها الأولى كمدرّسة في 3 مدارس في اللاذقية. تجربة تعدّها كراسولا مهمة، وتعبّر عن «أن روسيا وسوريا قلب واحد». وتضيف: «الطلاب سعداء بتعلم الروسية، وهم مجتهدون لكن ثمة مشكلة في العدد الكبير للطلاب في الصف الذي يبلغ 44 طالباً، والمفروض ألا يتجاوز20». مشكلة يعزوها حبيب طربوش، مهندس الطيران المتقاعد الذي يعمل حالياً موجهاً للغة الروسية في مديرية تربية اللاذقية إلى «الإقبال الكبير جداً على تعلم الروسية، إلى درجة أننا غير قادرين على تلبية الحاجة للكوادر التدريسية ». ويضيف متخرّج روسيا والحاصل على دبلوم ترجمة لغة روسية: «جميع متخرجي الاتحاد السوفياتي وروسيا الاتحادية مرحب بهم ليكونوا ضمن كوادرنا التعليمية، وحالياً يوجد 2400 طالب في الصف السابع يتعلمون اللغة الروسية في 24 مدرسة في اللاذقية وجبلة، وستُدخَل الروسية في منهاج الصف الثامن في العام الدراسي 2015-2016 وتدريجاً كل عام حتى الصف الثالث الثانوي». ويصرّ طربوش على عدم الربط بين تعليم الروسية والسياسة أو التقارب بين البلدين الصديقين، بل نظراً «إلى أهمية اللغة الروسية وكونها اللغة الثانية عالمياً بعد الإنكليزية».
2400 طالب في الصف السابع يتعلمون اللغة الروسية في 24 مدرسة

معاهد خاصة عديدة أعادت الروسية، أيضاً، إلى لائحة اللغات التي تُعلمها بعد أن باتت مطلوبة من شرائح مختلفة بتكلفة تراوح بين 13500 و 50 ألف ليرة سورية لدورة مدتها 2 -3 أشهر. كذلك بدأت أقسام التدريب والتأهيل في مؤسسات الدولة بإجراء دورات مجانية للعاملين فيها، وحذت حذوها النقابات والاتحادات علاوة على المعهد العالي للغات في جامعة تشرين بتكلفة لا تتجاوز 5000 ليرة سورية لكل مستوى. «داومت بالدورة شهرين وكنا نحو 25 مهندساً استفدت بفك طلاسم اللغة الروسية يلي لفظها غريب علينا، وإضافة إلى كوني بحب اللغات بتوقع أستفيد منها بتعليم أولادي إذا اختاروا اللغة الروسية كلغة تانية بالمدرسة»، تقول المهندسة براء التي أجرت دورة الروسية مجاناً في مؤسسة المياه حيث تعمل. أما جمال، الحائز دبلوم ترجمة، والمتقن للغة الروسية، فيرى أنه وجد في «موضة» الروسية فرصته بعد 3 سنوات من البطالة، حيث باشر التعليم في معهد خاص للغات، وتقدم بطلب للتعاقد مع مديرية تربية اللاذقية التي وقعت عشرات العقود مع متقني اللغة الروسية: «إدخال الروسية في المناهج المدرسية فتح آفاقاً أمام عشرات المتخرجين العاطلين من العمل نتيجة عدم وجود فرص، والأمل كبير بإعلان مسابقات لتعيين مدرسين».
فضلاً عن الباحثين عن فرص عمل كمدرسين، يضاف إلى دارسي الروسية الطامحون إلى متابعة الدراسة في روسيا، وأصحاب بعض المحال التجارية والمطاعم الذين يطمحون إلى كسب الروس زبائن دائمين. فالروس باتوا مكوناً مهماً من مكونات المدينة، وجميع المؤشرات تدل على أن إقامتهم طويلة، ما يجعل الروسية حاجة أساسية لكل من يرغب في الاستفادة من هذه «الموجة» التي قد تنعش السوق المرهق نتيجة ضيق ذات اليد لدى السوري، الذي بات يقتصر في عاداته الشرائية على الضروريات. هذه الأسباب تضاف إلى «نبوءة» بأن التنسيق الروسي السوري العسكري لا بد من أن يتمدد ويصبح تنسيقاً في مجالات أخرى، وستكون الأولوية في فرص العمل لمن يتقن لغة الأصدقاء. أما أم محمد، الخمسينية، صاحبة كشك القهوة والشاي القريب من مطار حميميم، فهي لم تسعَ، كغيرها، إلى تعلم اللغة الروسية، بل كان لا بد لزبائنها الروس من تعلم بعض المفردات العربية للتواصل معها. ومن الطرائف التي يتداولها أهل جبلة عنها أنها طورت عملها في الكشك بعد أن دعت أحد الجنود الروس إلى مشاركتها صحن «الجزّ مزّ» (البيض المقلي مع البندورة والبصل)، فاستساغ مذاقه وصار يأتي إليها بصحبة رفاقه ويطلبون منها إعداده لهم، فتردد في كل مرة: «تكرم عينكم، عيني ربكم انتو وبوتين».