شريط الصوروتعود إلى ذاكرتي صور ومشاهد لعل أبرزها تبادل الزيارات بين مجلس إدارة كونفوشيوس بيروت وجامعة شنيانغ. كان الوفد يتألف مني شخصياً والزميلات والزملاء فادية كيوان وبيار فلفلي وبولس مطر وهنري عويس. وقد دهشوا أمام حائط الصين الأثري، وتمنّع أحد الأعضاء، خوفاً أو رهبة، عن الصعود في المقصورة المؤدية إلى رأس الجبل... وكان ما كان... ووصل جميع الاعضاء بخير إلى القمة وسط هرج ومرج يتخلله الخوف والدهشة. والصورة الثانية هي حول تزكة لبنانية عامرة تحلق حولها الوفد الصيني الضيف ومضيفه مجلس الإدارة وكان على اعضائه أن يشرحوا هذه المآكل على مائدة لا تدور شأن زميلتها الصينية، وكانت كلمات المجاملة هي التعبير الوحيد عن الأطايب اللبنانية.
وإن أنسى فلن أنسى يوم قصدت والبروفسور سليم دكاش اليسوعي الصين للقاء رئيس الجامعة الحالي في زيارة تعارف زرنا خلالها مركز «هانبان» في بكين، والإستقبال الذي خصوا به الزائر الجديد بكلمات ظهرت أول ما ظهرت على شاشة عملاقة عند المدخل.
ولا زال طعم جرعة الخمرة الصينية الشهيرة المعروفة بـ«موتاي» يدفع الإحمرار إلى عيني والحريق الدائم إلى حنجرتي... مقروناً بالدفء والإبتسامة.
هذه المقبّلات ترشح بالجو العام الذي لم يكتف بصرامة التعليم ودقته ومتطلباته بل يتعدى ذلك الى جوانب العلاقات العميقة المحببة بين المؤسسات وبين الأشخاص كذلك.

ابحثوا عن الجو
يصب شريط الصور في خانة العلاقة الفريدة التي اكتشفتها مع الشريك الصيني الذي، ولو بدا للوهلة الأولى متحفظاً، إلا أنه سرعان ما ينشر جواً من الطمأنينة والإرتياح يؤدي إلى صداقة متينة تنحني أمامها كل الصعوبات والمشاكل، وما أكثرها، بين فريقين من ثقافتين، بقدر ما هما قريبتان، يفصل بينهما نهر من التنوع والتعدد.
ويحضرني طرفة العلم ومفادها إنه خلال أول إجتماع لاحظت أن علم لبنان كان غائباً، فما كان مني إلا أن أشرت إلى الزملاء في مجلس الإدارة بأن يركزوا على هذه الهفوة التي من شأنها أن تعكر بداية التعاون. وهكذا كان فارتفعت الأصوات ولكن المضيف الصيني سرعان ما تدارك الأمر، وتفادى الأزمة بأن لبى مطالبنا الكثيرة وقدم إعتذاراً علنياً. بخصوص العلم، وتم كل ذلك بالكلمات اللطيفة والإبتسامة الرضية.
وجدير بالذكر أن السفير ليو زي منغ (Liu Zhiming) (٢٠٠٧) واكب التأسيس. وقد ساهم اتقانه اللغة الفرنسية إلى حد بعيد في نسج علاقة مميزة برئيس الجامعة آنذاك المغفور له رينه شاموسي اليسوعي. ولم تتوقف هذه العلاقة بين سعادته (وقد احيل على المعاش) وبين أفراد مجلس الإدارة.
وإذا طرحت على نفسي ما هو السر الكامن وراء هذه العلاقة بيننا وبين الصينيين. في الواقع لا بد من التوقف عند ما يتحلى به الصيني من تهذيب حيال الآخر واحترام له، والصيني هو على الدوام إيجابي في ردات فعله، يتجنب التشنج والرفض والمعارضة، ويبحث عن حلول ويوفر المناخ الطيب لها.
الصيني إيجابي في ردات فعله، يتجنب التشنج والرفض والمعارضة، ويبحث عن حلول ويوفر المناخ الطيب لها


أما الضيف فتفتح أمامه الأبواب وتحترم لغته إلى درجة تعيين ترجمان لتسهيل التواصل بينه وبين الصينيين. ولا بد من الإشارة إلى السيدة خو بو (HuonPo) التي أدت على كثير من الدقة عملاً مميزاً في مجال الترجمة المتعاقبة مما أشعر الضيف بأن بإمكانه أن يَفهم وأن يفهم.
والمعاملة بالمثل تجلت عندما رافق رئيس جامعة شنيانغ السيد جاو دايو (Zhao Dayu) شخصياً أعضاء الوفد اللبناني في زيارتهم لكل الأمكنة من الأسواق والمعالم السياحية تماماً كما استقبله اللبنانيون ورافقوه طوال زيارته إلى الربوع اللبنانية.
وإذا كانت اللغة الصينية غريبة إلى حد بعيد عن اللغة العربية، إلا أن قاسماً مشتركاً، لعله الشرق، يجمع بين العرب والصينيين من محبة للسلام والوفاق بين شعوب الأرض كافة.

تعلمت
وبالمحصلة، لقد جذبنا الغرب دوماً وشهدنا له وأعجبنا به، ولكننا هدرنا الوقت الطويل قبل أن ندرك ان على الكوكب شعوباً أخرى وثقافات أخرى ولغات أخرى هي جديرة بكل تقدير واحترام، والأهم قادرة على نسج اواصر الصداقة وتبادل الخبرات وتعرف الآخر.
صحيح أن شعوب الأرض متنوعة وكثيرة ولكنها تلتقي عند مفتاحين اساسيين هما: لغة القلوب وكفاية الحاجة.
* عن مجلس إدارة معهد كونفوشيوس
البروفسور انطوان حكيم
مدير المعهد