يسارع ابن الثمانين ربيعاً الخطى كي يكون مصدر إلهام لأكبر قدر ممكن من الناس. كل الناس، ولا سيما الشباب. تفيض نفسه بقناعة تتملّكها بأن حكايته الفردية صالحة لحالات جماعية. بتواضع لا تكلّف فيه، يأمل أن يكون كل شاب عربي "طلال" جديد. اليوم، غداً، وبعد غد. يفتخر بالبطانية وقد أضحت جاكيت، وباللاجئ وقد انطلق نحو العالمية. نعم العرب قادرون، الفقراء قادرون، المهمشون قادرون. القهر يولد طاقة إيجابية، والإحباط يخلق إصراراً على النجاح، فقط ابحث عن المعرفة.
(طلال أبو غزالة)

بعد كل تلك النجاحات التي تحققت على مدى سنوات، تشعر مع طلال أبو غزالة اليوم بأن كل ما يطلبه هو الوقت. الوقت الكافي لتحقيق طموحات أكثر، وأفكار لا تنضب، ومشاريع جديدة، وقصص نجاح يحب أن يشاهدها وهي تروى أمامه.

سواد وازدهار
على الرغم من الصور القاتمة التي يرزح تحتها الوطن العربي حالياً، فإن أبو غزالة مقتنع إلى حد المجازفة بتحديد تاريخ، "بأننا سنخرج من هذا الظلام إلى الازدهار في غضون عامين فحسب". نعم في عام 2020 سيكون الوضع مختلفاً كلياً. كعرب، نحن قادرون على الطموح وعلى قيادة العالم كذلك. إننا في وقت تتساوى فيه الفرص بين الطفل الموجود في مخيم الزعتري، والطفل الذي يولد في نيويورك أو لندن. كلاهما يتساويان في المقدرة على الوصول إلى المعلومة، وبالتالي المعرفة، وبرأيه جلّ ما يحتاج إليه الإنسان اليوم هو العلم، وتحديداً كيف يخترع، وليس كيف يتعلم.
في عام 1965، تلقى الدكتور أبو غزالة أول درس كمبيوتر في حياته. في ذلك اليوم، أدرك أنها البداية فحسب، لذا قرر متابعة تطور تقنية المعلومات بمختلف تشعباتها. في عام 2001 ترأس فريق "الأمم المتحدة" لتقنية المعلومات والاتصالات، الذي وضع الخطة الاستراتيجية لعمل المحيط الواسع الذي اسمه المعرفة اليوم.
حصيلة السنوات الطوال من العمل في مجال المعلومات، عند أبو غزالة هي تأكيد على العلاقة الترابطية بين النجاح وتقنية المعلومات والاتصالات.
في محاضرة ألقاها قبل أيام في الجامعة الأولى في العالم MIT ومن ثم في جامعة هارفرد، أراد أن يخبر العالم "أن نظام التعليم المتبع اليوم خاطئ، وأن الجامعات تخرّج متعلمين، في وقت أصبح فيه العلم متاحاً عبر الإنترنت، وفي زمن تتغير فيه المعلومة يومياً. وما من أستاذ، مهما يكن، قادر على الإحاطة بها جميعها. ما يحتاج إليه الإنسان اليوم هو كيف يخترع وليس كيف يتعلم. أليس من المنطقي أن نتساءل لماذا الكثير من المبدعين كستيف جوبز وزوكربيرغ وبيل غيتس لم ينجحوا في الجامعات ونجحوا في الحياة؟ وأكبر دليل على ذلك أن أكبر شركة في العالم ليست مؤسسة مالية ومصرفية أو شركة عقارية، بل شركة فكرية هي "غوغل" التي يزيد حجمها على حجم الاقتصاد العربي مجتمعاً".

اختراع لا امتحان
انطلاقاً من هذه القناعة، ينشئ أبو غزالة في العاصمة الأردنية أول كلية من نوعها في العالم سيتم افتتاحها في أيلول المقبل هي "كلية طلال أبو غزالة الجامعية للإبداع". الهدف من هذه الجامعة ليس تخريج متعلمين. فالطالب عند الالتحاق بها يوقّع على وثيقة يتعهد فيها بأنه سيتخرج باختراع، وإلا فلن يتخرج، وبالتالي ليس فيها امتحانات.
أعلى نسبة معرفية رقمية تسجل عند اللاجئين وتحت الاحتلال في فلسطين


برأيه "من المهم أن يكون لكل طالب طُموح، لكن الأهم أن يكون لديه رسالة. وعلى الشباب أن يطمح لأن يكون كبيل غيتس وليس وزيراً أو رئيس حزب. لماذا يحق لبقية الشعوب أن يكون طموحها عالمياً، وطموحنا كعرب غير عالمي؟".

