قصص صداقة شهدتها العصورلا زلت أذكر في بداية زياراتي للصين، حيث كنت أتردد دوماً على احدى أهم المكتبات في مدينة شنزن وهي مكتبة Book City، وقد كنت أستمتع وأنا أرى الأعداد الكبيرة من الناس التي تتردد على المكتبة وأراقب خياراتهم وكيف يتم تنظيم الكتب وأنواعها وأنماطها. إنه لشيء رائع حقاً كانها خلية نحل لا تهدأ.
في إحدى المرات، عام 2009، أعجبتُ بسلسلة من كتب الأطفال ذات التأليف والرسم المُتقن، حيث تم الدمج بين الثقافة الصينية والعالمية، وتواصلت مع دار النشر بهدف الحصول على حقوق النشر في العالم العربي. ففوجئوا بطلبي ودعوني إلى مقاطعة Anhui (أنهوي)، وقدموا لي شرحاً عن الدار مع جولة ميدانية فيها. وقد ذهلتُ من حجم الإنتاج والتّنوع الموجود... فهي ليست دار نشر عادية، بل تشعر كأنك ترى دولة من دور النشر في مكان واحد، وكأني في عالم طباعي لا يهدأ ... وحجم إنتاج قد يتعدى إنتاج العديد من الدول.
لقد كانت زيارة لا تُنسى، وكانت هذه الزيارة باكورة الأعمال التي تمت ترجمتها إلى اللغة العربية وحققت مبيعات مرتفعة. وقد فتحت لي باباً كبيراً لفهم ثقافة الصين ولتعميق العلاقة بين الصين ولبنان، وقد بدأت صداقات سترافقني كل العمر.
بعدها بفترة تم التّعاون مع الدار نفسها لإطلاق دار نشر مشتركة لبنانية - صينية في بيروت لنشر أكثر من 200 عنوان من كتب أدب الأطفال التي حازت على إعجاب المدرسين والعاملين في المؤسسات التعليميّة في العالم العربي. وهي لمؤلفين صينيين مشهورين وحائزين على جوائز عالمية. وتم طباعة أكثر من مليون نسخة من هذه الكتب. وتوزع في كافة ربوع العالم العربي.
إن الثقافة كالطيور النادرة ونشرها كالأجنحة التي تنقل جمال الطيور إلى العالم... وقد بدأت ثقافة الصين تنتشر في بيوت ومكتبات العالم العربي وستجعل الصين وثقافتها قريبة ومفهومة للأجيال، فنشر الثقافة لا حدود له.

بلدالسباق مع الزمن في شتّى المجالات
بعد مرور 70 عاما على قيام جمهورية الصين الشعبية، تمكنت هذه الدولة خلال السنوات الماضية من الحفاظ على نمو اقتصادي عالي السرعة. فما من دولة في التاريخ الحديث استطاعت أن تثبت تجربة ناجحة في التغلب على التحديات الإقتصادية والتنموية الشاملة كالصين، حيث تدرّجت على سلّم أقوى اقتصاديات العالم وأثبتت سداد توجهاتها في العديد من المجالات.




إن التطور الحاصل في الصين والنمو الذي يشمل كل نواحي الحياة، الإقتصادية والإجتماعية والصناعية والعمرانية والثقافية والتجارية، يجب أن يكون محل دراسة واعية ومراقبة شديدة، ففي الوقت الذي نشهد به فشل العديد من الدول في تحقيق اصلاحات أساسية، نجد أن الصين نجحت في إجراء إصلاحات تنموية جبارة في زمن قليل جداً.
فمجال النقل يكاد ان يكون الأهم على مستوى العالم. ومجال الثقافة والتعليم شهد تطوراً مذهلاً، وكذا كل مجالات الحياة تسير على قدم وساق نحو مستقبل واعد لشعب يملك حضارة عظيمة ومستقبلاً مشرقاً.
ان هذه التجربة الرائدة تستحقّ أن تُدَّرَس وتُشرح لكل دول العالم الراغبة بتطوير ذاتها، حيث نقلت الصين من بلد فقير إلى دولة تتمتع بأعلى نمو اقتصادي عالمي.
تستحق التجربة الصينية أن تكون مرجعاً للباحثين والمثقفين ورجال الدول، وأن تكون منطلقاً للدراسات والنظريات الاقتصادية التي ينبغي لدول العالم الإقتداء بها. وهذا هو دور الناشرين للعلوم والثقافة في العالم.
مشروع المعهد الوطنيّ العالي للموسيقى نموذج للتعاون الثنائيّ بين البلدين في إطار مبادرة الحزام والطريق


