أطفال سوريا vs وزارة الشؤون... على «جناح أزرق»!

  • 0
  • ض
  • ض

تبدو فكرةُ «المناظرات» غريبة عن السوريين الذين اعتادوا رؤية «المسؤولين» في موقفِ المُنظّر لا «المُناظِر». في العاشر من الشهر المقبل ستشهد جامعة دمشق حدثاً يُمكن اعتباره سابقةً في هذا السياق. حملة «جناح أزرق» التي أطلقها قبل أيام «المركز السوري لحقوق الطفل» ستضع وزيرة الشؤون الاجتماعية وجهاً لوجه في مُناظرةٍ مع أطفال سوريا

خمسُ سنواتٍ من الحرب تحوّل أطفالُ سوريا خلالها إلى «صندوق بريد» تصبّ فيه أقذر الرسائل. ورغم أنّ مثل هذه النتيجة تبدو تحصيل حاصل في الحروب، غير أنّ الحال في الحرب السوريّة وصل حدّاً غير مسبوق يمكن معه اعتبار الأطفال السوريين «بياناً حيّاً» يوجزُ الانكشاف الأخلاقي العالمي. وفيما تتزايد بشكل مستمر أعداد الأطفال المتضررين يبدو العالم وقد اكتفى بأداء دور المتفرّج، وفي أفضل الأحوال «المُحصي» الذي يتولّى مراقبة عدّاد أرقام الأطفال الضحايا في كل المجالات. ملف الطفولة الذي كان في معظم مراحل الحرب مادة دسمة مُعدّة للمتاجرة الإعلاميّة حيناً، ولتبادل التّهم بين الأطراف المتحاربة حيناً آخر، كاد يتحوّل خلال العام الأخير إلى مجرّد «مادة مؤرشفة»، وبتزامنٍ عكسي مع استعار الميدان. انطلاقاً من هذه المُعطيات تكتسبُ حملة «جناح أزرق» التي أطلقها أخيراً «المركز السوري لحقوق الطفل» أولى النقاط التي يمكن احتسابها لمصلحتها، في انتظار ما ستُفضي إليه الحملة من نتائج. القائمون على الحملة قالوا في بيان إطلاقها إنّها تسعى إلى «حشد الدعم والتأييد وتسليط الضوء على قضايا الأطفال السوريين وهمومهم واحتياجاتهم في ظل الحرب». الحملة التي أُطلقت في العشرين من الشهر الجاري (ذكرى توقيع اتفاقية حقوق الطفل)، ستمتدّ حتى العاشر من كانون الأوّل (ذكرى توقيع الإعلان العالمي لحقوق الانسان). ووفقاً لبيان إطلاقها، من المُنتظر أن تتضمن الحملة فعاليات عدّة «إعلامية وميدانية وفنيّة وبحثية». ولعلّ أوّل ما يتبادر إلى الذهن هو التساؤل عن جدوى حملة مُماثلة، والأسباب التي تدفعُ إلى انتظار نتائج تتجاوز البحث عن «بروز إعلامي».