حرب معلومات
قضية العرب ليست قضية إقليمية بل قضية عالمية، "وعلينا أن نفكر في كيفية قيادة العالم. فإذا استطعنا أن ننشئ أكبر شركة على مستوى العالم في مجال حماية الملكية الفكرية والترجمة ونشاطات أخرى عديدة، فلا يجب أن نخجل من أنفسنا أو أن نشكك في مقدراتنا".
الترابط بين الاختراع المعرفي والملكية الفكرية ترابط عضوي، ففكرة الملكية الفكرية هي حماية حقوق الاختراع والتأليف، وهي شرط أساسي للإبداع. غياب نظام الحماية يؤثر سلباً على التحفيز للاستثمار في الإبداع، وبالتالي فإن تطور البشرية في العصور الحديثة كان نتاج الملكية الفكرية وحمايتها.
يؤكد أبو غزالة أن حماية الملكية الفكرية نجحت في مواضع كثيرة، إلا في موضوع واحد وهو الحماية المفترض وجودها على شبكة الإنترنت. ففي ما يختص بالشبكة العالمية، ليس هناك حماية عليها إلا في مجال واحد هو اسم الموقع من خلال مؤسسة ICANN وبتكليف من وزارة التجارة الأميركية. فالإنترنت في الأصل مشروع أميركي، ولا يزال يدار أميركياً.
نجح "الإرهاب" في المنطقة العربية، كما يعتبر أبو غزالة، في حسن استخدام الإنترنت لغاياته أفضل من كثير من الأنظمة والحكومات، فهو يستخدمها للتجنيد والتثقيف والتواصل وإدارة المؤسسات وحتى العمليات الإرهابية. والإرهاب لن ينتهي، بل سينتقل من منطقة إلى أخرى حتى توافق أميركا على أن تضع نظاماً لحاكمية الإنترنت وهو موضع خلاف بين أميركا وأوروبا. فالأميركي يستفيد من هذا الوضع بحكم أن جميع المعلومات المخزنة في الإنترنت موجودة لديه.

عدو وحيد
"لديّ عدو واحد هو إسرائيل التي سوّقت لفكرة ما يسمى الربيع العربي، الذي كان له مقدمات من الفوضى الخلّاقة للوصول إلى ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد. لقد مرت أوروبا بنفس ما نشهده، لا بل أسوأ بدرجات، وما نمر به هو نموذج مصغر عما مرت به أوروبا. ما الفرق بين من يقطع الرأس بالسكين ومن يقطعه بالمقصلة؟ أنا على اقتناع بأننا في عام 2020 سنخرج من مرحلة السواد الحالك إلى الازدهار، وذلك لسببين. الأول داخلي وهو أنه بات لأبنائنا نفس القوة المعرفية كالأولاد في أميركا والصين واليابان وفرنسا.
وثانياً، لأن كل دول العالم تريد أن يكون لها موطئ قدم في هذه المنطقة، لماذا ذلك إن لم يكن لهذه المنطقة من أمل ومستقبل؟ هنالك مصلحة دولية في ازدهار هذه المنطقة. والغرب يعاني من المشاكل التي خلقها في منطقتنا.
يقول أبو غزالة "أشكر ترامب على قرار نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس، فعندما أرى الانتفاضة الفلسطينية بعد الركود الذي كان موجوداً أشكره. بالنسبة إليّ، سواء كانت السفارة في القدس أو في رام الله أو في يافا فهي كلها فلسطين المحتلة وسنعود إليها".
التفوق الإسرائيلي كذبة وهو مبني على اتفاقية تبادل تقنية معلومات مع أميركا، لذلك فإن أول ما يقوم به رئيس وزراء إسرائيلي بعد انتخابه هو زيارة الولايات المتحدة وتجديد هذه الاتفاقية للحصول على الحق باستخدام التكنولوجيا الأميركية.

مساواة رقمية
في عالم الإنترنت اليوم، هنالك مساواة بين جميع الشعوب، وبالتالي أمام العرب فرصة للإبداع، لأن الطفل في العالم العربي مثله مثل الطفل في بريطانيا. وللمفارقة، فإن أعلى نسبة معرفية تسجل عند اللاجئين وتحت الاحتلال في فلسطين. في الوقت الراهن، لم يعد تصنيف الدول يقوم على أساس دول متقدمة ودول نامية، بل ما هي نسبة المواطنين الرقميين في كل دولة، أي نسبة مستخدمي الإنترنت على اختلاف أوجهها.
منذ عامين، اتخذت القمة العربية ما يعتبره أبو غزالة أهم قرار في تاريخها وهو محو الأمية في العالم العربي في العقد القادم في ثلاثة أمور رئيسة هي: اللغة، الإنترنت والثقافة.
الحل لمعظم المشاكل التي نتخبط فيها اليوم هو أن يعمل الجميع: الدولة والحكومة والشركة والأب والأم وكل فرد في المجتمع لخلق مجتمع معرفي. أنا أشفق على الدول التي تقترض، وأحسد إيران على العقوبات المفروضة عليها لأن هذه العقوبات دفعتها إلى بناء اقتصادها وبناء تقنياتها.



أكبر شركة في العالم
يتربع طلال أبو غزالة على عرش إمبراطورية ضخمة منخرطة في عالم الأعمال والتعليم والمساعي الإنسانية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء المؤسسات وغيرها.
مرت الشركة بمحطات مفصلية منذ التأسيس في الكويت عام 1972 والخروج منها بعد احتلالها من قبل قوات صدام حسين، والانتقال إلى الأردن، فالعالمية.
تعدّ مجموعة أبو غزالة اليوم أكبر شركة في العالم في مجال حماية الملكية الفكرية والترجمة، وهي تملك 103 فروع موزعة في سائر أنحاء العالم. وابتداءً من هذا العام، تعمل المجموعة على افتتاح 40 مكتباً جديداً لها لتغطية دول جديدة كأندونيسيا وبلدان في أميركا الجنوبية.
50% من ميزانية الشركة خصصت خلال السنوات الخمس المقبلة لإنشاء مكاتب جديدة. لماذا؟ "لأننا قادرون على خدمة كل المجتمعات بحكم أن مجموعة طلال أبو غزالة تضم 32 شركة، وكل شركة متخصصة في موضوع. فمثلاً، نستطيع تعليم اللغة الانكليزية في البرازيل ونحن مركز الامتحان في اللغة الانكليزية لجامعة كمبريدج، ويمكننا تعليم اللغة العربية في أندونيسيا والصين، بعض الدول تحتاج إلى خدمات ترجمة، ونحن أكبر شركة ترجمة في العالم ونترجم كل يوم أكثر من 10 آلاف صفحة،" كما يشير أبو غزالة.

* [email protected]