شرم الشيخ | لم تخالف نتائج قمة شرم الشيخ (التي تم تمديد أعمالها حتى أمس)، التوقعات المتشائمة. الإيجابية الوحيدة التي كانت متوقعة هي إنشاء «صندوق للخسائر والأضرار»، التي ستنجم عن الكوارث المناخية. ولا حاجة للكثير من التفكير والتحليل لمعرفة مصير هذا الصندوق قياساً على مصير التعهدات والصناديق السابقة. وهو موضوع يحمل الكثير من التحديات والتي استبقنا الحديث عنها.
باستثناء موضوع الخسائر والأضرار، الذي جاء بدفعٍ من أول تقدير لكارثة مناخية لفيضان كالذي حصل في باكستان، والذي وصل إلى 30 مليار دولار أميركي، يمكن القول باختصار شديد، إن قمة مناخ شرم الشيخ كانت قمة التراجع الدراماتيكي في المفاوضات والتعهدات... إن لناحية التخفيف من الانبعاثات، أو لناحية مشاريع التكيّف، أو لناحية التمويل ونقل التكنولوجيا. فأيّ من المسارات الأساسية لم يحقق ما هو مطلوب وبالحد الأدنى.
أول نتيجة يمكن استخلاصها ما بعد شرم الشيخ، أن علماء المناخ لن يستخدموا بعد اليوم التعبير المعتاد والتقليدي «تغيّر المناخ»، بل سيصبح التعبير الأصح «الكوارث المناخية». فالمؤتمر الذي وضع بين أهمّ أهدافه موضوع «التنفيذ»، لم ينجح في دفع الدول إلى تنفيذ تعهداتها. أوّل ما يفترض تغييره إذاً هو المفاهيم المستخدَمة، إن في توصيف الظاهرة أو في معالجتها. يجب الخروج من لغة التلطيف التي اعتادت عليها الأمم المتحدة في تقاريرها لاستعادة الأمل ورفع الطموح. من أولى المقولات التي يفترض فضح زيفها، أو التي انتهت مهلة صلاحيتها، مسألة «تخفيف الانبعاثات». هذا التعبير الملطف الذي أثبت فشله منذ بداية استخدامه بداية التسعينيات، لا سيّما بعد إقرار أوّل اتفاقية إطارية لتغيّر المناخ، يفترض التراجع عنه، لصالح تعبير مثل وضع حدّ للانبعاثات.
كذلك الأمر بالنسبة إلى «البصمة الكربونية» و«الحياد الكربوني»، وبيع الكربون، وسحب الكربون وحبسه… وكلّها تعابير تجميلية لم تعد تنفع مع بداية الكوارث وبعدما تجاوز تراكم الكربون في الغلاف الجوي كلّ حدود الأرض الاستيعابية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تعبير «التكيّف» الذي تتلذّذ بطرحه البلدان النامية للحصول على بعض المساعدات من البلدان الغنية. فكلفة التكيّف في آخر تقديرات، تتخطى 300 مليار سنوياً، مع العلم أن البلدان الغنية لم تفِ بتعهداتها بجمع 100 مليار سنوياً كما كان مطروحاً في مؤتمر كوبنهاغن عام 2009 وفي اتفاقية باريس عام 2015. وبعدما تمّ تقدير كلفة الخسائر والأضرار بتريليونات الدولارات!
أما الكذبة الأكبر التي يفترض وقف استخدامها فوراً على مستوى الدول والشركات الكبرى معاً فهي «صفر انبعاثات». فهذه المقولة ليست هدفا حقيقياً، ولا يفترض أن تكون مطلباً، فهي لم تكن واقعية أصلاً، كونها (الانبعاثات) كانت موجودة بحدود وتوازنات معيّنة قبل الثورة الصناعية. وما المبالغة بالعودة إلى نقطة الصفر إلا بدواعي الإعلام وصناعة الأوهام التي لم تعد تجذب أحداً بوجود الكوارث.