ورغم وجود الكثير من الجهد الذي ما زال ينتظر القيادة الصينية لتحافظ على قوة وسرعة النمو والتطور الموجود، ورغم وجود بعض الخطط أو المبادرات التي لم يكتب لها النّجاح التّام، أو بعض التّوجهات التي لم تستطع أن تصل إلى نهاياتها المُشرقة، ومع وعي القيادة الصينية بالمخاطر التي تحيط بتطور الصين والمجتمع الصيني في كل المجالات، ومع إصرار القيادة على تطوير الصين، من المتوقع أن تلعب الصين مستقبلاً الدور الأكبر في تطور الإقتصاد العالمي، والمساهمة في الخروج من الأزمات الدولية بأقل الخسائر في ظل القيادة الرشيدة الحالية.
إن تطوير اقتصاد بحجم دولة الصين والشعب الصيني، يحتاج إصراراً كبيراً ورؤية تطويرية طموحة ثاقبة، وخططاً مدروسة، ورجالاً يستطيعون العمل لتحويل الخطط والرؤية إلى واقع ملموس يُنعش آمال الناس ويحقق رفاهيتهم، ويساعد على تطوير الدولة لتتماشى مع العصر الحديث بكل تعقيداته.

التعاون الصيني اللبناني في بناء الحزام والطريق
أشار الرئيس الصيني شي جين بينع الى أنّ الصين ستنشط في دعم البناء المشترك للحزام والطريق، وستواصل تعزيز بناء المجتمع والمصير المشترك للبشرية، والعمل بلا هوادة من أجل عالم أكثر ازدهارا وجمالا. والصين اليوم أقرب إلى العالم العربي مما كانت عليه من قبل، وتتشارك معه المستقبل. وتوجه القيادة الصينية نحو تعميق التواصل بين العالم العربي والصين سيكون سمة بارزة في العلاقات المستقبلية، ومبادرة الحزام والطريق ستكون هي الباب الذي ستتواصل عبره العلاقات وتقوى وتستمر إلى أن يشاء الله. ومن الواضح اعتبار بلد كلبنان شريكاً للصين في بناء الحزام والطريق، حيث تتوسع أطر التعاون والتواصل بين البلدين ومنها على سبيل المثال «مشروع المعهد الوطنيّ العالي للموسيقى»، بهبة ودعم من الحكومة الصّينيّة. وهذا المشروع هو شهادة للصداقة الصّينيّة اللبنانيّة الثقافية ونموذج للتعاون الثنائيّ في إطار مبادرة الحزام والطريق.
كما لا يخفى على أحد اهتمام الصين بأن يكون لبنان منصة للعلاقات الثقافيّة بين الصين والدول العربية، وذلك لما يتمتع به لبنان والناشرون اللبنانيون من دور كبير في مجال الثقافة والنشر في العالم العربي.
الصين والمستقبل بعيون ناشر لبناني
لقد بدأتُ بالتعاون مع الناشرين الصينين في مجال تطوير العلاقات الثقافية بين الصين والعالم العربي منذ بضع سنوات، تحقّق خلالها:
■ إنشاء دار نشر مشتركة صينية – لبنانية.
■ ترجمة ونشر أكثر من 300 كتاب في كافة المجالات الثقافية والتعليمية والأكاديمية من الصينية إلى العربية.
■ طباعة وتوزيع أكثر من مليون كتاب في العالم العربي.
■ كانت لنا مساهمة فعالة في التعاون لإنشاء أكبر موقع إلكتروني لنشر الكتب العربية الرقمية على الإنترنت، وهو صيني وضمن مبادرة الحزام والطريق...
■ إقامة علاقة تعاون وثيقة مع شركة منتجة للمحتوى التعليمي المدرسي الالكتروني وبأعلى درجات الجودة العالمية، لترجمتها إلى لغات عالمية وتسويقها لكل دول العالم.
■ حصلتُ عام 2017 على جائزة العلماء الشباب للمساهمة في تطوير العلاقة الثقافية بين الصين والعالم العربي.
■ عام 2018 حصلت على جائزة النشر المتميز .
إني لأشعر بالفخر لما أقوم به، وأنا ممتنّ للتقدير الذي تقدمه القيادة الصينية والناشرون الصينيون. فالعناية بالتفاصيل الصغيرة تجعل الفرق كبيراً... فكل يوم يثبتون للعالم مدى تماهي هذا الشعب مع القيادة لتحقيق أهداف أكبر... تزيد كل يوم أكثر ... لتصل إلى عنان السماء...

* المدير العام لشركة دار المستقبل الرقمي