في لبنان، يتسابق المواطنون على شراء "بوش دو نويل" في الفترة القصيرة التي تسبق ليلة العيد كي يكون جاهزاً على موائدهم لتناوله بعد العشاء، الا ان اسعاره التي شهدت ارتفاعاً كبيراً خلال السنوات الماضية تقف عائقاً امام عدد من المواطنين على اختلاف فئاتهم واعمارهم وقد تمنع معظمهم من شرائه. ويعتبر البوش من اهم التقاليد التي لا يمكن الاستغناء عنها في ليلة عيد الميلاد اذ انها تمثل عادة قديمة توارثها الاجداد والاباء حتى يومنا، وهي تمثل زينة المائدة الميلادية احتفالاً بقدوم السيد المسيح الى الارض.

ماذا يقول اللبنانيون عن هذا التقليد الذي بات ملازماً للعيد، وكيف يصفون العلاقة مع هذا النوع من الحلوى التي يتبين أن أسعارها تتراوح بشكل كبير بين محل وآخر، لتصل إلى أرقام تشكل عبئاً على ذوي الدخل المحدود.
يقول فادي خوند من البترون (متزوج) انه في ظل ارتفاع اسعار "البوش" لا يمكنه شراء الحجم الكبير منه ويفضل ان يشتري الحجم الصغير كي يستطيع ان يوفر بعضاً من المال لعائلته. أما ايلي الهاشم من ذوق مكايل فيقول ان الاسعار الجنونية للبوش تمنعه حتى من شم رائحته والتنعم به.
من جهته، يقول جورج فرح من الاشرفية وهو رب لأسرة من ثلاثة اولاد انه وفي ظل هذه الازمة المالية الصعبة التي يمر بها وقلة العمل، يقوم ما بوسعه لاسعاد عائلته من خلال تأمين البوش دو نويل لهم وحتى لو كان صغيراً.
بدورها، تشير تانيا سعادة من ضبيه وهي ام لفتاة إلى ان اسعار البوش دو نويل ترتفع من سنة الى اخرى، وانها بالرغم من ارتفاع اسعارها، تقوم بشرائها كهدية تقدمها الى اهلها في ليلة عيد الميلاد.
ارتفعت اسعار البوش خلال
السنوات الأخيرة وباتت اليوم تبدأ
من 48 الف ليرة وتصل الى
180 الف ليرة

احمد قباني من الطريق الجديدة يقول انه يشتري هذا النوع من الكاتو لان مذاقه لذيذ ولا يمكن ان يأكله الا مرة واحدة في السنة خلال فترة الاعياد. وتشاطره فاطمة الناطور من خلدة رأيه وتقول انها تشارك المسيحيين اعيادهم وتقوم بشراء كل الزينة وحتى البوش دو نويل رغم ارتفاع اسعاره كي تشعر بجو العيد.
بدوره يقول فريد حبيش من المنصورية ان البوش دو نويل عادة لا بد ان تبقى مستمرة على موائد اعياد الميلاد ولذلك يقوم بشراء الاكبر حجماً منها من دون ان يؤثر ذلك في مصروفه، اذ انه يعبّر عن فرح كبير خلال عيد الميلاد.
وفي المقابل، يقول اسعد خوري وروجيه كرم وهما عاملان في احدى مؤسسات الصيرفة انه لا يمكنهما شراء البوش لان اسعاره باهظة وهما بالكاد يستطيعان ان يؤمّنا قوت عائلتهما وايجار المنزل.