تفاؤل بالقدرة على حشد السوريين حول قضايا أطفالهم
يُطلق «المركز السوري لحقوق الطفل» حملته مستنداً إلى عمل ميدانيّ فعليّ راكمَه خلال عامين ونصف عام («الأخبار»، العدد 2600)، ما قد يُمثّل مُقدمةً لـ«حسن الظّن». لا تنفي مدير المركز نسرين حسن حقيقةَ أنّ «جزءاً كبيراً من الحملة إعلاميّ بحت»، لكنّها تؤكد لـ«الأخبار» أنّ «الاعلام في الحملة هو وسيلة مساعدة لإيصال الرسالة لا غاية في حدّ ذاته». إطلاقُ «جناح أزرق» بدأ بطبيعة الحال بالشقّ الاعلامي، عبر «حملة شريطة زرقا للتضامن مع أطفال سوريا» التي تسعى إلى استقطاب أكبر تأييد ودعم مُمكنين من جهاتٍ حكوميّة وأهليّة، وشخصيّات اعتباريّة. من بين المنضمّين إلى الحملة في أيامها الأولى تبرز كل من وزيرة الشؤون الاجتماعية ريما القادري، ورئيس جامعة دمشق محمّد حسّان الكردي، وعميدة كليّة التربية في جامعة دمشق أمل الأحمد، وشخصيّات فاعلة أخرى. يبدو القائمون على «جناح أزرق» متفائلين بقدرتهم على «حشد السوريين أفراداً ومؤسسات، وجمعهم حول قضايا أطفالهم». تؤكّد نسرين حسن عزم «المركز» على أن «تكون الحملة سبباً لا نتيجة، وخطوة أولى لا نهائية». وتشرح «طموحُنا أن تؤدي الحملة إلى التفاف المؤسسات والفرق والجمعيات وتعاونها، كي يؤدي المجتمع المدني والأهلي أحد الأدوار المهمة المنوطة به: الإضاءة على نقاط الحاجة والضعف ورفع المعلومات اللازمة إلى الحكومة أملاً بأن تقوم بدورها بوضع السياسات المناسبة». الجزء الأهم من الحملة هو ذلك الذي يسعى إلى «خلق منبر» لشريحة واسعة من الأطفال السوريين، وخلاصته العمل على «جمع خمسة وعشرين ألف حلم، لخمسة وعشرين ألف طفل من مختلف مناطق سوريا، بالتعاون مع الجمعيات والمدارس والفرق التطوعية»، ليُصار إلى «جمع الأحلام وفرزها» تمهيداً لمُناظرة بين ممثلٍ عن الأطفال، ووزيرة الشؤون الاجتماعية ريما القادري. وترى حسن أنّ «المناظرة ضرورة، فلدى ملايين الأطفال السوريين الكثير من الأسئلة والهواجس، ولهم الحق في المشاركة الذي تضمنه اتفاقية حقوق الطفل التي وافقت عليها سوريا، ما يضمن لهم أن يقفوا ويسألوا ويقدموا آراءهم ومقترحاتهم للقضايا المتعلقة بهم». المناظرة التي ستكون إحدى أبرز فعاليات اليوم الأخير من الحملة ستقام على مُدرج جامعة دمشق (كليّة الهندسة المدنيّة) في العاشر من الشهر المقبل. من بين عدد من الأطفال المرشحين، خلص القائمون على الحملة إلى اختيار الطفلة هبة الياسين (14 عاماً، من مدينة معرّة النعمان في ريف إدلب) لمناظرة الوزيرة القادري. أمّا المزايا التي رجّحت كفة الياسين فهي «شخصيتها القوية، استيعابُها قيمَ برنامج سكّر، وتجسيدها (القيم) في تعاملها مع أصدقائها ومحيطها»، علاوةً على «إرادتها القويّة التي دفعتها للعودة إلى المدرسة بعد انقطاعها عنها من جرّاء نزوح عائلتها إلى دمشق». تقول الطفلة هبة لـ«الأخبار» بحماسة كبيرة: «أنا رح أحكي باسم أطفال سوريا وطالب بحقوقهم اللي فقدوها بالحرب. حاسة بالفرح والفخر لأني بدي وصل رسالة باسم الأطفال ليعرفوا السوريين كلهم نحنا شو محتاجين ومن شو عم نعاني». لا يبدي القائمون على «جناح أزرق» تخوّفاً من تحوّل المناظرة إلى نموذج مكرّر من «المُناظرات» التي كانت تقيمها بعض «المنظّمات الشعبيّة» مثلاً، ويراهنونَ على جملة مُعطيات على رأسها أنّ مُمثلة الأطفال لن تتلقّى أي تلقين، بل ستطّلع فقط على مطالب وأحلام الأطفال التي جُمعت. كذلك؛ تبدو مديرة «المركز السوري لحقوق الطفل» متفائلة بطريقة تعاطي وزارة الشؤون الاجتماعية مع الملف، تقول حسن لـ«الأخبار» إنّ «الوزارة تشق اليوم طريقا جديداً قائماً على التعاون البناء بين الوزارة والمجتمعين المدني والأهلي بجديّة، ونيّات صادقة ملموسة».
الشؤون الاجتماعية: لا للاستعراض تُبدي وزيرة الشؤون الاجتماعيّة، ريما القادري، حماسةً لحملة «جناح أزرق». تقول القادري لـ«الأخبار» إنّ «اللافت في الحملة هو تنوّعها لجهة شكل وفحوى الفعاليات المُتضمنّة». وتوضح أن دعم الوزارة للحملة ينسجم مع توجّهاتها في «التشاركية مع القطاع الأهلي والمبادرات الشبابية، والتعاون معها ولو كانت في طور الترخيص. هي محاولةُ توظيفٍ للطاقات بغية تعزيز الخدمات المجتمعية»، يأتي ذلك في إطار سعي الوزارة إلى «تعزيز الخدمات المجتمعيّة، والتركيز على جودة وتوافر وكفاية الخدمة». ترى القادري في المناظرة التي ستجمعها بالطفلة هبة الياسين «فرصةً لمحاورة الطفل السوري، وفهم ظروفه وأفكاره وطرائق تفكيره». حيث يمكن لـ«حلم الطفل أن يتحوّل إلى مفتاح كبير لاستراتيجيات يمكن أن تضعها الوزارة لخدمة أحلام أطفالنا». وتؤكد القادري أنّ «الشأن المجتمعي شأن حساس، وخاصة ملف الطفولة الذي لا يحتمل اللعب والاستعراض أبداً. نبحث عن العمل، لا عن الاستعراض» تقول.

  • خمسُ سنواتٍ من الحرب تحوّل أطفالُ سوريا خلالها إلى «صندوق بريد»

    خمسُ سنواتٍ من الحرب تحوّل أطفالُ سوريا خلالها إلى «صندوق بريد» (أرشيف)

0 تعليق

التعليقات