يكثر أخيراً أن نصادف في دوائرنا أصدقاء يحبون حيواناتهم الأليفة إلى درجةٍ كبيرة، يبادلونهم عاطفة تضاهي عاطفتهم تجاه الأصدقاء وحتى الأهل. من لم يمتلك يوماً حيواناً أليفاً قد ينظر إلى هذه العاطفة، هذا التعلق أو هذا الحب، باعتبارها أمراً مبالغاً فيه، وأنه من الأجدى بالإنسان توجيه حبّه هذا نحو العلاقات البشرية، حيث يجتمع الإنسان مع الإنسان. بيد أننا نجد أصحاب الحيوانات الأليفة من يجد مبرراً لهذه العاطفة، إذ يعتقد من يمتلك حيواناً، أنه وجد في حيوانه الأليف صديقاً وفياً، ما يعني أنه وجد بديلاً عن أنواع أخرى من العلاقات، والمقصود علاقات بشرية «الطابع». في بعض الأحيان نراقب هذه الصداقة «الوفية» وهي تتطور إلى علاقة معقدة، كأن يكتفي صاحب الحيوان الأليف به، ويستغني عن الحصول على أبناء أو تكوين عائلة لأنه يعتبر حيوانه الأليف أو صديقه الوفيّ المقرب بمثابة ابن أو بنت له.بات واضحاً في الآونة الأخيرة أن الحيوانات الأليفة قد حصلت على مساحة أكبر في حيواتنا، غير أن المساحة هذه باتت نافرة ومطرح شكّ ومساءلة، ذلك إن استطاع الحيوان الأليف أن ينجح في تقديم عاطفة الأبوة/ الأمومة إلى أصحابه كما أنه وفي الآن عينه، استطاع أن يحجز لنفسه مكاناً كبديل ممكن عن «الأبناء». لكن بعيداً عن المستوى البدائي، إن جاز التعبير، الذي يطاول علاقة الإنسان بالحيوان، والتي تقوم على أهداف إيجابية كإنقاذ الحيوانات الضالة وتوفير أساسيات الحياة لها، أو أن يلجأ بعض الناس إلى تربية الحيوانات الأليفة لمساهمتها في علاج بعض المشكلات النفسية كالتوتر والاكتئاب ونوبات القلق، إلا أن تطوّر علاقة الإنسان بالحيوان والتي تبدأ عندما يعي الإنسان على «امتلاكه» للحيوان ومن ثم يفعّل إسقاطاته وتهويماته عليه، يمكن اعتبارها ضالة كبرى أو مأزقاً كبيراً، إذ غالباً ما تنغلق هذه العلاقة على نفسها باعتبارها علاقة مكتملة.

«قطة في مهرجانات أفلام كان»، أولغا كوفال

إن العطب الأساسي الكامن فيه هذه العلاقة، علاقة الإنسان بالحيوان، يكشفها لنا بادئ ذي بدء الحيوان المملوك، ذلك من خلال ممارسات وأفكار المالك/ الإنسان عليه. نجد مِن أصحاب الحيوانات الأليفة مَن يحدد «لرفيقه» روتيناً يومياً ثابتاً، يتناسب مع روتينه الخاص، وأماكن محددة يمكن أن يأخذه إليها، ويصل الأمر مع البعض إلى محاولة جعل حيواناتهم نباتيين مثلهم، فينقلب نظام الحيوان الذي يرتاح فقط مع الغريزة والتحرر إلى نظام بشري ثابت لن يتقبّله طوعاً بل إكراهاً، ما يجعل هذا الحيوان الأليف مدجناً كحيوانات السيرك. ما يغيب عن ذهن هؤلاء أن إخصاء غريزة الحيوان ما هي إلا محاولة لجعله إنساناً، أو إنها «استنساخ خفيف» حيث المراد من هذه العلاقة المتطورة هو دمج نوعين مختلفين بتصرفاتٍ واحدة.
نشهد منذ فترةٍ طويلة، تطوّراً أصاب علاقة الإنسان مع حيوانه الأليف إذ وصل إلى مرحلة «صناعة البيرسونا». يبدأ الأمر أحياناً على نطاق ضيّق، عن طريق تأويل بعض تصرفات الحيوان أمام أصدقاء صاحبه كأن يصفه أنه مشاكس دائماً، أو هادئ، أو غاضب، أو أطواره غريبة. هذا التوصيف يستخدم عادةً من قبل الأهل، في اشتكاء الآباء والأمهات على أولادهم، إلا أن شكاوى الأهل محببة إلى أنفسهم مهما بدت بائسة، كأنهم يقولون: «بالرغم من كل صفات (أولادنا) السلبية لكننا نحبهم». فالتوصيف الذي يقوم به الإنسان على حيوانه ما هو سوى تقريب للحيوان باتجاه الإنسان أو بالأحرى أنسنته. وقد وصل الأمر، مثلما يحدث اليوم، إلى محاولة خلق صورة بشرية متكاملة للحيوان كما نشهد على السوشال ميديا. هناك نجد مثلاً من يصنع صفحة إنستغرام لحيوانه الأليف تحمل اسمه وتاريخ ميلاده، ويقص علينا مغامراته اليومية، روتينه، عاداته الخاصة، أكلاته المفضلة إلخ... كما أننا نجد مونولوجات تأتي على لسان الحيوان، وأحياناً حوارات تجري بين الحيوان وصاحبه، الأخير الذي يحاول، في أغلب الأحيان أن يضفي شخصية على حيوانه تكون قريبة من شخصيته نفسه.
لا يدرك صنّاع «بيرسونا» حيواناتهم الأليفة أن استغنائهم عن العائلة رفضاً للسلطة التي تفرضها هذه المنظومة جعلتهم يسيطرون بدورهم على كائنات أخرى أقل تمرداً وأكثر رمادية. وهي سيطرة أقوى من سيطرة الأهل على الأبناء لأنها سيطرة مقلوبة، معكوسة، ذلك أن الإنسان الذي يخال أنه يؤنسن الحيوان ما وعيه سوى وعي زائف ومختل، لأن الحقيقة تفيد بأن هذه علاقة قائمة على «الاغتراب»، وبالتالي إن الحيوان، مهما كان أليفاً، من يسيطر على الإنسان، وهو في النهاية من يفضح «فراغ» الإنسان وأحياناً كثيرة، حُمقه. ينكشف هذا في شكل فاضح بعد موت صاحب الحيوان الأليف واعتبار الحيوان الأليف وريثاً له. نتذكّر على سبيل المثال مصمم الأزياء الألماني كارل لاغرفيلد الذي ترك لقطته بعد رحيله عام 2019 مليوناً ونصف مليون دولار كميراث لها، أو ما ورد في وصية المغني البريطاني إلتون جون الذي يريد أن يهب ثروته لقطته مثل الكثير من الأغنياء الآخرين.
لا يسأل هؤلاء أنفسهم هل يحتاج حيواني الأليف إلى «بيرسونا» به؟ هل يحتاج إلى أبوّتي/ أمومتي؟ هل يحتاج إلى ثروتي بعد الموت، وربما يحمل اسمي أيضاً؟ إن الإجابة بالتأكيد هي كلا. كل المزايا السابقة هي تعقيدات بشرية نحتاجها في حياتنا، بينما الحيوان على الجانب الآخر لا يحتاج في النهاية إلا إلى الطعام والمأوى وإشباع الغريزة، وبالتأكيد لا يحتاج إلى صفحة خاصة على إنستغرام.