الباتيسيري والأفران


في جولة على بعض الافران والباتيسري، يمكن ان نرى عدداً كبيراً من البوش معروضاً على الرفوف، وفي البرادات ينتظر من يشتريه. ويقول نبيل ابي عاد من باتيسري "لا غريوت" في الاشرفية ان اسعار البوش تبدأ من 48 الف ليرة وتصل الى 180 الف ليرة. ويضيف ان تكلفة صنع البوش تصل الى 50% من سعره النهائي.
وحول الاسباب التي تؤدي الى ارتفاع اسعار البوش من سنة الى اخرى، يشير الى ان غلاء المعيشة وارتفاع رواتب الموظفين اضافة الى ارتفاع اسعار المواد الاولية وزيادة ساعات العمل في فترة الأعياد تتطلب انتاجاً كبيراً في وقت قصير.
ويؤكد ان نسبة الاقبال على شراء البوش دو نويل عادة ما ترتفع خلال الايام القليلة التي تسبق ليلة عيد الميلاد، لافتاً الى ان نسبة الاقبال على الشراء تراجعت 30% خلال 10 سنوات، مشدداً على ان الاسعار لم تتغير منذ السنة الماضية.
وبدورها تقول جويل من افران "كيروز بايكري" ان السبب الرئيسي لارتفاع اسعار البوش دو نويل في فترة الاعياد يعود الى ارتفاع اسعار المواد الاولية من سكر وحليب وطحين.
وتلفت الى ان الاقبال على شراء البوش مقبول وان نسبته ترتفع خلال اليومين الاخيرين قبل ليلة العيد وتنخفض بعد يومين منه فيما يُبقي "كيروز بايكري" عروضاته على البوش دو نويل حتى اخر السنة. واشارت الى ان الاسعار تبدأ من 45 الف ليرة لبنانية لبوش بطول 30 سنتم وترتفع بحسب طول البوش على اساس دولار اضافي للسنتيمتر الواحد.
اما منسق قسم التسويق في شركة "مالكو" مالكة افران بان دور أمير فخر الدين، فيقول ان ارتفاع اسعار البوش دو نويل يعود الى ارتفاع اسعار المواد الاولية وتضخم الاسعار الذي يؤثر في الانتاج بشكل عام.
ويشير إلى أن البوش دو نويل في تحسن وتقدم دائمين، وان "بان دور" تقوم بانتاج موديلات جديدة، منها اضافة الى الشكل القديم المعتمد. وعن البوش الجديد يقول انه مصنوع من نوعين من الشوكولا. أما الاسعار، "فلم تتغير منذ السنة الماضية، إذ إن سعر البوش الذي يبلغ طوله 40 سنتم هو 72 الف ليرة لبنانية".




القرار من نابليون نفسه

تعود قصة "بوش دو نويل" الى قرار من نابليون بونابرت نفسه وفطنة الخبازين الفرنسيين، عندما أصدر بونابرت قراراً يطالب فيه سكان مدينة باريس بعدم استعمال المواقد متذرعاً بأنها تسبب الأمراض وتحدث تلوثاً في الجو، ولأن الموقدة كانت ولا تزال سبباً يجمع أكثر أفراد العائلة في فصل الشتاء القارس. بسبب هذا الطلب لم يعد بإمكان العائلات الاجتماع للتنعم بدفئها ومراقبة نيرانها، ابتكر الخبازون الفرنسيون حلوى على شكل جذع شجرة، أي الحطب الذي يوضع في المواقد، وهنا صار الجميع يجتمعون حولها من أجل التمتع بشكلها والتلذذ بمذاقها.
وبعد أن كانت حلوى العيد تتألف من الفاكهة المجففة والبريوش، صار البوش هو التقليد الرسمي المرافق لعيد الميلاد. وهذه الحلوى غالباً ما كانت تصنع من الكاتو الإسفنجي، وكريمة الزبدة، وتخبز في قالب مستدير.
ومع تطور الزمن تفنن الخبازون بصنع أشكال متعددة من هذه العجينة، تارة بشكل دائري، وأحياناً بطريقة ملفوفة، وأحيانا كانوا يغطسونها في أنواع متعددة من الكريمة خصوصاً كريمة الشوكولاته، وفي ما بعد أدخل الفرنسيون "المرصبان" أي عجينة اللوز والسكر إلى قالب حطب الميلاد.
وعاد الفرنسيون في منتصف القرن العشرين إلى تزيين "البوش دو نويل" بأنواع حلوى صغيرة كالنوغا، وإلى تخطيط الرأس بالشوكة، وكل هذا في محاولة لجعل هذا القالب على شكل الحطب الذي يوضع في الموقدة، وغالباً ما يرش عليه سكر ناعم، وكأنه الثلج المتناثر. لذا وفي أغلب البلدان الغربية صار هذا التقليد شائعاً، فهذه الحلوى تواكب كل أجواء العيد.