كذلك الأمر بالنسبة إلى تعبير «الغاز الطبيعي»، الذي يوحي بأنه صديق للبيئة بالمقارنة مع الفحم الحجري والبترول. صحيح أن الغاز أقلّ تلويثاً للبيئة ببعض أنواع الملوّثات، إلا أنّه مصدر كبير لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون أيضاً، وما محاولات اقتراح استثنائه من الوقود الأحفوري كمرحلة انتقالية إلا من أجل السماح بالمزيد من التنقيب وكسب المزيد من الوقت القاتل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الهيدروجين الأخضر، الذي لا يعتمد على الوقود الأحفوري في صناعته، فهو مثل الطاقة «المتجدّدة»، «البديلة»، و«النظيفة»، مقولات يفترض إعادة فحصها والتأكد من مدى مصداقيتها. فإذا أردنا اعتماد النموذج الحضاري الاستهلاكي نفسه، القائم الآن على الوقود الأحفوري (الناضب)، لناحية الإنتاج في الطاقة والتصنيع والنقل، فإن الطاقات المتجدّدة لا يمكن أن تشكل البديل، لاحتياجها إلى مساحات شاسعة من الأرض ولحاجتها إلى أتربة نادرة في صناعتها، وكون البحث في كيفية معالجة نفاياتها لا يزال في بداية الطريق! وهذه الإشكالية تنطبق أيضاً على الطاقة النووية التي تعتمد على وقود ناضب وغير متجدّد، وكونها تصنّف طاقة خطرة وغير آمنة، وأن لا مطمر نهائياً بعد في العالم لنفاياتها المشعة.
والحالة هذه، لا يمكن الخروج من الكوارث المناخية، والبحث عن بدائل للطاقة الأحفورية، إلا باعتماد نموذج حضاري بديل، لا يقوم على المنافسة والربح ومراكمة رأس المال.
من المصطلحات التي أخذت الكثير من الجدل، في الكوب 27 أيضاً، تلك المتعلقة بالتمويل والتعويضات، لا سيما إصرار الدول النامية على استخدام كلمة «تعويضات»، من خلفية أن البلدان المتقدّمة هي التي تتحمل المسؤولية التاريخية عن تسبّبها بالانبعاثات التي غيّرت المناخ، وعليها الآن أن تعوّض على البلدان النامية التي ضربتها الكوارث المناخية، في حين تصرّ البلدان المتقدمة على استخدام كلمة «مساعدات» للبلدان النامية، لكي لا ترتب عليها مسؤوليات قانونية أكبر في المستقبل. بالإضافة إلى كيفية احتساب التعويضات والكشف سنوياً أو كلّ سنتين عن التقرير المالي.
الإيجابية شبه الوحيدة في شرم الشيخ كانت في مشاركة الرئيس البرازيلي المنتخب حديثاً لولا دي سيلفا، وخطابه في القمة الذي أعطى الأمل بإعادة ضبط إزالة أهمّ الغابات في الأمازون بعد نهاية عهد الرئيس المشكك بتغيّر المناخ جاير بولسونارو. هذا الأخير الذي عزل البرازيل على المسرح الدولي، وسهّل تجريف ما يقرب من 40 ألف كيلومتر مربع من الغابات (ما يعادل بلداً مثل سويسرا) في غضون أربع سنوات، لتعزيز الأعمال الزراعية التجارية وقطاع التعدين، لدرجة هدّد النظام البيئي الفريد للاقتراب من نقطة اللاعودة. وأكد لولا مجدّداً في كلمته في شرم الشيخ أن أولويته ستكون مكافحة إزالة الغابات في منطقة الأمازون، وهي ملاذ للتنوّع البيولوجي وأحد أكبر مصارف الكربون على هذا الكوكب. متعهداً أيضاً أنه سيحافظ على التزامه بـ«عدم إزالة الغابات»، «معاقبة» الأنشطة غير القانونية، واستعادة الموارد لوكالات البيئة. كما أشار إلى رغبته في إنشاء وزارة للشعوب الأصلية، للمساهمة بفعالية في الحفاظ على منطقة الأمازون. إلا أنّه لم يوضح كيف سيتعامل مع النموذج الزراعي البرازيلي الذي اعتبر أحد أكبر منتجي المواد الغذائية في العالم (لا سيّما من لحوم الأبقار وفول الصويا والسكر) من دون إزالة الغابات بهكتار واحد إضافي، عارضاً على المجتمعين استضافة الكوب عام 2025. تراوح عدد المشاركين في الكوب 27 في شرم الشيخ بين 35000 و40000 مشارك في المؤتمر، البعض بقي طوال فترة المفاوضات والبعض حضر النصف الأول والبعض النصف الثاني. وقد توزّع هؤلاء بين المندوبين عن الدول والشركات والباحثين والمنظمات غير الحكومية والإعلام من جميع أنحاء العالم. وكان لافتاً أن عدد جماعات الضغط العاملة في مجال الوقود الأحفوري (أكثر من 600 مشارك) يفوق عدد أي وفد وطني، باستثناء الإمارات العربية المتحدة، التي أرسلت أكثر من ألف مشارك، أي أكثر بعشر مرات ما كان عليه عام 2021… ربما للاستفادة في كيفية تنظيم الكوب 28 الذي تستضيفه العام المقبل.