القاهرة | أيام صعبة قضاها آلاف الحجاج المصريين الذين اضطرت السلطات المصرية لمساعدتهم في النهاية بعد تنكر منها لهم لأيام، وسط تسجيل مئات الوفيات بين هؤلاء الذين دخلوا السعودية بتأشيرات زيارة. وعلى الرغم من غياب الإحصائيات الرسمية عن حصيلة الوفيات من غير المسجّلين في قواعد البيانات لدى السلطات المصرية والسعودية، إلا أن العدد يتجاوز 500 حاج مصري على الأقل بحسب تصريحات إعلامية، فيما لا يزال العشرات مفقودين من دون معرفة أماكن تواجدهم. ويجيء هذا على الرغم من تحذير السلطات المصرية من السفر إلى السعودية من أجل أداء مناسك الحج، باستخدام تأشيرات الزيارة المخالفة لتعليمات سلطات المملكة، فضلاً عن الحملات الأمنية التي شنّتها هذه الأخيرة عبر مداهمة أماكن تواجد الحجاج غير النظاميين، والتي استمرت على مدار أسابيع سبقت موسم الحج. لكنّ الجزء الأكبر من المشكلة يكمن، بحسب ما تراه السلطات المصرية، في «السماح للمخالفين الذين كانوا يستعدون للترحيل من السعودية، بأداء المناسك من دون أن يكون هناك توافر لسيارات تنقلهم أو أماكن يقيمون فيها، وسط ارتفاع درجات الحرارة».وسُجّلت غالبية الأعداد المسجلة كوفيات في أوساط الحجاج المصريين، بين من تجاوزت أعمارهم الستين عاماً، وغالبيتهم من أصحاب الأمراض المزمنة الذين اضطروا للسير لمسافات طويلة تحت شمس حارقة ودرجات حرارة تجاوزت 50 درجة مئوية، من دون توافر أي رعاية صحية أو خدمات لهم، في وقت رفضت فيه بعثة الحج الرسمية تقديم أي مساعدات للحجاج غير النظاميين خلال الأيام الأولى من الحج. ودفع تزايد حالات الوفاة والإصابة خلال يومي وقفة عرفة وأول أيام العيد، السلطات السعودية، إلى الطلب من المسؤولين المصريين سرعة التدخل، أملاً في الحد من المشكلة التي تفاقمت مع تسجيل عشرات الوفيات من المصريين غير الحاملين لهويات شخصية تمكّن من التعرف إليهم.
لكن التدخل المصري تأخّر كثيراً، بما فيه نشاط بعثة الحج الرسمية التي يقترب عددها من 51 ألف شخص، مع وجود أرقام غير رسمية تفيد بوجود أكثر من 100 ألف مصري على الأقل حاولوا تأدية مناسك الحج بشكل غير رسمي، فيما انتقل وفد من السفارة المصرية إلى مكة في محاولة لمساعدة العائلات التي بدأت البحث عن ذويها. والمفارقة أن التدخل القنصلي تأخّر حتى بعد انتهاء عطلة أيام العيد، في وقت اعتمد فيه المصريون الموجودون في مكة على مجموعات مغلقة من أجل التواصل ومحاولة إنهاء تصاريح الدفن لمن توفوا خلال أيام الحج، علماً أنه جرى تسهيل إجراء التوكيلات الموثّقة عبر الخارجية المصرية لإتمام مراسم الدفن في المملكة في أسرع وقت، مع تسجيل مئات الوفيات.
ورغم مرور أسبوع على وفاة العدد الأكبر من الحجاج المصريين، إلا أن التحركات المصرية الحكومية التي بدأت مع إعلان تشكيل خلية أزمة، اقتصرت على السعي لمحاسبة الشركات التي سهّلت سفر المصريين بالمخالفة للضوابط القانونية المحددة، وسط سحب تراخيص 16 شركة سياحية ثبت تورطها في المسؤولية عن تسفير حجاج بالمخالفة للقانون. ويؤكد أحد الحجاج الذي سافر من خلال إحدى الشركات، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه ونظراءه اضطروا إلى «دفع مبالغ مالية كبيرة بشكل مفاجئ في الأيام التي سبقت التوجه إلى عرفات بسبب الملاحقات الأمنية من السلطات السعودية»، مشيراً إلى أن «المسؤول السعودي عن تنظيم رحلتهم لم يتواصل معهم في الموعد المحدد لنقلهم بالباصات إلى جبل عرفة، ما اضطر الكثيرين منهم لقضاء أكثر من 12 ساعة في الطريق سيراً على الأقدام للوصول إلى هناك».
وبحسب مصادر أمنية تحدثت إلى «الأخبار»، فإن «إجراءات أمنية مشددة وتحريات وعمليات استجواب موسّعة تجري مع الحجاج المصريين المخالفين خلال عودتهم إلى المطارات المصرية للاستدلال على منظّمي رحلاتهم والذين سمحوا لهم بالخروج من البلاد بشكل رسمي للحج بشكل مخالف»، علماً أن وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني «مسؤولان عن هذا الملف بشكل كامل». وإذ تتوقع المصادر «توقيف العشرات خلال الأيام المقبلة»، على خلفية التحقيقات الجارية، فهي تشير إلى «إجراءات سيتم اتخاذها من جانب السلطات المصرية بالتنسيق مع الجانب السعودي ستحد من التسهيلات الممنوحة للمصريين لدخول المملكة خاصة خلال الفترة التي تسبق موسم الحج»، فضلاً عن «المطالبة بتعديل مدة الزيارات إلى السعودية ليكون موعد انتهائها قبل بداية الموسم تجنباً لتكرار ما حدث».